الهندسة والآليات > المركبات والآليات
النسيج ثلاثي الأبعاد: تكنولوجيا القرون الماضية للآلات المستقبلية
قد يغدو فن النسيج حجر الأساس لإنتاج مواد مركبة من الألياف الكربونية الأكثر قوة وتعقيداً. فما هو سر فن النسيج وما هي الخفايا التي يملكها نول النسيج الذي تم اختراعه من مئات السنين وما هي الأشياء التي يمكن أن يقدمها لتكنولوجيا المستقبل كمحركات الطائرات والسيارات عالية الأداء؟ لتتعرفوا على إجابات هذه الأسئلة وأكثر تابعوا معنا هذا المقال التالي.
تصنع المواد المركبة عادة من خلال وضع طبقات من مواد مختلفة فوق بعضها البعض ومن ثم حقنها بمواد راتينجية "Resin". مما يعني أن هذه الطبقات لا يربطها ببعضها سوى الراتينج "Resin" ونتيجة لذلك فإن هذه الطبقات تأخذ بالتباعد عن بعضها عند تعرضها للأحمال ضمن ما يعرف بظاهرة (التطبيق أو التطبُّق) "Delamination" و هذا قد يؤدي إلى مشكلة انفصال الطبقات عن المادة التي تعرف بإجهاد القص بين الصفائحي "inter-laminar shear stress" .
لكن استخدام نول النسيج لنسج المواد المركبة يمكننا من إدخال الألياف الداعمة "reinforcing fiber" عبر النسيج ليقوم بالربط بين الطبقات مما يؤدي لإنتاج مواد مركبة ثلاثية الأبعاد قادرة على تحمل الاصطدام و الأحمال دون تباعد الطبقات عن بعضها البعض. ولقد أبدت النسج ثلاثية الأبعاد هذه متانة ضد الكسر "fracture toughness" أكبر بعشرين مرة من مركبات الايبوكسي الصفيحية التقليدية "epoxy laminates".
كذلك فإنه من الممكن نسج مواصفات محددة في أجزاء معينة من النسيج أي أنه يمكن تعديل تصميم هذه المواد بمواصفات تتناسب مع الأحمال التي تتعرض لها أثناء التشغيل، فعلي سبيل المثل من الممكن أن تكون الأحمال المطبقة على الأجزاء المنحنية من هيكل المادة المركبة باتجاه مختلف عن الأحمال على الأجزاء المسطحة منها وبإضافة ألياف داعمة باتجاه هذه الأحمال يمكّن المادة من مقاومة هذه الأحمال.
و بالإضافة إلى ما سبق فإنه يمكن إنتاج مواد ذات تصميم أكثر تعقيداً، حيث يمكن باستخدام نول النسيج نسج مادة مسطحة تحوي على طبقات متصلة في ما بينها على كامل مساحة النسيج ماعدا أجزاء محددة يمكن فصلها إلى طبقتين مما يسمح بتشكيل دعامات على شكل "T" أو"I"عند رفعها عن النول وهي أشكال لدعامات أساسية مستخدمة بكثرة في تقسية أجنحة الطائرات.
و على الرغم من أن استخدام النسيج ما زال حديثاً نسبياً في صناعة المواد المركبة لكنها بقيت عمليا بدون أي تغيير لمئات السنين حيث يتم إدخال خيوط الحدف* على النول عموديا بين خيوط السداء*.
(يقول أحد الباحثين أن عملية النسج ثلاثي الأبعاد تتم من خلال التحكم برفع خيوط السداء و عدد خيوط اللحمة المدخلة قبل أن ينساب النسيج على النول حيث يمكن إدخال عدة خيوط لحمة فوق بعضها البعض و يمكن التحكم بخيوط السداء بحيث يشكل بعضها ألياف الدعم على كامل سماكة النول.) يتطلب هذا الجزء الكثير من الفهم لعملية فتح النفس و تحريك الخيوط
و بينما تقوم بعض شركات تصنيع المواد المركبة بتطوير أنوالها الخاصة فإن بعضها الآخر يستخدم نول الجاكارد التقليدي المستخدم لإنتاج أنسجة متعددة الطبقات والتصاميم، كأغطية الأسرة المطرزة– هذا النول صممه جوزف ماري جاكارد و كان يستخدم البطاقات المثقبة قديما للتحكم بحركة الخيوط أما اليوم فيتم التحكم بها الكترونياً.
يعلق أحد الباحثين بأن هناك الكثير من الحرية فيما يخص تصميم النسيج حيث يمكن تغيير التدعيم على سماكة النسيج بطرق متعددة. و على الرغم من أن الباحثين لايزالون مقيدين بتصاميم نسيجية محدودة لعدم توفر المعلومات الكافية عن كافة التصاميم المتوفرة، لكن الباحثين يقومون بنمذجة أداء المركبات النسيجية بهدف تعديل التصميم للتطبيقات المختلفة، على سبيل المثال الحصول على نسيج بأخف وزن ممكن، بينما يستخدم احد الباحثين في جامعة نوتنغهام خوارزمية مبنية على عملية الانتقاء الطبيعي للحصول على التصميم الأمثل لتطبيق محدد – كجهاز التعشيق لآلية هبوط الطائرة.
و يتم استخدام النسيج ثلاثي الأبعاد حاليا في صناعة الطيران حيث أن طائرة بوينغ "Boeing 787 Dreamliner" مزودة بدعامات مدعمة بالألياف بتقنية النسيج ثلاثي الأبعاد، كذلك تقوم شركة ألباني "Albany" بنسج شفرات مراوح مركبة ثلاثية الأبعاد على نول جاكارد و يتم قصها بتقنية نفث الماء "Water jet" و بعدها يتم حقنها بالرزين ضمن قوالب. هذه الشفرات سيتم استخدامها في محركات "LEAP" التي ستستخدم في طائرة إيرباص "Airbus A320neo" في عام 2016 وفي طائرة بوينغ " Boeing 737Max" عام 2017 وستقوم هذه المراوح بخفض وزن الطائرة بما يقارب 500 كيلوغرام.
بالإضافة إلى صناعة الطائرات فإن النسج ثلاثية الأبعاد وجدت طريقها أيضا لصناعة السيارات حيث دخلت "الباني" مع شركة "ريكاردو" لتصنيع أجزاء سيارات. بينما قامت تويوتا باستخدام نول النسيج لتصنيع نسيج من ألياف الكربون لعلبة الاصطدام الأمامية "front crush box" لسيارة ليكزس "Lexus LFA supercar".
وعلى ما يبدو فإن الأنوال قد عادت لتحتل مكانا أساسيا في قلب الصناعة الحديثة... ماهي المجالات التي ستقتحمها الأنوال في الأعوام المقبلة؟
* خيوط السداء هي مجموعة الخيوط التي يتم تحريكها على طول النول و تكون الخيوط الطولية في القماش.
* خيوط اللحمة هي الخيوط التي يتم ادخالها بين خيوط السداء على عرض النول وتكون الخيوط العرضية في النسيج
المصدر: