الطب > مقالات طبية
تزايد الصعوبة في علاج إنتانات المسالك البوليَّة!
تعتبر إنتانات المسالك البولية من أكثر الإلتهابات الجرثومية شيوعاً في الولايات المتحدة التي يقارب عددها 10 ملايين زيارةٍ إلى عيادات الأطباء أو أقسام الطوارئ في المستشفيات سنوياً.
ويحذر الأطباء من معالجة هذه الحالات بإعطاء الصادّات الحيويَّة كثيراً، حيث تُبدي البكتيريا (الجراثيم) المُسبِّبة لهذه الإنتانات المزيد من المقاومةً للأدوية المستخدمة في معالجتها. وفي العموم، فإن مقاومة الجراثيم للصادّات الحيويَّة آخذةٌ في التزايد في جميع أنحاء العالم، ولكن من أحد الأمثلة المثيرة للقلق خصوصاً هو ارتفاع المقاومة في سلالات من (إي كولاي) الإشرينيَّة القولونيَّة، وهي البكتيريا التي تسبب أكثر من 80٪ من إنتانات المسالك البولية.
وفي بعض الحالات، اضطرَّ الأطباء للجوء إلى الصادات الحيويَّة الأقدم، والأقل فعاليَّة. وفي حالاتٍ أخرى، لجؤوا لإعطاء المرضى الصادّات الحيويَّة وريديّاً عن طريق القسطرة، لعدم جدوى الأدوية التي تؤخذ عن طريق الفم. وفي بعض الأحيان طلب الأطباء من إدارة الغذاء والدواء الأمريكيَّةFDA الحصول على إذنٍ لاستخدام دواءٍ ما لم توافق الوكالة على استخدامة بعد.
"البكتيريا أذكى من البشر"، هذا ما تقوله الطبيبة ليليان عبُّو، اختصاصيَّة الأمراض الإنتانيَّة في جامعة ميامي. وتُضيف "عندما نتحدَّى البكتيريا بأحد الصادات الحيويَّة، فقد تتفاجأ البكتيريا قائلةً، للمرة الأولى، "ماذا، لم يسبق أن رأينا هذا" وسوف يقضي عليها الصاد الحيويّ."
ولكن الاعتياد على أصناف الصادّات الحيويَّة تخلق العصيان من البكتيريا، الذي يمكنه تطوير طرقٍ لإحباط فعاليَّة الصادّات. كما يمكن للمقاومة أيضاً أن تنتشر بين البكتيريا، ممكِّنةً إياها من درء الصادّات الحيويَّة التي لم يسبق لها التعرض لها إطلاقاً.
تقول الطبيبة عبو كمتخصصة في الأمراض الإنتانيَّة، أحياناً، يضطرُّ الأطباء لتجريب نوعين أو ثلاثة أو ربَّما أربعة أنواع من الصادّات الحيويَّة لهزيمة إنتان المسالك البولية المُعنِّد". وتقول إنَّها كثيراً ما ترى من المريضات من يتعرَّضن باستمرار لإنتانات المسالك البولية. وغالباً ما تكون أدوية الخط الرابع هذه من الصادّات الحيويَّة "الواسعة الطيف" ، بمعنى أنها تزيل أيضاً البكتيريا النافعة من الأمعاء التي تساعد في عملية الهضم وتُفيد الجهاز المناعي.
وتُضيف قائلةً "إننا في الحقيقة كمن يستخدم قنبلةً يدويةً لقتل بعوضة"، في حين "أصبح البعوض مقاوماً لجميع المواد الطاردة ومازال يلسعنا".
وجدت إحدى الدراسات عن الإشرينيَّة القولونيَّة المأخوذة من عينات البول لمريضات من الولايات المتحدة أن أكبر ارتفاع في المقاومة بين عامي 2000 و 2010 كان للصادات الحيويَّة السيبرو Cipro (من 3٪ إلى 17٪) والباكتريم Bactrim (من 18٪ إلى 24٪). (ومن أسماء الباكتريم أيضاً السلفاتريم والسيبترا).
ويُصاب ثلث النساء بإنتان المسالك البوليَّة الذي يستلزم المعالجة بالصادّات الحيويَّة قبل سن 24 عاماً. عموماً، فإن نصف النساء يُصبن بإنتان المسالك البوليَّة مرةً واحدةً على الأقل في حياتهن. إذا كنت إحداهن، وكنت على دراية بالأعراض - التبوُّل المؤلم، والشعور الملحّ والمتكرِّر بالحاجة للذهاب إلى المرحاض، وقد يؤدي إنتان المسالك البولية غير المعالج إلى إنتان كلويّ قد يترك ضرراً جسيماً أو دائماً.
*إنتانات المسالك البولية أثناء الحمل
نظراً للمخاوف المتعلِّقة بسلامة الحمل، فخيارات المعالجة للنساء الحوامل تصبح محدودة عندما يتعلق الأمر بمعالجة إنتان المسالك البولية، وهو أمرٌ شائعٌ أثناء الحمل. وبالإضافة إلتهابات الكلية، فقد يسبب إنتان المسالك البوليَّة أيضاً الولادة المبكرة. وفي الوقت نفسه، يمكن لبعض الصادات الحيويَّة التي توصف للإلتهابات أن تؤذي الجنين، كما تقول الطبيبة كاثرين إيبس.
وفي ورقة بحثيَّة نشرت في مارس/ آذار في المجلة الأمريكيَّة لأمراض النساء والولادة، ذكرت إيبس وزميلها الطبيب ستيفن كلارك، حالة لمريضة عمرها 31 عاماً، في الشهر الثالث من الحمل، وقد أصيبت بالحمى والغثيان والألم بسبب إلتهاب المسالك البولية.
وقد سبقت معالجتها قبل أسبوعين لإصابةٍ سابقةٍ بإنتان للمسالك بوليَّة، بنوع أقدم من الصادّات الحيويَّة سبق أن شاع وصفه هو الماكروبيد Macrobid. لكن في هذه المرة، كانت قد أُدخلت للمستشفى وأعطيت روسيفين Rocephin. وفي اليوم الثالث، أظهرت الاختبارات أن إصابتها الإنتانيَّة مقاومة لذلك الصاد الحيويّ. لذلك جرى استبداله بنوعٍ آخر يُعطى وريديّاً. وبعد قضائها يومين في المستشفى، غادرته، على أن تستمر بأخذ الصاد الحيويّ الوريدي لمدة 12 يوماً إضافيّاً في المنزل.
بدأ الأطباء يتحاشون وصف الماكروبيد لعلاج إلتهابات المسالك البوليَّة عند النساء الأكبر سنَّاً، لأنهن أكثر عرضةً لنقص وظائف الكلى، والتي يُظن أنها تقلل من فعاليَّة الدواء.
ولكن دراسةٌ جديدةٌ على نحو 200000 إمرأة من النساء الأكبر عمراً، قد عولجن سابقاً من إنتان المسالك البوليَّة. خلصت إلى أن وظائف الكلى لم تسبَّب أي فرقٍ في مدى فعاليَّة الماكروبيد. لكن المشكلة وفقاً لباحثين في مجلة الجمعية الطبيَّة الكنديَّة، بأنَّ الماكروبيد لم يجدي نفعاً بقدر بعض الصادّات الحيويَّة الأخرى.
قد يتَّخذ الأطباء قرارهم في انتقاء الدواء الذي سيصفونه لمريضتهم بناءً على هذه المريضة، وعلى حالتها الإنتانيَّة، ولكن معرفة مدى سلامة عمل الكلى ليس بتلك الأهميَّة. كما يقول المؤلف المساعد، والطبيب أميت جارج.
وتقول الطبية إيبس "يبدو أننا سنستمر في قبول المزيد والمزيد من المريضات المُصابات بهذه الإنتانات في مستشفانا"، وتضيف. " ما من شك في أنَّ مقاومة الصادّات الحيويَّة، وخاصَّة في إنتانات المسالك البوليَّة، قضيةٌ ناشئةٌ ومهمة".
هل هذا إنتانُ مسالكٍ بوليَّةٍ فعلاً؟
في بعض الحالات، قد تقف الصادّات الحيويَّة عاجزةً أمام الأعراض التي تصيب النساء بعد سن الإياس (سن انقطاع الطمث، menopause)، لأنهن، في الواقع، غير مصاباتٍ بإنتانُ المسالك البوليَّة.
"ورغم علاجهنَّ، في بعض الأحيان، لكنَّهن سوف يعاودن مراراً وتكراراً، بنفس الأعراض"، مما يشير إلى نشوء تلك الأعراض عن التغيرات الهرمونيَّة المرتبطة بالعمر، وليس عن إنتان، يقول زميلها الطبيب توماس هوتون، قسم الأمراض الإنتانيَّة متخصص في علاج الناس الذين لديهم إنتانات متكرَّرة في المسالك البولية..
*فلنبتعد عن المتاعب
مما يسهم في مقاومة الصادات الحيويَّة في علاج إنتان المسالك البوليَّة هو حصول بعض النساء اللواتي لا يعانين من أيَّة أعراض على وصفات طبية، وفقاً للطبيب هوتون.
فعلى سبيل المثال، عادةً ما تؤخذ العيِّنات البوليَّة من النساء السليمات في سياق الفحوصات والمراجعات مما يمكِّن الطبيب من تحرِّي إحتواء العينات على البروتين أو السكر، وكل منها قد تكون علامات على مشاكل كامنة.
وفي بعض الأحيان، باعتبار الخلايا البيضاء التي تظهر في نتائج الاختبار علامةً على وجود إلتهاب، يمضي الأطباء قدماً ويصفون الصادّات الحيويَّة، ويقول هوتون، عند وجود البكتيريا في البول دون أيَّة أعراض فلا يُعتبر ذلك مرضاً.
حيث يقول من الخطأ الاعتقاد أن الأعراض سوف تظهر إذا لم يتم إيقاف الإنتان الواضح عند حدِّه.
عند غياب الأعراض، فالصادات الحيويَّة ليست مناسبة سوى للنساء الحوامل اللواتي تُبدي عينات البول لديهن احتمال إصابتهن بإنتان المسالك البوليَّة، ويُضيف هوتون. كذلك الأمر عند أيِّ شخصٍ آخر ليس لديه أعراض، "فإنَّنا لا نبحث عن الإنتان" بل عن الأعراض وأحتمالية المرض.
لذلك فإننا ننصح أخيراً بتجنب أخذ الصادات الحيوية إلا في الحالات الضرورية وتحت إشراف الطبيب وليس بإمكاننا أن نأخد هذه الصادّات كلما أحسسنا بتوعك أو ظننا بإلتهاب فإن هذا بدوره سيضعف الجهاز المناعي ويؤدي إلى المزيد من المقاومة للبكتيريا (وهو أمر غير سار) .
المصدر:
حقوق الصورة:
webmed.com