الفنون البصرية > فنانون عالميّون
يوسف شاهين.. سفير السينما المصريّة إلى العالم
يوسف شاهين.. ابن مصر، أم الدنيا، وأحد أهم مخرجيها، استطاع أن يوصل السينما المصريّة إلى العالميّة بأفلامه الجدليّة التي جعلته محل حفاوة وتكريم من البعض، وعداوة من البعض الآخر.
ولد يوسف جبرائيل شاهين في 25/1/1926 بمحافظة الإسكندرية، من أب محامٍ ذي أصول لبنانيّة وأم من أصول يونانيّة، حرصت أسرته على حصوله على تعليم جيّد فبدأ دراسته في كليّة سان مارك الفرنسيّة بالإسكندرية ثم في كليّة فيكتوريا الإنجليزيّة حتى نهاية المرحلة الثانوية، ظهر تميّزه وحبّه للفن منذ سن مبكّرة وكثيراً ما كان يقوم في طفولته بتجارب مسرحيّة أمام عائلته وزملائه بالمدرسة.
درس سنة واحدة في جامعة الإسكندرية ثم سافر إلى أمريكا ليتخصّص في الفنون المسرحيّة في معهد باسادينا في لوس أنجلوس - كاليفورنيا، حيث أمضى فيه سنتين ثم عاد إلى مصر سنة 1948.
عمل يوسف فور عودته كمتدرّب مع المنتج الإيطالي Gianni Vernuccio ثم دخل مجال صناعة السينما المصرية كمساعد للمصور السينمائي الإيطالي Alvise Orfanelli الذي هَيَّأ له الفرصة لإخراج أوّل أفلامه "بابا أمين" سنة 1950 وهو ما يزال في سن الثالثة والعشرين، وفي العام الذي يليه أخرج فيلمه الثاني "ابن النيل" الذي أهّله للمشاركة في مهرجان "كان" السينمائي واضعاً بذلك أولى خطواته في مسيرة الشهرة والنجاح، وفي "صراع في الوادي" 1953 قدّم الممثل العالمي عمر الشريف للسينما المصريّة لأول مرّة على الإطلاق .
لم يكتفِ شاهين بالإخراج بل دخل أيضاً مجال التمثيل فشارك في بطولة فيلمه "باب الحديد" سنة 1985، جنباً إلى جنب مع فريد شوقي وهند رستم، وفي نفس السنة قدّم فيلماً عن المناضلة الجزائريّة "جميلة بوحيرد" حيث شارك في كتابة نصّه الكاتبان الكبيران نجيب محفوظ وعبد الرحمن الشرقاوي، وفي 1963 دخل تجربة الأفلام التاريخيّة الطويلة في "الناصر صلاح الدين"
تميّزت أفلامه بروحها النقديّة السياسيّة والاجتماعيّة مما جعل علاقته مع السلطات متوتّرة نوعاً ما فقرّر الانتقال إلى لبنان، وهناك تعاون مع السيدة فيروز في "بيّاع الخواتم" (1964) الذي يعدّ من أهم الأفلام الغنائيّة في السينما العربيّة، لكن فيلمه الثاني في لبنان "رمال من ذهب" لم يكتب له النجاح وتعرّض لكثير من الانتقادات فكان أحد أسباب عودته إلى مصر.
لم يتراجع يوسف شاهين عن خطّه الناقد حتى بعد عودته، فاستمر التوتّر بينه وبين السلطات الحاكمة، وقد ظهر ذلك جليّاً في فيلمه "الناس والنّيل" الذي يتحدّث عن بناء سد أسوان، حيث كان قد انتهى من تصويره سنة 1968 ولكن الرقابة لم تفرج عنه وتسمح بعرضه حتى 1972، خلال هذه الفترة قدّم أحد أهم أفلامه وأكثرها تأثيراً، "الأرض"، المأخوذ عن رواية للكاتب عبد الرحمن الشرقاوي، ويتحدّث عن الحياة الريفيّة المصريّة في الثلاثينات ومعاناة الفلاحين مع الإقطاع، وأوجه الشبه بينها وبين حالة البلاد آنذاك.
وكغيره من المثقفين تأثّر بنكسة 1967 وظهر ذلك جلياً في فيلماه، "الاختيار" الذي فاز بالجائزة الأولى في مهرجان قرطاج، والعصفور" الذي شرح فيه رؤيته عن أسباب الهزيمة.
تعرّض في منتصف السبعينات لأزمة قلبية أبعدته لفترة عن الساحة الفنيّة، عاد منها مع أول فيلم من رباعيته السينمائيّة التي تناولت سيرته الذاتيّة (إسكندرية ليه؟ 1978 - حدوتة مصريّة 1982 -اسكندرية كمان وكمان 1990 - اسكندرية نيويورك 2004) ونال عنه جائزة الدب الفضّي في مهرجان برلين. استطاع في هذه الرباعيّة أن يربط بشكل موفّق الطابع الشخصي بالاجتماعي والسياسي ، فقد صوّر من خلال قصّة حياته وضع الشارع المصري والإسكندرية بشكل خاص بدءاً من الحرب العالمية العالمية الثانية حتى بدايات القرن الواحد والعشرين.
في بداية التسعينات عاد للمسرح وقدّم مسرحيّة "كاليجولا Caligula" للروائي الفرنسي ألبير كامو وقد لاقت نجاحاً منقطع النظير
وبنفس هذه الفترة بدأ بكتابة فيلمه "المهاجر" المقتبس عن قصّة النبي يوسف، ولكنه أثار جدلاً واسعاً فور نزوله للصالات ومُنِع من العرض بعد أسبوعين فقط، مما أثار حفيظة يوسف شاهين الذي اعتبره مشروعه الشخصي وعمل عليه لمدة سنتين، فكان فيلم "المصير" 1997، الذي تدور أحداثه في الأندلس حول الفيلسوف العربي ابن رشد، نوع من الردّ على منع "المهاجر"، وقد رُشّح للسعفة الذهبيّة في مهرجان "كان" السينمائي، وعرض في أكثر من دولة منها إيطاليا وفرنسا
بعد أن قدّم آخر أفلام "هيّ فوضى" 2007 الذي أخرجه بالاشتراك مع المخرج خالد يوسف، أُدخِل إلى المستشفى إثر نزيف دماغيّ وفارق الحياة في 27/7/2008 منهياً مسيرة حافلة من الفن والإبداع حصد خلالها العديد من الجوائز وأهمها جائزة اليوبيل الذهبي لمهرجان "كان" السينمائي، وأثار خلالها الكثير من الجدل وجمع حوله العديد من المحبّين، والأعداء على حدّ سواء، لكن ما لا جدال فيه أنه ترك بصمة واضحة في السينما المصريّة بشكل خاص، والعربيّة بشكلٍ عام.
المصادر: