الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة السياسية
التحول الديمقراطي
لقد شكّلت قضيّة التحول الدّيمقراطي أو ما يعرف ب"الدمقرطة"، مبحثاً أساسياً هاماً في علم السّياسة منذ النّصف الثّاني من سبعينيات القرن العشرين. وعلى أثر هذا الدّفع باتجاه الديمقراطية ظهرت دراسات وكتب وبحوث، صبّت جلّ اهتمامها بهذه العمليّة فتناولتها بمختلف جوانبها، بدءاً بالأسباب الدّاعية لهذا التّحول، مروراً بطرق التحوّل، وانتهاءاً بطبيعة النّظم السّياسيّة بعد حدوث هذا التّحول.
وجاءت هذه الدّراسات بالتزامن مع ما سمي ب "الموجة الثّالثة للتحوّل الدّيمقراطي"، والّتي انطلقت منذ منتصف سبعينات القرن العشرين من (إسبانيا، اليونان، البرتغال) ثم امتدت خلال عقدي الثّمانينات والتّسعينات لتشمل العديد من بلدان أميركا اللاتينيّة وآسيا وافريقيا وشرق وسط أوروبا. وكون هذه القضيّة قد احتلّت أولويّة في النّظم السّياسيّة العالميّة لابدّ لنا من تسليط الضّوء على مفهوم التّحول الدّيمقراطي، فماذا يعني هذا المفهوم؟، وماهي الطرق التي من خلالها يتم التحول إليه؟، ولماذا تتباين وجهات النظر إزاءه؟. هذا ما سنتناوله في مقالنا هذا.
إن عملية التحوّل الديمقراطي من الناحية النظرية هي عمليّة الإنتقال من النّظم التّسلطيّة إلى أخرى غير تسلطيّة أو تعدّديّة، والتّخلص من نظم الهيمنة نحو صيغ أكثر ديمقراطيّة في الحكم يكون عمادها مبدأ المساواة بين المواطنين ومشاركتهم الحرة في الحياة العامة، وتوسيع هامش الحريّة واحترام حقوق الإنسان.
أما من الناحية العملية، فيمكننا دراسة التحوّل الديمقراطي من النّاحية العمليّة من خلال مجموعة من المؤشّرات الهامة تساهم في قياس درجة هذا التحوّل. فتعرّف هذه الظاهرة من خلال الاتجاه العملي على أنّها تراجع نظم الحكم غير الديمقراطية لتحلّ محلّها نظم حكم ديمقراطيّة، وتعتمد على ثلاث مبادئ أساسيّة يمثل توافرها المعيار الأساسي لقياس مستوى التحوّل وهي:
- مبدأ الحريّة التنظيميّة والفكريّة: يشمل ذلك حقّ التنظيم الحزبي ،وحرية التعبير، والتعددية السياسية.
- مبدأ التّداول السّلمي للسلطة: طبقاً لقواعد قانونيّة وإجرائية معروفة، ومحدّدة بما في ذلك حق الأغلبية في تسلّم مسؤولية الحكم من خلال الإنتخابات العامة الحرة النزيهة والمباشرة، ومنع احتكار السلطة من قبل شخص أو جماعة.
- ومبدأ المساواة: الذي يتضمّن المساواة وتكافؤ الفرص أمام الجّميع، ويجعل من القانون الصّادر عن السّلطة التشريعيّة المنتخبة هي المرجع الرئيس في التعامل بين جميع أفراد الشّعب فيما بينهم.
فإنّ تطبيق هذه المبادىء، إضافة إلى مبادىء أخرى مثل: احترام حقوق الانسان، وحرية الصحافة، وسيادة القانون، كلها تشكل في مجملها المؤشرات الرّئيسة على وجود التّحول الدّيمقراطي.
أما عن مراحل التحول الديمقراطي: يتّفق الباحثون على أنّ عمليّة التحول عمليّة متعددة المراحل إذ تمرّ بثلاث مراحل أساسية هي تنقسم حسب الترتيب زمنيا لها :
- مرحلة ماقبل التحول: تتميز بمجابهة النظام السلطوي والتصدي له وحدوث نزاعات واضطرابات بين من يسعى للتحول والنخبة الحاكمة الرافضة له.
- مرحلة الانهيار: تتضمن مرحلة انهيار النظام السلطوي وتفكك مؤسساته وظهور نظام ديمقراطي جديد وإرساء قواعد قانونية ونظام سياسي جديد، تنتهي هذه المرحلة مع ظهور أول انتخابات.
- مرحلة التماسك الديمقراطي: التي يحدث فيها حالة من التناغم والتماسك بين مختلف مؤسسات الاجتماعية والسياسية في الدولة.
وعليه، إنّ عمليّة التحول والإنتقال إلى نظام حكم ديمقراطيّ وترسيخه على النّحو الّذي يضمن استمراريّته واستقراره، هي غالباً ما تكون عمليّة معقّدة وتستغرق فترة زمنية طويلة نسبياً، ولذلك فإنّ مجرّد الإنتقال من نظام حكم غير ديمقراطي لا تعنى بالضّرورة قيام نظام ديمقراطي راسخ ومستقر، حيث أن ذلك له شروط ومتطلّبات عديدة لابدّ من توافرها مثل: التعددية السياسية، والتداول السلمى للسلطة، والفصل بين السلطات مع تحقيق التوازن فيما بينها استنادا إلى مرجعية دستورية واضحة ومستقرة، وقدرة الحكومة المنتخبة على ممارسة السلطة والحكم، وسيادة حكم القانون، وفاعلية مؤسسات وإجراءات الشفافية والمساءلة، ووجود مجتمع مدنى فاعل ومستقل، وكفالة الحقوق السياسية والحريات المدنية لجميع المواطنين على قاعدة المواطنة المتساوية، وتعدد مصادر المعلومات مع حرية الوصول إليها.
أما عن طرق التحول الديمقراطي أو اتجاهات التحول الديمقراطي فيقسم لأربع أنواع وهي:
- التحول من الأعلى: ويتم من داخل النظام القائم، وعادة ما يبدأ عندما تتوفر عوامل وأسباب موضوعية تؤثر سلباً على شرعية السلطة، وتخلق لدى النخبة الحاكمة قناعة مفادها أن كلفة الانفتاح والتحول الديمقراطي أقل من كلفة الاستمرار في الممارسات التسلطية.
- التحول من الأسفل: هو التحول الذي يقوده الشعب متمثلاً باحتجاجات مطالبة بالتغيير وكسر قيود التسلط واحتكار السلطة.
- التحول من خلال التفاوض بين النخبة الحاكمة وقوى الشعب: يحدث نتيجة اتفاق أو تعاقد ناجم عن المفاوضات بين النخبة الحاكمة وقوى المعارضة، وغالباً ما يأتى ذلك كمحصلة لوجود نوع من التوازن النسبي في ميزان القوى بين الطرفين، فالنخبة الحاكمة تصل إلى قناعة مفادها أنها غير قادرة على الاستمرار في السياسات المغلقة والممارسات القمعية بسبب الضغوط الداخلية والخارجية، وأن كلفة الانفتاح السياسي أقل من كلفة الاستمرار في السياسات غير الديمقراطية.
- التحول من خلال التدخل العسكري: غالبا ما ارتبط هذا النمط من الانتقال بحروب وصراعات، تؤثر فيها وتحكمها مصالح وتوازنات داخلية وإقليمية ودولية. وهو يحدث في حالة رفض النظام الحاكم للتغيير، وعدم بروز جناح إصلاحي داخله، وعجز قوى المعارضة عن تحديه وإطاحته بسبب ضعفها وهشاشتها.
المصادر:
-د.حسنين توفيق إبراهيم، الانتقال الديمقراطي، مركز الجزيرة للدراسات، 2013.
- د.هايل ودعان الدعجة، مفهوم التحول الديقراطي، الرأي، 2003
مصدر الصورة:
هنا