الموسيقا > القوالب الموسيقية
قالب البشرف.
البَشرَف هو قالبٌ موسيقيٌّ آليّ يُعَدّ من أطول المؤلفات التقليدية في التراث العربي، تعود تسميته إلى أصلٍ فارسيّ حيث كان يدعى "بشرو"، ولكن بعدها حُرّف للعربية فأصبح يُدعى "بشرف" أي: "مقدمة اللحن في الموسيقى".
عادةً ما تبدأ به الوصلات أو الأعمال الغنائية _كما السماعي والدولاب وسنتحدث عنهما في مقالات قادمة_ وسبب افتتاح الوصلة بهذا النوع من الموسيقى هو لكي يتمكن المطرب من تثبيت مقام الأغنية "أي النغمة" في عقله وأذنه وبالتالي يصل إلى درجة عالية من التركيز الموسيقي تُدعى "السلطنة".
لايجوز اعتبار البشرف من أصل الوصلة الغنائية، إنما يُعتبر قطعةً موسيقية ويمكن أن تؤدّى بشكل مستقلٍّ تماماً.
لا يرتبط البشرف بمقامٍ أو نغمة معينة، ويمكن تأليفه بذلك على أيّ مقام، وهو غنيٌّ بالجُمل الموسيقية ذات القيمة الفنية العالية.
يصاغ هذا القالب عادةً في الموازين الإيقاعية الكبيرة البسيطة، وغالباً ما يكون ميزان 4/4.
يتألف البشرف من أربع خانات وتسليم، ويكون ترتيبهم كالتالي:
خانة أولى
تسليم
خانة ثانية
خانة ثالثة
وأخيراً خانة رابعة.
يُعاد التسليم بعد كل خانة من الخانات الأربع.
يسمى البشرف باِسم المقام المُؤلَف عليه، مصاحباً لاِسم المؤلِّف، مثال: بشرف "راست" طاطيوس أفندي.
عادةً ما تكون الخانة الأولى والتسيلم بدون أي تلوينات أو نقلات في مقام البشرف، وذلك على عكس باقي الخانات، حيث غالباً ما يقوم المؤلف بنقلات مقامية و تزيينات بالخانات الثلاث الأخيرة.
دعونا نستمع معاً إلى " بشرف راست / طاطيوس أفندي ":
يمكننا أيضا متابعة التدوين الموسيقي لهذه المقطوعة:
هذا مُجمَل ما ذُكر وعُرف عن قالب البشرف بشكله العام ،ولكي نتأمل في تفاصيل هذا القالب الجميل يجب ذكر أنواعه :
أوّلهما الشكل التقليدي في الطريقة المولويّة وموسيقى البلاط العثماني وهو عبارة عن أربع خانات تتخلّلها لازمة تفصل الخانات بعضها عن بعض، وتكون اللازمة مساويةً لكلّ خانة في الزمن أو في نصف زمن الخانة أو ثلثه أو ربعه، وعادةً ما يُؤلَّف البشرف في إيقاعٍ طويل، كالدور ذي الثماني والعشرين نبضة، فإذا كانت كلّ خانة في وحدتين من هذا الإيقاع فإن اللازمة يُمكن أن تكون هي الأخرى عبارةً عن وحدتين أو وحدةٍ إيقاعيّة أي نصف الخانة، ويُحتمل أن تنتهي الخانات واللازمة بجملةٍ صغيرةٍ تُسمّى التسليم، وهذا التسليم يُسلّم من كلّ خانةٍ إلى اللازمة وإذا وجِد في اللازمة فهو يُسلّم من اللازمة إلى الخانات، ويُحتمل وجوده في كلّ الخانات واللازمة، أو الخانات دون اللازمة وفي أحيانٍ قليلة قد يوجد في بعض الخانات دون الأخرى، وعادةً جملة التسليم تكون لا تتعدّى نصف وحدةٍ إيقاعيّة.
أحد هذه البشروات التي أتت إلى مصر: بشرف همايون من تأليف عثمان بيه الطنبوري، وهو أحد المولويّة الذين خدموا في بلاط الباب العالي في منتصف القرن التاسع عشر، وتحوي كل خانةٍ من خانات هذا البشرف على ثلاث وحداتٍ إيقاعيّة من إيقاع الدور ذي الثماني والعشرين نبضة، وتنتهي كلّ خانةٍ بتسليمٍ إلى اللازمة في ثماني نبضات بالطبع داخل آخر وحدةٍ من كلّ خانة، فإذا كانت كلّ خانةٍ تحوي أربعاً وثمانين نبضةً أي عدّة، فالتسليم يبدأ في العدّة السابعة والسبعين، أمّا اللازمة فهي وحدةٌ إيقاعيّة فقط من إيقاع الدور، أي أن اللازمة ثلث خانة.
وكمثال لنستمع معاً إلى " بشرف حجاز همايون/عثمان بيه للطنبوري" أداء:
كمان: سامي أفندي الشوا
عود : محمد القصبجي
قانون: علي رشيدي
هناك نوعٌ من البشروات ظهر في منتصف القرن الثامن عشر في اسطنبول، هذا النوع لا يختلف عن غيره إلا من حيث الأداء، أي أنّ هناك مناطق داخل العمل تُعزف على آلةٍ منفردةٍ أو كحوارٍ بين آلتين، ولمّا كانت نزعة العازفين العرب أميل للتنويع والارتجال منها إلى التثبيت، فحين انتقل هذا النوع إلى مصر وبلاد الشام، انتقلت فكرة المحاورة أو العزف المنفرد سابق التلحين إلى محاورةٍ مرتجلة بين عازفٍ منفردٍ وباقي فرقة العزف، أشبه ما يكون بفكرة "تحميلةٍ" داخل بشرف.
وكمثال لهذا النوع من البشارف نستمع معاً إلى " قرّه بطك سيكاه / خضر آغا الكماني " أداء:
كمان: سامي أفندي الشوا
عود : محمد القصبجي
قانون: علي رشيدي
آخر نوعٍ نتعرّض إليه في هذه الحلقة هو نوعٌ من البشروات لا يوجد له نظيرٌ في الموسيقى التركيّة، لا يُعرفُ لهذا النوع اسمٌ ولم يُرصد من قبل على الرغم من انتشاره، هو نوعٌ له خانتان فقط، وعلى إيقاعٍ أقصر من إيقاعات البشرف في شكله العثمانيّ، يُعتقد أنّ هذا النوع من البشارف قد تمّ تأليفه في المشرق العربي، مصر أو بلاد الشام أو العراق، وطريقة أداء هذا النوع تعتمد على جملةٍ تتكرّر في الخانتين واللازمة كتسليم، غير أنّ هذه الجملة ليست ناقلة أو واصلة بين الفقرات، إنّما لها أيضاً دورُ الإعادة، فيُمكن أن تؤدّى بطريقةٍ ما فيها إشارةٍ لإعادة خانةٍ ما، كالخانة الأولى مثلاً حتّى بعد التسليم، أو حتّى بعد الانتهاء من الخانة الثانية، يُمكن الرجوع للخانة الأولى إذا شاء المؤدّون ذلك.
المصدر: