التاريخ وعلم الآثار > التاريخ
جبيل (بيبلوس) ... قصة جبل وبحر
جُبَيل، هي مدينة فينيقية قديمة، تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط إلى الشمال قليلاً من العاصمة اللبنانية بيروت. وفقاً لأقوال المؤرخين، تُعد جُبَيل من أقدم المدن في العالم حيث أسّسها الإله "El" في بداية الأزمان، وحتى نهاية الوقت بقيت العاصمة الدينية لفينيقيا، ولأن ورق البردي "papyrus" كان واحداً من المواد الأساسية في تجارتها، أخذ الإغريقيون اسم المدينة عنه لتصبح بيبلوس "Byblos"
يقدم العديد من المؤرخين الكثير من القرائن والدلائل التي تشير إلى أن جُبيل أقدم مدينة في العالم، أو على الأقل مرشّحة لذلك، حيث أنّها كانت مسكونة منذ 7000 سنة، ففي بداية الزمان نشأت المدينة كقرية صيد صغيرة، وأطلق عليها "جبيل"، بينما المنطقة الساحلية -التي أسماها الاغريقيون فينيقيا- كانت تعرف للساكنين باسم كنعان، وقبل 3000 سنة قبل الميلاد نمت هذه القرية الصغيرة لتصبح مدينةً مزدهرةً بسبب تجارتها.
كان شجر الأرز اللبناني يحظى بتقدير كبير من قبل الدول الأُخرى لاستخدامه في البناء، وأصبحت جُبيل أهمّ ميناء لنقل الأخشاب إلى مصر ومناطق أخرى، وكانت أيضاً أفضل مدينة في بناء السفن وذلك يعود لبراعة نجّاريها من الفينيقيين الذين عُرفوا بـ "أمراء البحر" واستمر ازدهار جُبيل بسبب التجارة مع مصر، التي أثرت بشكل كبير على المدينة بنواحي ثقافية ودينية، إلى جانب النواحي المادية. في الأسطورة المصرية الشهيرة إيزيس وأوزوريس لعبت جُبيل دور المدينة التي دَفنت فيها إيزيس جثة زوجها تحت جذع شجرة والتي نمت حوله بعد قتله من قبل أخيه.
الفينيقيون أيضاً لهم روايتهم الخاصة عن الدين، والتي تحكي عن قصص الحرب في السموات والمعركة الأبدية بين إله الخير وإله الشر، وكيف نشأت هذه الرواية من الأساطير الفينيقية المتكلّمة عن الحرب بين إله السماء "بعل" وإله البحر "يمّ" ومن الممكن أيضاً أن هذه الأسطورة أتت من القصة المصرية عن الحرب التي حصلت بين ابن أوزوريس وإله الظلام.
عندما غزا الأموريين المدينة عام 2150 قبل الميلاد قاموا بحرقها، وبعد طردهم للسكان أعادوا بناء المدينة واستقروا في تلك المنطقة. انتهى حكمهم للمنطقة في 1725 قبل الميلاد بغزو الهكسوس الذين حكموا حتى طَرَدَهم المصريون عام 1580 قبل الميلاد في استيلائهم على ساحل كنعان.
خلال فترة الاحتلال المصري قدّم الفينيقيون أهم إسهاماتهم للعالم: الأبجدية الخاصة بهم والتي كانت مكونة من 22 حرف، والتي حلّت مكان "الطريقة المسمارية" في التواصل الكتابي. ومن خلال التجارة وصلت الأبجدية الفينيقية إلى اليونان عام 800 قبل الميلاد وبعدها انتشرت لبلدان أُخرى من خلال التجار اليونانيين.
- انحدار جُبيل
بين عامي 1100 و725 قبل الميلاد انحدرت المدينة بينما نمت مجاورتها "صور" في تلك الأثناء، لكن بعد غزو المنطقة من قِبل الإسكندر الأكبر وتدمير مدينة صور عام 332 قبل الميلاد عادت جُبيل للنمو من جديد لتصبح يونانية تماماً، متبنيةً ثقافة اليونان ولغتها حتى.
خلال الفترة الهلنستية ( 330 – 64 قبل الميلاد ) أصبحت جُبيل المدينة الأكثر شهرةً بإنتاج ورق البردي والذي كان كما ذكرنا سبب إعطائها الإسم اليوناني (بيبلوس) وفي عام 64 قبل الميلاد احتل القائد الروماني بومبي العظيم المنطقة واستمرت كمستعمرة رومانية لعام 395 بعد الميلاد. وكما جرت عادة الرومان بتحسينهم للمدن التي يجدونها، قاموا بتنظيم الشوارع وبنوا المعابد الكبيرة والحمامات والحدائق المدنية.
لكن بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية، سيطرت الإمبراطورية البيزنطية على جُبيل بين عامي 395 – 637 ميلادي. وبعدها أخذ المسلمون المنطقة وطردوا البيزنطيين منها.
خلال حقبة الحضارة الإسلامية انحدرت جُبيل من حيث الثروة والأهمية. إذ لم ينظر المسلمون إلى المدينة بأهمية، فقد كان لديهم مُدنهم الخاصّة، لم يتعبوا أنفسهم حتى بإعادة بناء الدفاعات التي كانت قد دُمّرت أثناء استيلائهم على المدينة. كما أنهم تجاهلوا الميناء الكبير وأهميته لعدة قرون وقدموه كهدف سهل للصليبيين عام 1098 ميلادي.
وعندما طُرِدَ الصليبيون من المنطقة، واصلت الحضارة الإسلامية إهمالها للمدينة. ونُسيت جُبيل لعدة قرون، حتى وصول المؤرخ الفرنسي Ernest Renan الذي أعاد بأعماله المدينة للضوء في 1860م.
المصدر: