الطب > أمراض نسائية وتوليد
الانتباذ البطاني الرحمي Endometriosis
الإندوميتريوزيز (endometriosis) أو بالعربية "انتباذ بطانة الرحم" أو "بطانة الرحم الهاجرة" : هي حالة مرضية تحدث عندما ينمو النسيج المبطن للرحم "endometrium" (أو بطانة الرحم) في مناطق أخرى غير مكانه الطبيعي "باطن الرحم"، كأن ينمو في قناتي فالوب أو على المبيضين، ضمن المهبل، على جدار المثانة أو أي مكان آخر في الحوض وفي حالات نادرة يمكن أن ينمو في الرئتين..
هذه البطانة النامية في غير مكانها الطبيعي تحذو حذو تلك التي تنمو في مكانها الطبيعي أي في باطن الرحم، حيث تكبر وتتهيأ للتعشيش فتزداد توعيتها ومن ثم في آخر الدورة الطمثية تنسلخ وتنزف ولكنها هنا لا تجد مكاناً تخرج منه، فالنسيج المبطن للرحم عندما ينسلخ يخرج من فوهة الرحم (نزف الدورة الطمثية الطبيعية)، أما في هذه الحالة يبقى هذا النسيج النازف ضمن الجسم ليسبب أعراض الإندوميتريوزيز التي سنتحدث عنها في هذا المقال ..
حوالي 5 مليون امرأة في الولايات المتحدة مصابة بالإندوميتريوزيز، ولكن الرقم الحقيقي أعلى من ذلك بكثير حيث لا يكون عرضياً عند جميع النساء ولا يستدعي ذلك زيارة الطبيب.
تبقى الأسباب وراء هذه الظاهرة أو المرض مجهولة، ولكن هناك أبحاث عديدة حول هذا الموضوع اقترحت عدة نظريات لتفسيرها، إحداها هو قلس أو رجوع الدم مع خلايا بطانة الرحم خلال الدورة الطمثية إلى قناتي فالوب حيث تتوضع هذه الخلايا هناك وتنمو من جديد وذلك حسب جامعة مايو كلينيك Mayoclinic، هناك نظرية أخرى تقترح أن مجرى الدم يحمل هذه الخلايا إلى مختلف أماكن الجسم.
ومن المنطقي أيضاً أن نقبل بأن مشاكل جهاز المناعة في الجسم تساهم في استمرار نمو خلايا بطانة الرحم الهاجرة، عندما يفشل في القضاء عليها خارج مكانها الطبيعي..
هناك نظرية أخرى وفقاً للمايو كلينك تفسر الإندوميتريوزيز باحتفاظ بعض الخلايا البطنية بقدرتها الجنينية على التحول للخلايا التي تبطن الرحم، وما يدعم هذه النظرية أن الإندوميتريوزيز أحياناً قد يكون عائلياً أي أنه يورث في بعض العائلات..
وفي سياق البحث عن أسباب هذا المرض أثبت الخبراء أن تعرّض النساء لمستويات عالية من هرمون الإستروجين خلال فترة نشاطهم الجنسي سيزيد احتمال إصابتهم بالإندوميتريوزيز، وأن تراجع مستويات هذا الهرمون بعد سن اليأس سيؤدي إلى زوال أعراض الإندوميتريوزيز أي أن هناك صلة وثيقة بين هرمون الاستروجين وحدوث الإندوميتريوزيز (لا ننسى أن الإستروجين هو العامل الرئيسي المنمي لبطانة الرحم).
حسناً إذاً فما هي الأعراض التي يمكن أن يسببها الإندوميتريوزيز؟
هناك ثلاثة أعراض تميز الإندوميتريوزيز مجتمعةً وهي : (الألم ،النزف ،العقم) سنتحدث عنها بشيء من التفصيل :
1. الألم: وهو أشيع الأعراض ، وتعتمد صفات الألم على مكان توضع بطانة الرحم الهاجرة، تعاني معظم النساء من الألم الخفيف خلال الدورات الطمثية عادة الذي يزول بانتهائها ولكن الألم غير الاعتيادي والذي يدعى بـ(عسر الطمث) والذي يدوم لفترة أطول يجب أن يثير المخاوف من احتمال الإصابة بالإندوميتريوزيز، وأيضاً قد يحدث ألم خلال الجماع العميق أي (عسر في الجماع) وهو علامة هامة، وقد يتوضع الألم في الحوض أو أسفل الظهر وقد يبدأ في بداية الدورة أو منتصفها أو يكون مستمراً طوال الوقت.
2. النزف غير الاعتيادي: وقد يتظاهر على شكل دورات غزيرة، نزيف خلال الدورات، نزف عقب الجماع أو نزف ضمن البول أو البراز.
3. العقم: حوالي ثلث إلى نصف المريضات يعانين من العقم وذلك بسبب حدوث التصاقات في قناة فالوب تمنع مرور البويضة إلى الرحم لتعشش فيه، وقد يكون العرض الوحيد الذي يدفع السيدة لمراجعة الطبيب، حيث لا تعاني كل المريضات من الأعراض السابقة، بل تختلف من سيدة قد تصاب بالأعراض وتكون شديدة لديها وأخرى لا تعاني من شيء.
بناءً على ذلك يكون العقم أهم الاختلاطات، ووفقاً لبعض الدراسات فإن خطر الإصابة بسرطان المبيض يزداد عند بعض المريضات ولكن لحسن الحظ يبقى هذا الخطر منخفضاً أو نادراً بشكل عام.
تبقى الوسيلة الوحيدة لتشخيص الإندوميتريوزيز هي تنظير البطن، وهي وسيلة تشخيصية وعلاجية في آن واحد، حيث يتم إدخال منظار صغير في جوف البطن لرؤية أعضاء البطن، في حال رؤية هذه البطانة الهاجرة خلال التنظير يمكن للطبيب استئصالها وبالتالي علاج الحالة.
هناك اختبارات أساسية يتم إجرائها قبل التنظير وهي فحص الحوض حيث يقوم الطبيب بجس البطن والحوض بحثاً عن أي موجودات غير طبيعية مثل الكتل والكيسات التي يسببها الإندوميتريوزيز، ويلجأ أحياناً إلى التصوير بالأمواج فوق الصوتية أو الإيكو المهبلي والبطني وهو لا يشخص الحالة تماماً ولكن يمكننا من رؤية هذه الكيسات التي قد تتشكل.
ويتم إجراء عدة فحوص مخبرية أهمها:
1. CBC أو تعداد الدم الكامل الذي يساعد في التمييز بين حالة الداء الالتهابي الحوضي pelvic inflammatory disese عن الإندوميتريوزيز، ونستطيع من خلاله تقدير كمية الدم النازفة.
2. تحليل البول (للبحث عن البيلة الدموية) وزرع البول لنفي إنتان المجاري البولي الذي يدخل ضمن التشاخيص التفريقية للإندوميتريوز.
3. زرع مسحة من عنق الرحم لنفي الأمراض المنتقلة بالجنس التي قد تسبب آلاماً في الحوض وعقماً.
تم تحديد عدد من عوامل الخطورة التي قد تؤدي إلى حدوث الإندوميتريوزيز والتي لا يمكن التحكم بها وهي:
1. عدم الإنجاب ،فالنسوة اللواتي لا يحملن يتعرضن لكميات زائدة من الإستروجين.
2. وجود قصة عائلية لدى أم المريضة بالإصابة بهذا المرض.
3. مدة الدورة الطمثية أقل من 27 يوم ومدة النزف تتجاوز 8 أيام.
4. يزداد معدل حدوث الاندوميتريوزيز في العرق الأبيض والآسيويات.
5. وجود عائق أمام مجرى الدم إلى خارج الرحم ويسبب رجوعه.
6. عمليات جراحية أدت إلى أذية في بطانة الرحم.
وأخيراً ... لابد أن نتحدث عن الأساليب العلاجية المتبعة في تدبير الإندوميتريوزيز :
هناك عدة عوامل تؤثر في تقرير نوعية العلاج الذي ستتلقاه المريضة، وهي عمرها، شدة الأعراض لديها، ورغبتها المستقبلية بالإنجاب.
في البداية يتم وصف بعض المسكنات مثل Ibuprofen أو أي مسكن آخر لتقليل النزف والألم.
بالنسبة للسيدات اللاتي لا يرغبن في الإنجاب تكون حبوب منع الحمل الخط الأول في العلاج لديهن.
أما بالنسبة لأولئك اللاتي يرغبن بالحمل والإنجاب، يشمل العلاج لديهن مشابهات الهرمون المطلق للحاثات القندية أي (مشابهات GnRH)، حيث يعمل على إيقاف الإباضة، ويستمر هذا العلاج لمدة 6 أشهر فقط، وتعود القدرة على الحمل فور إيقافه.
ونلجأ للعلاج الجراحي عند السيدات اللاتي لا يستجيب الألم لديهن على العلاج الدوائي حيث يتم استئصال بطانة الرحم الهاجرة من خلال تنظير البطن.
غالباً يختفي الألم بعد هذه العملية، ولكن عند بعض النساء قد يعود الألم خلال سنتين وفي هذه الحالة يكون استئصال الرحم الجزئي أو استئصال الرحم الجذري "أي مع ملحقاته" الحل الأخير لعلاج هذه الحالة، ولا يعود الألم بعد هذه العملية الأخيرة.
يمكنك اتباع بعض التمارين في المنزل التي من شأنها أن تقلل الألم في حال كان مزعجاً أو لا يستجيب على المسكنات مثل القيام بالحمامات الساخنة التي تعمل على إرخاء عضلات الحوض وتقليل الألم، وأيضاً ممارسة التمارين الرياضية بانتظام يمكن أن تساعد في تقليل شدة الأعراض.
ويبقى علاج الألم بالأبر الصينية أمراً مختلفاً عليه على الرغم من تحسن الألم عند عدة سيدات لجأن إلى هذا العلاج.