الفيزياء والفلك > فيزياء
رقصة المولويّة تشرح لنا بعضاً من الظواهر الطبيعيّة
دوران الأرض حول نفسها يُنتِج تأثير أو قوة تدعى بقوة كوريوليس Coriolis force، وتعرّف على إنها الانحراف الظاهري لأجسام (طائرات، رياح، صواريخ، تيارات محيطات) تتحرك وفق مسار مستقيم بالنسبة لسطح الأرض، واتجاه الانحراف الناتج عن ذلك التأثير يعتمد على موضع الجسم على الأرض فهو ينحرف نحو اليمين في نصف الكرة الشمالي ونحو اليسار في النصف الجنوبي.
يمكنك أن تتخيل ذلك التأثير لو أن لديك قرص تسجيل دائري من الطراز القديم يدور على جهاز الاسطوانات وأردت أن ترسم بالطبشور خطاً مستقيماً من حافة القرص إلى مركزه أثناء دورانه ستجد أن ذلك الخط سوف يكون منحنياً.
قوة كوريوليس تؤثر على مظاهر كثيرة في حياتنا، خذ على سبيل المثال: رحلة جوية مغادرة من سان فرانسيسكو في غرب الولايات المتحدة ومتجهة نحو نيويورك التي تقع على نفس خط العرض تقريباً في الشرق، فإذا كانت الأرض لا تدور، أي أن قوة كوريوليس غير موجودة، فإن الطيار يجب أن يحلق وفق خط مستقيم نحو الشرق. لكن لوجود قوة كوريوليس فإن الطيار يتوجب عليه تصحيح مساره باستمرار نظراً لحركة الأرض تحت الطائرة، وبدون ذلك التصحيح فإن الطائرة سوف تهبط في مكانٍ ما جنوب الولايات المتحدة. القوة السابقة تؤثر كذلك على مسارات الصواريخ والقذائف وتم أخذها بالحسبان منذ عقودٍ طويلة، ففي أثناء الحرب العالمية الأولى وعندما قامت القوات الألمانية بتوجيه اكبر مدافعها نحو باريس من مسافة 75 ميلاً اضطرت تلك القوات لضبط مسارات القذائف باستعمال عدد من العوامل، وعلى وجه الخصوص قوة كوريوليس التي كانت قادرة على إزاحة القذائف عن أهدافها لمسافة نصف ميل.
ومن أهم تأثيرات القوة السابقة هي الظواهر الطبيعية المتعلقة بالرياح والأعاصير والزوابع واختلاف شداتها واتجاهاتها تبعا لمكان تواجدها على الكرة الأرضية.
لكن ما علاقة كل ما سبق برقصة المولوية؟
لقد أظهرت الدراسات أن القوة التي تربط بين دوران الأرض و اتجاه العواصف و الأعاصير ، هي نفسها تلعب دوراً أساسياً في توليد أنماط معينة من الأشكال الملتوية على أثواب الدراويش (راقصي المولويّة). يُذكر أن رقصة المولويّة تعود لطريقة أنشأها "جلال الدين الرومي" في القرن الثالث عشر في تركيا، وأصبحت فيما بعد من ضمن الثقافة والفلكلور التركي، بالإضافة لانتشارها في مناطق أخرى مثل مدينة حلب السورية. (فيديو لدراويش المولويّة يؤدون رقصتهم في استنبول
).
النتيجة السابقة جاءت وفقاً لفريق دولي من الباحثين والذين أثبتوا الدور الأساسي الذي تلعبه قوة كوريوليس في توليد الأشكال الدورانيّة والدواميّة على سطح أثواب أو (تنانير) دراويش المولويّة، حيث أوجدوا مجموعة من المعادلات البسيطة جداً والتي تَحكم سلوك الأجسام المخروطية (إن كانت ثابتة أو حرة بانسيابها) أثناء دورانها.
المعادلات التي نشرت بتاريخ 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2013 في مجلة New Journal of Physics، كانت قادرة على استنساخ قمم بارزة وقيعان منخفضة تماماً كالتي تظهر على طول السطح الانسيابي لأثواب الدراويش، وتلك الأشكال التي أظهرتها المعادلات السابقة كانت مشابهة كثيراً لتلك الموجودة في الواقع.
"james Hanna "من معهد فيرجينيا للعلوم التطبيقية والمشارك في الدراسة يقول : " لا يفعل الراقصون الكثير فهم يدورون حول أنفسهم بسرعة ثابتة، لكن أثوابهم تُظهر تلك الأشكال المدهشة ذات النتوءات البارزة والتي تستمر طويلاً ".
"Hanna"وبالاشتراك مع "Jemal Guven” من معهد Universidad Nacional Autonoma و "Martin Michael "من جامعة Université de Lorraine وجودوا أن وجود قوة كوريوليس كان له دوراً جوهرياً في توليد الأشكال المختلفة، حيث أن " تأثير كوريوليس " فسّر انحناء الأشياء المتموضعة على سطح يدور، و يَظهر هذا التأثير بشكل أكثر وضوحاً عند النظر إلى دوران الأرض وما يسببه ذلك الدوران من تأثيرات على الغلاف الجوي، حيث أن دوران الأرض يسبب نشوء قوة كوريوليس والتي تتسبب بدورها بدوران الرياح باتجاه دوران عقارب الساعة في النصف الشمالي للكرة الأرضية وبعكس دوران عقارب الساعة في النصف الجنوبي، وذلك ما يؤدي لاختلاف اتجاهات دوران الأعاصير في كل من نصفي الكرة الأرضية.
يقول"Hanna”: "ولأن الثوب متناظر مخروطياً فإن المادة يمكن أن تنساب على طول سطحه دون أن تمتط أو تتشوه بما يشبه دوران الأرض مع الهواء حر الحركة المحيط بها، ولكن انسياب المادة على الثوب مقيد أكثر من انسياب الهواء ومع ذلك يظهر تأثير قوة كوريوليس عليها، إن ما وجدناه هو أن هذا الانسياب مع قوة كوريوليس المرافقة له، يلعب دوراً أساسياً في توليد الأشكال على أثواب الدراويش ". أي أن دوران الدراويش يمكن تشبيههُ بدوران الكرة الأرضية فالدرويش هو الكرة الأرضية والثوب هو الغلاف الجوي.
يأمل الباحثون من خلال توفير الوصف الرياضي لأثواب الدراويش الدوارة بأن يكون بحثهم المستقبلي قادراً على تبيان كيفية انتقاء ظهور نمط معيّن، ومدى استقرار تلك الأنماط، وإذا ما كانت الجاذبية أو أي عامل آخر يُحدث فرقاً نوعياً في ذلك.
المصادر: