الفيزياء والفلك > علم الفلك

سلسلة مراحل حياة النجوم. 2- النجوم الاوليّة.

النجوم الأولية هو مصطلح يصف الحالة الابتدائية للنجوم، أي قبل أن تأخذ الشكل الكروي أو المفلطح الذي نعهده عند معظم الأجرام السماوية، فالنجم الأولي عبارة عن كتلة من الغاز الكوني، والذي قد يأتي من أي سحابة عابرة. يتجمع الغاز لتبدأ مرحلة تشكل النجم و قد تستغرق حتى 100،000 سنة تقريباً.

عندما يبدأ الغاز بالانجذاب إلى نقطة واحدة، تبدأ الطاقة الكامنة الثقالية بالتحول إلى طاقة حرارية كما تتحول أيضاً إلى إشعاعات. تمتاز الإشعاعات المنطلقة في البداية بقدرتها العالية على النفوذ، فهي ذات طاقة كبيرة، كذلك فإنها تحمل معها الطاقة الحرارية المتحولة مانعةً درجة الحرارة من الارتفاع. مع ازدياد انجذاب الغاز تزداد الكثافة ويزداد معها الضغط، وبزيادة الكثافة والضغط تقل نفوذية الإشعاعات المنطلقة، و نتيجةً لذلك تضعف طاقة الإشعاعات المنبعثة، ما يسبب ارتفاع درجة الحرارة، ومع الوقت فإن قوة التجاذب في المركز تبدأ بالضعف، لكن هذا لا يؤثر على انجذاب الأجزاء الخارجية، فبرغم هذا الضعف تبقى الأجزاء الخارجية منجذبة نحو المركز، وعند هذه النقطة، نطلق على ما تشكل اسم " النجم الأولي".

تتكون نواة النجم الأولي بشكل رئيسي من الهيدروجين، و كما ذكرت آنفاً في مرحلة النجم الأولي، تبدأ الحرارة بالارتفاع، وعندما تصل إلى 1800 كلفن (1526 درجة مئوية)، تبدأ جزيئات الهيدروجين بالتفكك إلى ذرات الهيدروجين، لذا فإن ازدياد درجة الحرارة يتباطئ بسبب صرف الطاقة اللازمة لانفصال الذرات، يحصل هذا التباطؤ مجدداً عند الدرجة 10،000 كلفن (9726 درجة مئوية) حينما تبدأ ذرات الهيدروجين بالتأين، كما يتباطئ مرةً أخرى عندما تبدأ ذرات الهيليوم بالتأين ، عملية التأين تكون قد اكتملت تماماً بوصول درجة الحرارة إلى 100،000 كلفن (97265 درجة مئوية). تتوقف عملية الانجذاب عندما تحتوي نواة النجم على كمية كبيرة من الغاز المتأين.

عند توقف الانجذاب يبدأ النجم بدخول مرحلةٍ من التوازن، عندها تكون قوى التجاذب قد حولت سحابةً من الغاز يبلغ قطرها 100 وحدة فلكية (15 بليون كم) إلى سحابة غازية مركزة يبلغ قطرها 0،25 وحدة فلكية (375 مليون كم)، و عند تلك النقطة يتابع النجم تطوره على المستوى حراري، بمعنى أن التغيرات الحاصلة تنحصر فقط بازدياد أو نقصان درجة الحرارة دون أن تتغير خصائص النجم.

تكون السحابة المركزة عادةً موجودة داخل سحابة أكبر، حيث أن السحابة المركزة تقوم بسحب مواد من السحابة الأكبر، مؤديةً بذلك إلى زيادة كتلة السحابة المركزة (النجم الأولي) ودرجة حراراتها، فيبدأ النجم بالانكماش على نفسه مؤدياً بذلك إلى انخفاض شدة إضاءته لكن ذلك يؤدي إلى ازدياد درجة الحرارة، فتزداد نفوذية الأشعة، وكما رأينا مسبقاً، الإشعاعات تحمل معها الطاقة الحرارية، فتنخفض حرارة النجم من جديد، لكن في هذه المرحلة تزداد الكتلة، فالمنطقة المشعة، أو الباعثة لتلك الإشعاعات إن صح القول، تزداد كتلتها شيئاً فشيئاً حتى تشمل معظم كتلة النجم، بمعنى أن النجم أصبح معظمه مشعاً أو باعثاً للإشعاعات، وبما أن النجم أصبح معظمه مشعاً، فإن الأشعاع ينتقل من وإلى النجم، أي أن الحرارة سوف تعود للزيادة من جديد، وبازدياد الكتلة، تتسارع زيادة الحرارة، حتى تصبح نواة النجم قادرةً على إضرام شرارة تفاعلات الاندماج النووية، إذ أن تفاعلات الاندماج النووية لها شروطها من حيث الحرارة والضغط.

حسناً إذاً، ازدادت الكتلة، وبدأت تفاعلات الاندماج النووية داخل نواة النجم، في تفاعلات الاندماج تندمج ذرتان لتعطيان ذرة واحدة أثقل، في هذه التفاعلات مجموع كتلتي الذرتين قبل الاندماج يكون أكبر من كتلة الذرة المتشكلة بعد الاندماج، فأين ذهبت الكتلة المتبقية؟ وفقا لنظرية اينشتاين فإن الفرق بالكتلة سيتحول لطاقة، وتحديدا طاقة حرارية، و طاقةً حرارية أكبر يعني حرارة سطحيةً أعلى وبالتالي شدة إضاءةً أعلى.

ما يحدث لاحقاً هو عمليات احتراق لبعض العناصر الموجودة في نواة النجم، تلك الاحتراقات توضحها سلسلة بروتون-بروتون (PP Chain)، حيث يحترق البريليوم (Bi) والليثيوم (Li) والبور (B) لتكوين الهيدروجين، كما هو موضح في الفرعين الثاني والثالث من السلسلة.

عند تلك النقطة يكون النجم قد دخل مرحلةً جديدةً من حياته، ألا وهي السلسلة الرئيسية، فكما شاهدنا في المقال السابق هنا تلك المرحلة تحتل مساحة واسعةً من المخطط، كما لم نشاهد أي منطقة تدعى النجوم الأولية على المخطط، فكيف نستطيع مشاهدة تلك النجوم على المخطط؟

لنتقصى مسار النجم على المخطط، عند بداية تشكل النجم يكون بارداً وبالتالي هو ذا شدة منخفضة، أي أنه يقع في أقصى الزاوية اليمينية السفلى للمخطط، بعد ذلك يبدأ النجم بالانكماش، وكما رأينا أثناء ذلك الانكماش تزداد الحرارة وبالتالي تزداد شدة إضاءته، أي أن النجم سوف يبدأ بالتحرك نحو الأعلى في المخطط. يستمر النجم بالصعود حتى يصل لنقطة تُدعى بنقطة التوازن، وعند تلك النقطة يرضخ النجم لمسار محدد يُعرف باسم مسار هاياشي (Hayashi track )، المسار تابع للمستوى الحراري، وبالتالي عند انتقال النجم على ذلك المسار فإن التغيرات التي تطرأ عليه هي في طاقته الحرارية، أي أن هناك تغيرات جذرية سوف تطرأ على حرارة النجم، إذ أنها تزداد.

مع سير النجم على المسار تزداد الحرارة وتنقص الكتلة، يستمر ذلك التناقص بالكتلة حتى الوصول إلى نقطة يبدأ النجم عندها بإطلاق إشعاعات تحمل حرارته بعيداً، في تلك اللحظة تعود الكتلة إلى الزيادة، فإذا نظرنا إلى المخطط لوجدنا أن ما تحدثنا عنه هو عبارة عن خط يتجه من الأعلى إلى الأسفل.

إن النجم يتشكل داخل سحابة أكبر، ونعلم أننا لا نستطيع رؤية ماداخل السحابة مباشرةً، فكيف لنا أن نرصد تشكل نجم؟

إن مشكلة صعوبة الرؤية أو استحالة الرؤية إن صح التعبير عبر الغاز يمكن حلها باستعمال مقراب (تلسكوب) يعمل بالأشعة السينية (X-Ray)، أو يمكننا معرفة أن هناك نجم يتشكل بإجراء قياس بسيط لكمية الليثيوم، فإذا كانت نسبة الليثيوم مرتفعة هذا يعني وجود نجم حديث الولادة، فكما نعلم تحتوي النجوم الأولية على الليثيوم ولا تقوم بحرقه او استهلاكه، فوفرة الليثيوم يدل على حداثة ولادة النجم.

المصادر:

Fundamental Astronomy 5th ed - H. Karttunen، et al.، (Springer، 2007) WW (1)

هنا