الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة
فضلات مِنْ ذهب!
خلال دراستهم لفضلات الإنسان، وجد العلماء أنّها منجمٌ للذّهب، حرفيّاً! إذ يتواجد الذّهب ضمن برازنا بكميّاتٍ لا بأس بها، بالإضافةِ إلى معادن ثمينةٍ أخرى، منها: الفضّة. كما ويحتوي برازنا على معادن نادرةٍ تدخل في صناعة الإلكترونيّات والخلائط المعدنيّة (السّبائك) كالفانداليوم والباللاديوم. هذه المعلومات وعلى الرغم من غرابتها لا تُعتَبر جديدةً على المجتمع العلمي، كما وأنّها ليست أهمّ ما في هذا المقال، فالأكثر غرابةً أنّ العلماء الآن يعكفون على إيجاد طرقٍ لاستخلاص هذه المعادن وإعادة استخدامها، الأمر الذي إن تمّ نجاحه فإنّه سيوفّر علينا عناء التنقيب على كثيرٍ من المعادن، والذي يُعتَبر أمراً مُكلفاً للغاية. فما الذي توصّل إليه العلماء ضمن هذا المجال الغريب؟! وهل يا تُرى تحقّقَ لهم ما كانوا يَصْبون إليه؟
ندعوكم إلى قراءة هذا المقال للإجابة عن هذه الاستفسارات والتعرّف على أجسامنا بشكلٍ أعمق.
ثمة مفهومٌ خاطئ لكنّه شائعٌ حول كيفية التعامل مع النفايات البشرية وهو أننا نقوم بتصفيتها في منشآت معالجة النفايات وبذلك يكون لها تأثير صغير على البيئة بغض النظر عن كلفة هذه المنشآت. إلا أن هذا المفهوم غير صحيح.
على الرغم من التوصل إلى طرائق حديثة ومبتكرة لإعادة استخدام نفاياتنا، إلا أنَّ حوالي 3.5 طن من المواد الحيوية الصلبة "الحمأة" الناتجة سنوياً تنتهي حالياً في مكبات نفايات ويتمُّ طمرها أو حرقها، علماً أنه يمكن استخدام بعض المخلفات كسماد، وأن حرق النفايات يمكن أن يساعدنا في إنتاج الطاقة، إلا أنها دون أدنى شك تبقى عبئاً كبيراً على الكوكب و لها دور مهم في المشاكل المناخية الموجودة حالياً.
وتبعاً للدكتورة "سميث" فـ: "مهما يكن مصدر هذه المعادن، فإنّ منتهاها غالباً ما يكون إلى فضلاتٍ صلبة وذلك بعد تصفيتها ضمن معامل معالجة مياه الصّرف الصّحي".
يتمُّ ضمن هذه المعامل معالجة مياه الصّرف الصّحيِّ فيزيائياً وكيميائياً وبيولوجياً، لينتج عن ذلك بعدها مواد حيوية صلبة ومياه مُعالجة. وقد قالت الدكتورة سميث بأنّها تعكف وفريقها على العمل ضمن محورين أساسيين فيما يخصّ مُعالجة الفضلات، الأول يتعلّق بإزالة بعض المعادن التي تحدُّ من استخدام من المواد الصلبة الحيويّة في التطبيقات الزراعيّة (كسمادٍ مثلاً)، أما المحور الثاني، فسيتمُّ التّركيز من خلاله على جمع المعادن القيّمة تجاريّاً والمتواجدة ضمن مياه الصّرف، والتي تتضمّن الفانداليوم المذكور آنفاً، إضافةً للنّحاس واللذان يدخلان في صناعة أجهزة الهاتف المحمول، والحاسبات الآليّة (الكومبيوتر)، والسّبائك.
كيف يتمُّ ذلك؟
هنالك مواد تُستَخدم في عمليّات التعدين الصّناعيّة تُدعى بالـ (الرّشاحات)* سيتم توظيفها من قبل فريق الدكتورة سميث لاستخلاص المعادن المتواجدة ضمن المواد الصّلبة الحيويّة. تقول الحائزة على الدكتوراه، (كاثليين سميث): "إنّ عمليّة استخلاص المعادن من الفضلات لا تساعدنا على اقتناص معادن قيّمةٍ وحسب، بل إنها تساهم أيضاً في جعل الفضلات الصّلبة الحيويّة أنسب للاستخدام كأسمدة، الأمر الذي كان محدوداً بسبب وجود هذه المعادن، أي أنّنا سنضرب عصفورين بحجرٍ واحد!" وقد تمكًن الباحثون في الهيئة الأمريكية للمسح الجيولوجي من العثور على آثارٍ مجهرية من الذهب، الفضة ،البلاتين والرصاص وسط المعادن الأخرى عند فحص البراز وذلك باستخدام المجهر الإلكترونيّ الماسح Scanning Electron Microscope، والقيام بفحوص دقيقة في محطات الصّرف الصحي الأمريكية، يوضح الباحثون أن هذه المعادن يمكن أن تصل إلى البراز بعدة طرق حيث أن آثاراً منها توجد في منتجات غذائية معينة إضافة لتواجدها بكميات ضئيلة في المنتجات التجميلية كالشامبو والمستحضرات التجميلية.
توجد مواد كيميائية تعرف بالمواد المتسربة (الراشحات) يمكن إستخدمها في مصانع التنقيب لسحب المعادن من الصخور. إن استعمالها في الأماكن الطبيعية هو موضع جدل حاليّاً، ذلك لأنها عندما تتسرب يمكن أن تكون مؤذية للبيئة، على أية حال يمكن أن تستخدم هذه المواد في مواقع المراقبة مثل محطات الصرف الصحي ويمكن لها وفقاً للباحثين، أن تساعدنا في سحب المعادن الثمينة بدون التأثير على البيئة. لقد أكّدت "سميث" بأنَّ الكميّات المعثور عليها من الذّهب ضمن المواد الصّلبة تُقارب تلك المتواجدة ضمن حجارة المناجم. كما أضافت بأنّه يلزم إجراء دراسة جدوى اقتصاديّة وتقنيّة لعمليّة استرداد كل معدنٍ على حدة.
وفي دراسة أخرى وجدت مجموعةٌ من الباحثين الذين يدرسون القضيّة ذاتها، أنّ الفضلات الناتجة من مليون أمريكيّ يمكن أن تحتوي على معادن قد تصل قيمتها إلى 13 مليون دولارٍ أمريكيّ. على أية حال، هناك سبب آخر يدفع العلماء للتحمس لهذه الفكرة بغض النظر عن المكاسب المالية الواضحة، حيث أنّه في حال أثبتت هذه التقنية فعاليتها على مقياس واسع، عندها يمكن استعمالها لاستخلاص المعادن المؤذية من نفاياتنا مما سيقلل بشكل كبير من التأثير الذي تمتلكه على البيئة ككل.
*الرّشاحة: هي سوائل تعمل على استخلاص المواد الصّلبة المُنحلّة أو المعلّقة ضمن المواد التي تُمرّر خلالها.
مصادر: