كتاب > مفكرون وكتّاب
كمال خير بك … الشَّاعرُ المَنسي
"غَرِّد على قَلَمي ...على قِيثَارَتي .... إني أُحِسُكَ في صدى أشعاري
لَهَبَاً... وَعاصفةً تثورُ... وَصيحةً .... تجتاحُ قلبَ الشعبِ كالإعصار
غَرِّد فَفي صَدري شِراعٍ جَائِعٌ .... يشتاقُ أن يَلوي عِنادَ الصَّاري"
الشّاعرُ الشّهيد، قدموسٌ آخر من السَّاحل الفِينيقي، تمنى أن يُعيدَ مَجدَ "قدموس" بِشعرهِ، فأصدر ديواني شعرٍ وترك من إرثه ثلاثة دواوينٍ كاملة جمعها أصدقاؤه من قصاصاتِ ورقٍ وبقايا عُلبِ سجائرِ الكينت.
هو (البُركان) الشِّعري، الذي قاد (مظاهراتٍ صاخبة للجنون) نحو تطور الشِّعر الحديث، ودوَنَها في (دفتر الغياب) معلناً أنَّ (الأنهار لا تتقن السِّباحة في البحر)، لِيُنهي حياتهُ شهيداً وهو يرددُ (وداعاً أيُّها الشعر).
الشَّاعر الثَّائر المولود في القرداحة عام 1935، لم يكن شاعراً سلك مدرسةً شعريةً لِأحد الشعراء الكبار آن ذاك، بل أسس مدرسته الخاصة. وكان له دراساته الأدبية النَّقدية المُحكَمة، التي ساهمت في تطورِ النَّصِّ الشعريِّ الحداثي، نشرَ أول دواوينه بعُمرِ الخامسة والعشرين تحت عنوان «البركان» عام 1960 الموقع باسمِ قدموس، وتلاه بُعمرِ الثلاثين بديوانه «مظاهرات صاخبة للجنون» عام 1965 والذي وقّعه باسمه "كمال خير بك".
صَدرَت الدَّواوين الثَّلاثة اللاحقة من خلال قصائده التي جمعها أدونيس، غسان مطر، بدر الحاج، ومخول قاصوف في باريس عبر قصاصات من الورق ومن علب سجائر الكينت، والدواوين هي: «وداعاً أيها الشعر»، «دفتر الغياب» و«الأنهار لا تتقن السباحة في البحر».
"أبحثُ عن عاصفةٍ مُرَّة ٍ
تجتاحُني، تجتاحُ جُدراني
تخطفني لعالمٍ ثانٍ
لعالمٍ يَعلو على الأرضِ
والحبِّ والبُغضِ
لعالمٍ تخضرُّ في لحمهِ
خناجرُ الرَّفضِ."
أما أسلوبه الشِّعري المُتَميز، فيقول فيه حسن بن حمزة:
"الواقع أنَّ الشاعر انحاز إلى قصيدةٍ يتزايدُ فيها نفوذ المضمونِ على حسابِ الكيفية، التي ينبغي أن يُنجزَ بها هذا المضمون. وحين بدأ بعض مجايليهِ بسلوكِ طُرقٍ جانبيةٍ تصنعُ لهم أصواتهم الخاصة، كما فعل الماغوط وأنسي الحاج وأدونيس وشوقي أبي شقرا، كان خير بك قد وطَّن قصيدتهُ في أسلوبيةٍ إيقاعيةٍ وشكلانيةٍ أقربُ إلى تجاربِ روادِ قصيدةِ التَّفعيلة التي دشنها الثَّالوث العِراقي: السَّياب والملائكة والبياتي."
"أبكي غيابكِ أم غيابي
وجوادكِ الفضي يصهلُ عند بَابي؟
أبكي ويردُ عني الصَّهيل:
أنتَ المسافرُ في عذابي
وأنا القتيل."
حصل كمال خير بك على دكتوراه في الأدب العربيِّ من جامعة جنيف عبر أطروحته
«حركة الحداثة في الشعر العربي المعاصر»، والتي بدأ العمل عليها في «السوربون»، بإشراف المستشرقِ الفرنسي الشهير "جاك بيرك"، ثمّ أتمّها في جامعة جنيف عام 1972.
تمَّ نشرُ هذه الأطروحة في كتابٍ طُبع باللغةِ الفرنسية للمرة الأولى عام 1978، وشارك بها في مجلة شعر في بيروت، و ترى "خالدة سعيد" بأنَّ أطروحته قدمت مساهمةً مهمةً لمجلة "شِعر" ومنحتها زخماً حقيقياً.
إضافة إلى كتابِ أطروحتهِ، صدرَ له عِدةُ دواوينٍ هي:
1- البُركان.
2- مظاهرات صاخبة للجنون.
3- وداعاً أيها الشِّعر.
4- دفتر الغياب.
5- الأنهار التي لا تتقنُ السِّباحة في البحر.
"كأنَّها القُبعات
وحيدة، تسيرُ في شوارعِ المَطر
بِلا رُؤوس؛
كأنَّها الحياة
تنوءُ تَحتَ وطأةِ الخطر
تهمُّ بِالجلوس
في مقعدِ السَّفر."
«بِلحظةٍ عرفتُ أنَّ السَّماء من دونكِ أضيقُ من نُقطةِ حبرٍ وأنَّ الحياةَ انتحار»
كتبها كمال خير بك على قصاصةٍ في منزلِ أحدِ الأصدقاء، ومنحها لِمن منحتهُ سماءً أوسع، منحها لِ "خُزامى قاصوف" التي أَنجبَت لَهُ "هشام"، والتي تزوجها بعد انفاصله عن زوجته الأولى "نجاة نجار" والدةُ ابنهِ "زياد".
"يا سيفَ اليقظةِ ها عُنقي .... في حدِّكَ دائِي ودَوائي
اضرِب، لا تَرحم ذاكِرَتي .... وَتجاهل غضبةَ أشيائي
الحُلمُ محيطٌ مُفترسٌ .... وَجِراحُكَ مَدخلُ مينائي."
استُشهدَ كمال اغتيالاً بتاريخ 5 تشرين الثاني 1980 أثناءَ الحربِ الأهليةِ اللبنانية.
المصادر :
جهة الشعر
مقالات عدة لـ "سناء الخوري" و"حسين بن حمزة" و"ديمة الشكر"