المعلوماتية > عام
كيف يعمل الواقع الافتراضي؟ (الجزء الأول)
ما هو أول ما يخطر في بالك عندما تسمع كلمة الواقع الافتراضي أو الاختصار Virtual Reality) VR)؟ هل تتخيل رجلاً يرتدي خوذة متصلة بالحاسوب بكابل سميك؟ أم أنك تتخيل فيلم الماتريكس؟ أم أنك تحاول تجاهل الكلمة وعدم التفكير بها؟
إذا كان الأمر كذلك فأنت غالباً عالم حاسوب أو مهندس، أو تفكر مثلهم، فبالرغم من الاتصال الوثيق اليوم بين كلمة الواقع الافتراضي وعملهم، إلّا أنهم يتجنبون هذه الكلمة.
قد لا تكون كلمة «افتراضي» غريبةً عنك، فقد سمعتَها غالباً في العالم الافتراضي الذي هو الإنترنت، ولكن الواقع الافتراضي هو مفهومٌ مختلف تماماً، حيث يشترط بالواقع الافتراضي امتلاكه لصفتين:
* صورٌ ثلاثية الأبعاد تكون بالحجم الطبيعي من وجهة نظر المستخدم.
* القدرة على تتبع حركات المستخدم - وخاصةً حركات رأسه وعينيه- وتغيير الصور على شاشة المستخدم لتعكس التغير في المنظور.
في الواقع الافتراضي، يشعر المستخدم بأنه منغمس تماماً في البيئة، أي أنَّه يشعرُ وكأنه داخل العالم الافتراضي، ومنعزل ٌ بشكل تامٍّ عن عالمه المادي، وتسمى هذه الحالة «التواجد عن بعد».
اقترح «جوناثان ستيور» أن الشعور بالانغماس التام يستندُ إلى عنصرين ريئيسين هما: عمق المعلومات واتساع نطاق المعلومات.
يشيرُ عمق المعلومات إلى كميةِ ونوعية البيانات التي يتلقاها المستخدمُ عندما يكون ضمن الواقع الافتراضي، وبالتالي يعني «عمق المعلومات» بالنسبة للمستخدم دقةَ العرض، وتعقيد البيئة الافتراضية والرسومات، وطبيعة الأصوات ونقائها… إلخ. أمَّا اتساع نطاق المعلومات فيشيرُ إلى عدد الأبعاد الحسية المُقدَّمة في وقت واحد ضمن تجربة بيئة افتراضية لديها مجموعة واسعة جداً من المعلومات، بهدف تحفيز كل ما يملكه المستخدم من حواس.
استندت تجاربُ البيئة الافتراضية الأولية إلى الجوانب البصرية والسمعية أكثر من غيرها، ولكنَّ عدداً متزايداً من العلماء والمهندسين يبحثون في سبلٍ لدمج إحساس المستخدمين باللمس. يُطلقُ على الأنظمة التي تُعطي قوة ردود الفعل للمستخدم والتفاعل باللمس الأنظمة اللمسية (Haptic Systems).
كي تكونَ تجربةُ الانغماس في البيئة فعَّالة، يجبُ أن يكون المستخدم قادراً على استكشاف ما يبدو أنه بيئة افتراضيّة بالحجم الطبيعي، وأن يتمكنَ المستخدمُ من تغيير المنظور بسلاسة. فلنتفترض بيئةً افتراضيةً لتمثال في وسط الغرفة، في هذه الحالة يجبُ أن يتمكنَ المستخدم من عرض التمثال من أي زاوية، أي أن تتغير الزاوية في البيئة الافتراضية وفقاً للمكان الذي ينظر إليه المستخدم. يتوقع الدكتور «فريدريك بروكس»، الرائدٌ في مجال التكنولوجيا، أن معدلَ إطارات الصور يجب ألّا يقل عن 20-30 إطاراً في الثانية، وذلك لخلق تجربة «مقنعة» للمستخدم.
بيئة الواقع الافتراضي:
في أي بيئة افتراضية، يجبُ ضبطُ المخرجاتِ الحسية ضبطاً فورياً، كما في البيئة الطبيعية. فلو شملت البيئة الافتراضية نظام صوتي ثلاثيّ الأبعاد مثلاً، يجب أن تَصدُرَ الأصوات بشكل طبيعي ومنطقي في البيئة الافتراضية. مثال: إن كان المستخدُم داخل مشهد يصوّر إعصاراً، لابد أن يشعرَ بالرياح العاتية، فهو لن يتوقع نسيماً لطيفاً أو رائحة ورود!
يُسمَّى الفارقُ الزمني بين أفعال المستخدم وعكس البيئة الافتراضية لهذه الأفعال زمن التأخر في الوصول Latency، مثل الفارق الزمني بين تحريكِ المستخدمِ رأسَه أو عينيه وبين تغيُّر زاوية النظر في البيئة الافتراضية. يمكنُ أن يُستخدم هذا المصطلح لقياس تأخِّر المخرجات الحسية الأخرى.
تشيرُ دراساتُ محاكاِة الطيران أنَّ البشرَ يمكنهم الإحساس بفترات التأخير بالوصول التي تكون مدتها أكثر من 50 ميلي ثانية، وعندما يكتشف المستخدم ذلك فإنه سيدركُ أن ما يحدث هو ضمن بيئة اصطناعية، مِمَّا يدمِّر الشعور بالانغماس في البيئة!
الواقع الافتراضي التفاعلي:
إن الشعور بالانغماس والاندماج في البيئة الافتراضية هو أمرٌ ممتع، ولكن ليكتملَ هذا الشعور يجب أن يتوفر عنصر التفاعل!
أصبحت التقنيات الجديدة مؤخراَ تتيح للمستخدم أن يشعرَ بتجربة واقعية تفاعلية. تختلفُ وجهاتُ نظر المستخدمين، حيث يظنُّ بعضهم أن وجود المحفزات كالهواء أثناء هبوب الرياح في الفيلم هو ما يدمجهم بالبيئة الافتراضية، بينما يرى البعضُ الآخر أن الواقع الافتراضي يتوجب أن يكون قابلاً للمشاهدة من كل الاتجاهات.
يمكنك اليوم تجربة الواقع الافتراضي في شركة "DisneyQuest" في فلوريدا، حيث تقدمُ لك إمكانية خلقِ بيئةٍ افتراضية خاصة بك ومشاهدتها من الداخل وكأنك ضمن البيئة، حيث تقدِّم هذه البيئة تجربةً جيدة من الاندماج في البيئة ولكنها ليست تفاعلية وهذا ما يجعلها غير مكتملة كنموذج واقع افتراضي فعلي.
يمكن تلخيص عناصر التفاعلية ضمن بيئة الواقع الافتراضي بثلاث كلمات هي: السرعة، والمدى، ورسم الخرائط.
تمثل السرعةُ المعدلَ الذي يتمُّ فيه دمج أفعال المستخدم بنموذجٍ على الكومبيوتر وعكسه بحيث يستطيعُ المستخدمُ إدراكَه. ويمثِّلُ المدى (أو النطاق) عددَ النتائجِ الممكنة التي قد تنتجُ عن أفعالِ مستخدمٍ معين. أما رسم الخرائط فهذا يعني قدرة البرنامج على تحقيقِ نتائجٍ طبيعيةٍ استجابةً لأفعالِ المستخدم ضمن بيئة الواقع الافتراضي.
يعدُّ التجول Navigation ضمن بيئة الواقع الافتراضي أحد أنواع التفاعل، إذ يمكن للمستخدم توجيه تحركاته ضمن الواقع الافتراضي، ولكن يمكن أن يُـشعرَ المستخدم بالملل بعد دقائق قليلة مالم يمتلك خصائص تفاعلية تمكِّنُه من التعديل في بيئته الافتراضية، فيستجيب الواقع الافتراضي لكلِّ أفعال المستخدم بطريقة منطقية، كما تؤثر التغيرات المفاجئة وغير المتوقعة في تجربة المستخدم مما قد يؤدي إلى تعطيل إحساس المستخدم بالاندماج في البيئة.
سماعات الواقع الافتراضي:
تستخدمُ معظمُ أنظمة الواقع الافتراضي ما يسمى "HMDs"، وهي سماعات تمتلك شاشتين- واحدة لكل عين- مع سماعاتٍ تعطي وهمَ العمق. في البداية اُستخدمت شاشات ذات دقة عالية تدعى CRT، ولكن اُستُعيضَ عنها فيما بعد بشاشات LCD التي باتت متوفرة بأسعارٍ معقولة وتُعطي دقة ألوان أفضل.
تعكسُ بعضُ بيئات الواقَع الافتراضي الصور على الجدران والأرضيات والأسقف وتسمى هذه النوعية (:CAVE
Cave Automatic Virtual Environments)، وتعني البيئة الافتراضية التلقائية الكهفيّة، حيث قامت جامعة إلينوي في شيكاغو بتصميم أول نموذج لبيئة CAVE، وذلك باستخدام عرض صور على جدران غرفة صغيرة، حيث يقومُ المستخدم بارتداء نظارات لتضمن تتبع حركاته ضمن البيئة الافتراضية.
لقد قدمت تقنية CAVE تجربةً مثيرة للمستخدمين، حيث أشعرتهم بالاندماج بالبيئة لفترةٍ محدودة. يمكنُ أن يتشارك أكثر من شخص في التجربة، ولكن النظارات ستتبعُ حركاتِ شخص واحد فقط، مِمَّا يجعل المشاركين الآخرين يرون الواقع الافتراضي كعناصر خارجية فيه.
ترتبطُ تجربة الواقع الافتراضي بالمتعقبات الإلكترونية، والتي تقومُ بتَـتَـبِّع حركة المستخدم لعرض الصور الصحيحة وفقاً لحركته، ومعظم أنظمة التتبع الحالية متصلة بأسلاكٍ تقوم بإيصال المعلومات إلى الحاسوب ليقوم بمعالجة الحركات وإرسال البيانات الصحيحة، إلا أنَّ التكنلوجيا المستخدمة في التعقب تعتبر قديمة بعض الشيء حيث لا يوجدُ اهتمام كبير بتطوير متعقبات جديدة لحركة المستخدم.
أجهزة الإدخال أيضاً هامَة في خلق الواقع الافتراضي، مثل الأجهزة التي تحوي أزرار، أو القفَّازات الإلكترونية، أو مترجم للأوامر الصوتية، ولايوجد نظام يحدد أجهزة الإدخال، حيث تختلف من بيئة لأخرى، لذلك يسعى العلماءُ لتطويرِ أدواتِ إدخالٍ للواقع الافتراضي تكون أكثر إثارة وواقعية.
بعض أجهزة الإدخال الأكثر استخداماً هي قبضات الألعاب، وأجهزة التحكم، وكرات التعقب، والقفازات الإلكترونية، ومترجمات الصوت، وبزّة التعقب لحركات الجسم، والسماعات المتعقبة لحركة الرأس.
---------------------------------
المصدر:
هنا