الكيمياء والصيدلة > كيمياء
سرقة الإلكترونات في قفص الاتهام: كيف تستطيع مواد التخدير الطبية إفقاد المرضى وعيهم؟
تعتبر أدوية التخدير العامة مجموعة متنوعة من المركبات تختلف عن بعضها البعض بشكل كبير من حيث البنية، وتؤدي جميعها إلى فقدان الوعي لفترة معينة من الزمن، فهي تتشكّل ابتداءاً من العناصر البسيطة مثل الزينون Xenon إلى الستيروئيدات ذات البنية المعقدة متعددة الذرات، وبالنسبة لآلية عملها فقد ساد الاعتقاد في البداية لفترة طويلة أنه يقوم على التداخل المباشر مع المستقبلات الخلوية أو الأقنية الشاردية، لكن هنالك فرضية جديدة تم وضعها من قبل فريق من الباحثين في معهد الكسندر فهلنغ للأبحاث في أثينا بقيادة العالم لوكا تورين Luka Turine، تقول هذه الفرضية بأن تأثير هذه المركبات ناتج عن تغيير في الحالة الإلكترونية للبروتينات، وتأتي أهمية هذه الفرضية بكونها أول فرضية تفسر هذا المجال الواسع لتلك المركبات ذات التأثير التخديري.
فقد اشتهر العالم لوكا تورين بتبنيه نظرية مثيرة للجدل حول آلية الشم، مقترحاً فيها أن الطيف الترددي للمواد العطرية مسؤولة عن رائحتها، أما ما يقوله حول نظريته تلك:
"لقد كنت مهتماً دائماً بالإلكترونات البيولوجية ولدي شعور قوي بوجود علاقة بين عمل عقاقير التخدير والالكترونات".
ولإثبات صحة هذا الإفتراض تم إجراء تجربة على ذبابة الفاكهة، وفيها تم دراسة الرنين المغناطيسي الإلكتروني لدى ذبابات طبيعية عُرِّضت للتخدير العام ومقارنته مع ذبابات طافرة مقاومة لتلك المواد المخدرة، وتم لذلك خفض درجة حرارة الذبابات إلى عدة درجات فوق درجة التجمد نظراً لضرورة إيقافها عن الحركة تماماً لكي تتم الدراسة بشكل جيد. وعند تعريض الذباب للمخدر لوحِظ حدوث قفزة لدى الذبابات الطبيعية مقارنة مع تلك الطافرة، ممَّا يدل على حدوث زيادة في عدد الإلكترونات غير المقترنة لديها.
ويشير تورين إلى أنَّه من المستبعد أن تكون الجذور الحرة هي مصدر الإلكترونات الإضافية، لأن عمرها قصير وتتم إزالتها بصورة مباشرة بعد تشكلها، أما بالنسبة لصباغ الميلانين الذي كان مصدراً محتملاً آخر للإلكترونات، فقد تبيَّن ظهور نفس القفزة الالكترونية لدى سلالات طافرة خالية من الميلانين.
فافترض تورين أنَّ جزيئات أدوية التخدير قد تحبس نفسها ضمن جيب محب للماء (هيدروفيلي) في البروتينات، فتقوم لأجل ذلك بسحب الإلكترونات وسرقتها ممَّا يسبب خللاً في التوازن الإلكتروني في البروتين، ويُعتقد أنها تقوم بسحبها وتفكيكها بطريقة ما تتسبَّب في هذا الخلل الذي يؤدي الى فقدان الوعي، أمَّا عن كيفية قيام هذا الخلل الالكتروني بالتسبب بفقدان الوعي .. فلم تزل غير معروفة بشكل دقيق وخاضعة للتكهنات والفرضيات.
هذه الفرضية التي اقترحها تورين تختلف تماماً عن الأفكار السابقة التي اقتُرحت في علم الأعصاب، حيث ينقسم العلماء في آرائهم حول هذا الموضوع، فيقول مايكل بيراونسكي Michael Perouansky بروفيسور التخدير في جامعة ويسكونسون في أميركا:
" أكاد أجزم بأن هذا التأثير الملاحظ في ذبابة الفاكهة المعرَّضة لأدوية التخدير العام حقيقي، لكن هنالك سؤال مختلف تماماً، ماذا لو كان لهذا التأثير علاقة بفعالية العقار المخدر!! لذلك يجب على الأقل أن يتم ملاحظة فعالية العقار المخدر في شروط قابلة للتطبيق بيولوجياً، مثل درجة الحرارة العادية، وأن يتم تطبيق جرعة التخدير التي تؤدي لغياب الذبابة عن الوعي بتركيز أقل ب 5 أو 10 مرات .. "
أما ستيوارت هامروف Stuart Hameroff مدير مركز دراسات الوعي في ولاية أريزونا فقد وافق على أن هناك ثغرة في مقاربات الفهم الإعتيادية لعمل أدوية التخدير العامة، وأننا نحتاج لطريقة جديدة في التفكير والافتراض، ويقول:
"الطريقة التي اتَّبعها تورين وزملاؤه في البحث عن فعالية فيزيائية مسؤولة عن تأثير عقار التخدير(مثل حركة الكترونات البروتين البينية) تزداد أهمية مع الزمن، وبكل الأحوال فهي الطريق الصحيح لاسكتشاف الحقيقة "
لكن يشير هامروف أيضاً أن الذبابات المبرَّدة تكون ميتة دماغياً لفترةٍ وجيزة، فيكون لديها القليل من الفعالية الإلكترونية في الدماغ لتأثير أدوية التخدير، وبالتالي يتم تثبيطها بواسطة تلك الأدوية دون إيجاد تفسير لأي عملية الكترونية، أو إثبات وجود تأثير استقلابي، لذلك فإن هذا النموذج لا يعتبر موثوقاً لاعتماده في تفسير عمل أدوية التخدير.
أما الآن فيعمل فريق تورين على إيجاد طرق جديدة لشل حركة الذبابة في درجة الحرارة العادية، ليتمكن من مراقبة الرنين المغناطيسي الإلكتروني في الشروط الطبيعية، لكنه يؤكد أنه بالرغم من وجود خلل ونواقص في التجربة، إلا أنَّ هناك اختلافاً في إشارة هذا الرنين بين الذبابات العادية والطافرة، وبالتالي فإن حدثاً إلكترونياً مميزاً يحدث عند الاستجابة لعقار التخدير.
إذاً فلابد لسرقة الالكترونات أن تكون احدى أسباب فعالية أدوية التخدير على الأقل، فما رأيكم بذلك ..؟!
المصدر: هنا