التاريخ وعلم الآثار > التاريخ
الصعود والسقوط الغامض لمدينة كاهوكيا (Cahokia): هل أعلنت الفيضانات نهاية المدينة القديمة؟
حافظت مدينة كاهوكيا (Cahokia) على قصة زوالها ردحاً طويلاً من الزمن، وأبقته غير مكتشفاً، مختبئاً بين زوايا هذه المدينة. أما اليوم فقد اقترحت الأبحاث وجود فيضانات كارثية قامت بتدمير المحاصيل ومخازن الطعام، وأجبرت سكان المدينة على الهجرة والتخلي عنها فجأة، وذلك منذ حوالي 800 عام.
و قد أورد الموقع الالكتروني (Western digs) والمتخصص بعلم الآثار، أن العالم سام مونوز (Sam Munoz) وهو عالم جغرافيا من جامعة ويسكونسن (Wisconsin)، قد قاد أبحاثاً في التاريخ الزراعي والجيولوجي للمنطقة. وقد قام هو وفريقه بفحص عينات من الرواسب العميقة جداً والناتجة عن فيضان نهر الميسيسيبي والمناطق المحيطة بها، ووجدوا أن المنطقة قد اختبرت فترات من الفيضانات القاسية جداً وهذا نتيجة لتغير المناخ عبر القرون.
لقد كانت مدينة كاهوكيا القديمة والتي تقع حالياً في ولاية إلينوي في الولايات المتحدة الأمريكية، واحدة من أكبر المراكز الثقافية و أكثرها رقياً في شمال المكسيك في أميركا الشمالية. وقد عدت في ذروة نشاطها مركزاً اقتصادياً هاماً (منذ حوالي 1050 إلى 1200 ميلادي) وامتدت مكانتها الدينية و السياسية من البحيرات العظمى إلى خليج المكسيك.
ولقد بلغ تعداد سكان المدينة حوالي 20000 نسمة تقريباً وامتدت على مساحة 1600 هكتار وقد ضمت أكثر من 120 تلاً مصنوعاً من قبل الإنسان. وأكبر هذه التلال هو تل عملاق ترابي يتألف من 10 طوابق ومعروف باسم (تل الراهب)، وهو أكبر متراس يعود لعصور ما قبل التاريخ في أميركا. إن بناء التل كان عبارة عن مشروع ضخم جداً و استلزم حوالي 22 مليون متر مكعب من التراب. ومع ذلك فقد هجرت المدينة في بدايات القرن 13 ولم يعد إليها أحد من سكانها وذلك من دون أي تفسير.
الصورة(1): تل الراهب في مدينة كاهوكيا
بداية النهاية:
لقد كان السبب الحقيقي وراء سقوط المدينة محط جدل بين العلماء لوقت طويل من الزمن، حيث وضعت نظريات عديدة ومنها: المعارك السياسية وتلف المحاصيل وتغيرات المناخ والحريق الهائل. ولكن العالم مونوز وزملائه استطاعوا أن يحددوا توقيت وشدة أنماط الفيضان التاريخي في المنطقة.
ويقول العالم مونوز: " لقد أظهرت دراستنا أن مدينة كاهوكيا قد برزت في فترة قاحلة وسط القارة الأميركية الشمالية، وذلك عندما كانت الفيضانات الكبيرة مكبوتة."
أما سقوط المدينة فقد تزامن مع اندفاع التيار الكبير لنهر الميسيسيبي و الذي حدث حوالي عام 1200 ميلادي.
والجدير بالذكر أن العينات المأخوذة من الرواسب العميقة لم تحتوي على الفحم أو غبار الطلع أو المستحاثات النباتية، وبدلاً على ذلك فقد احتوت على الطمي، وهو عبارة عن رواسب لمواد مختلفة كالرمل والحصى والذي تشكل نتيجة تدفق المياه، وهذا يدل على حدوث فترة فيضان للمياه. أما الطبقات أسفل وأعلى طبقة الطمي فقد دلت على علامات جفاف، فقد احتوت على فحم و مواد نباتية. وبهذا فقد استطاع الباحثون تحديد تواريخ للعينات المختلفة وتحديد التسلسل الزمني للأحداث.
الصورة(2): لوحة جدارية تصور المدينة القديمة من كاهوكيا
الفيضانات الكبيرة:
وصف مونوز دورة حياة المدينة بقوله: " في البداية وفي حوالي عام 600 ميلادي، أصبحت الفيضانات ذات الأحجام الكبيرة أقل تواتراً، وبدأ السكان الأصليون ينتقلون إلى سهل الفيضان و بدأوا بممارسة الزراعة بعناية أكثر وأخذ عدد السكان بالازدياد."
ثم بدأ مناخ أميركا الشمالية بالتغير وذلك حوالي عام 1200 ميلادي، وأصبح أكثر رطوبة وبدأ منسوب المياه بالارتفاع وتزايدت الفيضانات الشديدة، مما أدى إلى غمر المنطقة وتلف المحاصيل و تدمير مخازن الطعام، فاضطر السكان إلى الهجرة أو التضور جوعاً.
ويعتقد البروفسور (Sissel Schroeder) والمختص بعلم الإنسان والمرافق لفريق البحث، أن ارتفاع الفيضانات قد وصل إلى 10 أمتار فوق مستوى القاعدة مما تسبب في القضاء على السكان الغير مستعدين لهذه التغيرات البيئية. وهذا ما قاله لموقع الأخبار IBTimes .
ويلخص نتائجه بقوله: "إن هذه الفيضانات كان لها تأثير بارز على زعزعة الاستقرار، ولاسيما بعد مئات السنين دون فيضانات كبيرة كهذه."
أما عالم الآثار (George Milner) وهو بروفسور في جامعة بنسلفانيا والذي لم يشارك في الدراسة، فقد وجد هذا التحليل تحليل منطقي ولكنه اقترح بأن الفيضانات الضخمة هي واحدة فقط من عدة عوامل كارثية أخرى أدت إلى سقوط المدينة، ومنها الجفاف والحرائق وتتابع السنوات الباردة والحارة، فكلها عوامل تؤدي إلى عدم الاستقرار الاجتماعي.
وقد لخص رأيه بحديثه للمجلة العلمية (Nature): "إن المشكلة الحقيقية في هذه الأنواع من المجتمعات هي عندما يتعرض السكان لفشل متتالي."
الصورة(3): صورة تخيلية ليوم عادي في مدينة كاهوكيا،
وتظهر السكان وهم يمارسون الأنشطة اليومية
وبهذا فإن النتائج التي توصل لها مونوز وزملائه ربما حلت أخيراً لغز المدينة المهجورة وأعطتنا لمحة عن ما يمكن أن يحمله المستقبل لمنطقة نهر الميسيسيبي المعرضة للفيضان.
وقد نشرت نتائج الدراسة في مجلة (Proceedings of the national academy of Sciences).
المصدر: