الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد
الاقتصاد الخفي الجزء الثاني
خلق الاقتصاد الخفي عبء كبير على الاقتصاد الرسمي، من حيث الآثار السلبية وما يتولد عنه من نشاطات غير مشروعة من غسيل أموال وخرق القوانين، وقد تزايد ونما حجم الاقتصاد الخفي، مقارنة مع حجم الاقتصاد الرسمي، حيث أخذ -الاقتصاد الخفي-يسلك طرقاً غير مشروعة للعودة والاندماج في الاقتصاد الرسمي من جديد، فأصبح بذلك مصدر دخول كبيرة للعديد من أفراد المجتمع سواء عن طريق أعمال مشروعة أم غير مشروعة. وقد تكافل المجتمع الدولي من خلال عقد الاتفاقيات لمكافحة غسيل الأموال في سبيل مكافحة الاقتصاد الخفي، بالإضافة إلى قيام -بعض الدول- بوضع الحلول الفردية الوقائية.
جدول البيانات من اعداد الباحث لعام 2013
المرجع: شنايدر، حجم اقتصاد الظل في 31 دولة أوربية و 5 دول أخرى من دول OECD فترة 2004 – 2013 هنا
وقد تم الكشف عن العلاقة بين الاقتصاد الرسمي والاقتصاد الخفي، في اختبار أجراه الباحث على 8 دول (الولايات المتحدة – المملكة المتحدة - نيوزيلندا – سويسرا – اليونان – اسبانيا – إيطاليا – تركيا)، وهم أعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية من عام 2004 ولغاية 2013؛ حيث اختبر فرضية العدم القائلة: لا يوجد علاقة ارتباط ذات دلالة معنوية بين حجم الناتج المحلي الإجمالي وحجم الاقتصاد الخفي. واستخدم الباحث برنامج SPSS، لدراسة علاقة الارتباط بين متوسط الناتج المحلي الإجمالي لكل بلد، مع متوسط حجم الاقتصاد الخفي من عام 2004 ولغاية 2013، ولجأ الباحث في الاختبار إلى معامل الارتباط بيرسون Pearson Correlation، والتحليل من جانبين(2-tailed).
وظهرت النتيجة في جدول الارتباط (Correlations) حيث كانت قيمة الارتباط 0.952 وهي قيمة أقرب إلى الرقم 1 فدلت على وجود علاقة ارتباط موجبة وقوية بين الاقتصاد الرسمي (حجم الناتج المحلي الإجمالي) والاقتصاد الخفي في بيانات عينة الدول المبحوثة.
قارن الباحث بين معدلات النمو السنوية في الدول من عام 2004 ولغاية 2013، حيث لاحظ ارتفاع معدلات النمو السنوية للاقتصاد الخفي بسرعة أعلى من نمو الاقتصاد الرسمي (الناتج المحلي) في كل من (اليونان - تركيا) حتى عام 2007، وثم انخفضت معدلات النمو السنوية للاقتصاد الخفي –في جميع الدول المدروسة- بسرعة أقل من انخفاض معدل نمو الناتج في عام 2008؛ وكذلك في عام 2009 انخفضت معدلات نمو الاقتصاد الرسمي في الدول بسرعة أكبر من انخفاض معدلات نمو الاقتصاد الخفي وظهر المؤشران بالإشارة السالبة، وبالعودة إلى نسبة حجم الاقتصاد الخفي من الناتج المحلي؛ فقد ظهر بأعلى معدل في عام 2009 خلال الفترة المدروسة (2004 – 2013) لجميع الدول، وهذا يدل على ارتفاع النشاطات المولدة للاقتصاد الخفي في ظل الأزمة العالمية.
وأسوة بالأزمة العالمية؛ فإن للأزمات المحلية أثراً ايجابياً على معدل نمو الاقتصاد الخفي أيضاً، كما في حالة الانخفاض السريع في معدل نمو الناتج المحلي في دولة اليونان-منذ عام 2008- مقارنةً مع الانخفاض في معدل نمو الاقتصاد الخفي، نتيجةً لأثر أزمة الديون المحلية على الاقتصاد اليوناني ككل.
ويمكن الكشف عن سبب تباين حجم الاقتصاد الخفي في البلدان الثمانية (النسب المئوية لحجم لاقتصاد الخفي من الناتج المحلي) الموجودة في الجدول (1)، من خلال –أهم أسباب ظهور ونمو الاقتصاد الخفي- أرقام الضرائب الخاصة في العمالة، والتكاليف الرسمية لتأسيس الشركات.
الجدول(3): المؤشرات الاقتصادية المدروسة للبلدان عينة البحث عام 2013
الجدول من إعداد الباحث بالاعتماد على [14] موقع البنك الدولي هنا [16] موقع ممارسة أنشطة الأعمال هنا
أُخذ مؤشر (الضرائب الخاصة في العمالة والاشتراكات) لعام 2013 [14] ونعرف المؤشر بأنه يقيس المدفوعات الإلزامية التي تتحملها الشركة أو المنشأة عن العمالة كنسبة من الأرباح التجارية.
تم تقسيم الدول في الجدول (2) إلى مجموعتين بحسب حجم الاقتصاد الخفي (تم اعتماد نسبة 15% وهي المتوسط الحسابي للنسب):
المجموعة الأولى دول معدل الاقتصاد الخفي منخفض (أقل من 15%): (المملكة المتحدة –سويسرا-نيوزيلندا-الولايات المتحدة). كانت نسبة الضرائب في الولايات المتحدة 10% من الأرباح، وفي المملكة المتحدة 10% من الأرباح، بالإضافة إلى نسبة 3.1% في نيوزلندا ، أما سويسرا 17% من الأرباح.
المجموعة الثانية دول معدل الاقتصاد الخفي فيها مرتفع (أكثر من 15%): (اليونان – اسبانيا – إيطاليا – تركيا). شكلت الضرائب في اليونان 32% من الأرباح، وفي اسبانيا 36%، وإيطاليا 43% من الأرباح، أما في تركيا 18%.
إذن إن الدول التي اتبعت معدل ضرائب مرتفعاً على الأرباح؛ ارتفع فيها حجم الاقتصاد الخفي كنسبة من الناتج المحلي، عن طريق زيادة الطلب على العمل في السوق السوداء من قبل العاملين و المنشآت.
وأٌخذ أيضاً مؤشر "تكلفة إجراءات تأسيس الشركات كنسبة من نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي"لعام 2013، - (تحسب التكلفة كنسبة مئوية من متوسط الدخل القومي للفرد في البلد المعني. وتشمل التكلفة جميع الرسوم الرسمية والرسوم المتعلقة بالخدمات القانونية أو المهنية إذا كان ذلك مطلوباً بموجب القانون) - فتظهر النتائج في المجموعتين: [16]
المجموعة الأولى دول معدل الاقتصاد الخفي فيها منخفض: (الولايات المتحدة – المملكة المتحدة – سويسرا – نيوزيلندا ). والنتيجة أن كان مؤشر تكلفة تأسيس الشركة في الولايات المتحدة يمثل 1.5%، وفي المملكة المتحدة 30.%، أما في سويسرا 2% من نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي، وفي نيوزيلندا 0.3%.
المجموعة الثانية دول معدل الاقتصاد الخفي فيها مرتفع: (اليونان – اسبانيا – إيطاليا – تركيا). في اليونان تمثل النسبة 4.6%، أما في اسبانيا 4.7%، وفي إيطاليا 14.2%، وفي تركيا 12.7%.
وبالتالي فإن ارتفاع تكلفة إجراءات التأسيس (ارتفاع الرسوم) ساهم في ارتفاع حجم الاقتصاد الخفي، عن طريق تأسيس شركات دون التصريح عنها بطريقة أو بأخرى، أو اللجوء إلى دولة أخرى ذات تكاليف أقل بتهريب الأموال أو بطرق أخرى.
مما سبق، يوجد أثر إيجابي للأزمات الاقتصادية المحلية في معدل نمو الاقتصاد الخفي كما في حالة اليونان. وهناك علاقة قوية بين حجم الاقتصاد الخفي والاقتصاد الرسمي، وهي علاقة طردية ويجب التمحيص أكثر في أسبابها وعلاجها.
ويجب على صانعي القرار في جميع الدول الاستفادة من تجارب الدول التي حققت نجاحاً في خفض حجم الاقتصاد الخفي، مثل: (الولايات المتحدة – سويسرا – المملكة المتحدة-نيوزيلندا)، حيث فشلت الجهود الدولية في مواجهة عمليات غسيل الأموال منذ عام 1988، فمازالت الظاهرة منتشرة وهي في تزايد.