البيولوجيا والتطوّر > التطور
الذكور ... ودورها الفعال في اصطفاء المجتمعات الحيوية نحو الأفضل
لا تعد عملية التكاثر الجنسي التي تسلكها جميع المجتمعات الحيوانية الراقية كوسيلة للتكاثر والحفاظ على النوع فحسب، فقد تمكن العلماء مؤخراً من الكشف عن الدور الفعال الذي تلعبه هذه العملية في الإصطفاء الطبيعي للأفراد والإبقاء على الأفراد الأصلح والأكثر قدرة على الإنجاب ونقل مورثاتهم القوية للأجيال اللاحقة. ويبقى التساؤل الأكثر أهمية حول الدور الذي يلعبه الذكر في عملية الإصطفاء الطبيعي ؟ ربما سنجد الإجابة في مقالنا التالي ..
إن التساؤل الكبير الذي يطرحه البيولوجيون على المدى الطويل حول أهمية الذكور في عملية التكاثر. حيث قام فريق من الباحثين من جامعة East Angila بنشر أبحاثهم في المجلة العلمية Natuare حول القوى التطورية في المجتمعات الأحيائية والتي تعرف بالإنتخاب الجنسي sexual selesction والتي تدعم وجود كلا الجنسين كآلية سائدة في الحصول على الأنسال.
يكمن السر في هذه التساؤلات حول بقاء الذكور بهذه المجتمعات على الرغم من القوى الصارمة التي تتطلبها عمليات الأصطفاء هذه وعلى الرغم من أنه في كثير من الأنواع تقتصر مساهمة الذكور في حيواناتها المنوية خلال عملية التكاثر. ولكن نتائج الأبحاث المنشورة مؤخراً تشير إلى أن الإصطفاء الجنسي يعتمد بشكل رئيسي على وجود عدد من الذكور المتنافسة على أنثى واحدة، التي تقوم بإختيار الذكر الأفضل بالنهاية من أجل العملية الجنسية. وهذا بدوره يشكل أهمية كبيرة في الحفاظ على صحة العشيرة ويحافظ عليها من الإنقراض حتى في الحالات القصوى من التزاوج بين الأقارب الذي قد يسبب نوعا من التدهور الوراثي. وقد وضحت هذه النتائج ضرورة وجود كلا الجنسين كآلية سائدة وفعالة في إنتاج أنسال قوية قادرة على البقاء.
يقول مات جاك العالم المسؤول عن البحث:" يعتبر الإصطفاء الجنسي ثاني الأفكار الخلاقة التي طرحها داروين، والتي توضح أنطواء الحركة التطورية على الكثير من التجاذبات الخلاقة بين الجنسين كالرؤية أو الأصوات أو الروائح التي تشعل المنافسة من أجل التكاثر، هذه المنافسة التي قد تنتهي أحيانا بموت الذكر الأضعف. ويتجلى الاصطفاء الجنسي بوجود الذكور المتنافسة من أجل التكاثر والأنثى التي تقوم بالإختيار، وبالتالي فإن وجود كلا الجنسين يلعب دوراً رئيسا في نجاح هذه العملية التي تنتهي بفوز الذكر الأفضل الذي يكون قادراً على نقل مورثاته للأجيال اللاحقة. لذلك تعتبر هذه العملية ذات تأثير واسع على عملية التطور والإصطفاء".
تعتمد معظم الأنواع متعددة الخلايا على عملية التكاثر الجنسي، على الرغم من الصعوبات والأعباء الكثيرة التي تواجهها هذه العملية، أهمها أن نصف الأنسال الناتجة ستكون غير قادرة على إنتاج نسل جديد. فلماذا تتكبد هذه الأنواع كل هذا العناء من أجل الإنجاب والتكاثر؟ وما هو السبب في استمرار هذا النوع من التكاثر بالرغم من جوانبه السلبية المعروفة؟ في حين أن عملية التكاثر اللاجنسي تمكن جميع الأفراد الناشئة من إعطاء أفراد جديدة. كما في حالة التكاثر اللاجنسي عند جماعة الإناث والتي تعتبر وسيلة أكثر فعالية في إنتاج أعداد أكبر من الأفراد.
وقد أظهر هذا البحث أن المنافسة الحاصلة بين الذكور تعطي فوائد كثيرة تتمثل في تحسين القاعدة الوراثية للمجتمع من خلال اصطفاء الطفرات الوراثية الضارة وإزدهار المجتمع وحمايته من الانقراض على المدى البعيد.
من أجل فهم أوضح لظاهرة الاصطفاء الجنسي قام الفريق البحثي بالعمل لمدة عشرة سنوات على تربية عدة عشائر من خنافس الطحين تحت ظروف المخبر المتحكم بها. وكان الفرق الوحيد بين هذه العشائر هو كثافة الإصطفاء الجنسي خلال كل مراحل التزاوج للأفراد البالغة. وتراوحت قوة التنافس والإختيار من مجتمعات يوجد فيها 90 ذكر لكل عشرة إناث. إلى مجتمعات كانت فيها المنافسة معدومة بوجود ذكر واحد لكل أنثى ولا تملك الأنثى في هذه الحالة القدرة على الإختيار.
بعد سبع سنوات من التكاثر تحت الظروف السابقة، وإنتاج حوالي 50 جيلأ. قام الفريق بدراسة خواص الصحة الوراثية لكل مجتمع من المجتمعات الناتجة، وأيضاً إجراء تجارب على مزاوجة الأقارب ضمن كل مجتمع بهدف الكشف عن الطفرات الضارة التي قد تكون مخفية ضمن هذه المجتمعات.
أظهرت المجتمعات التي عانت من درجات عالية من الإصطفاء الجنسي درجات مرتفعة من الصحة وكأنت أكثر مقاومة للإنقراض في ظل تزاوج الأقارب المتبع. حيث حافظت على صحة المجتمع حتى 20 جيلا بعد إجراء تزاوج الأقارب. بينما المجتمعات التي تميزت بنسبة قليلة أو معدومة من الإصطفاء الجنسي فقد أظهرت تدهوراً متسارعاً في الصحة الوراثية في ظل تزاوج الأقارب وانقرضت بعد جيلها العاشر.
يلعب الاصطفاء الجنسي دوراً فعالاً في إختيار الذكور الأفضل من حوض الجماعة ويساهم بنقل مورثاتها إلى النسل القادم كما يعمل على حذف المورثات غير المرغوبة خلال عملية التطور واستمرارية المجتمع.
المصادر: