"فان جوخ" الثائر على الفقر ونصير الفلاحين في لوحة تقشير البطاطا

عاد "فان جوخ" إلى منزل عائلته عام 1883 بعدَ غيابٍ لمدّة سنة في لاهاي، وخِلال العامين اللاحِقين اللذين قضاهما في عدّة مدن مُختلفة، كرّسَ "فان جوخ" اهتمامَه بِموضوعٍ رئيسيٍّ يُعالج حياة الفلاحين المحليين البُسطاء. وقد كتب "جورج كييس" الأمين العام في متحف اللوحات الأوروبيّة أنّ "فان جوخ" عزّز مِن رؤيته للفلاحين واعتبرهم تجسيداً للقيم الإنسانيّة جمعاء.

بعدَ تخصيص جُلَّ وقته بالأشهر الأولى أثناء إقامته في مدينة "نوين" في رسم النسّاجين وهُم يعملون على النّول، بدأ "فان جوخ" عام 1884 في دراسته عن الفلاحين بشكلٍ جدّيٍ. وعلى مدى الأشهر الستة التالية، قام بصنع وتقديم سلسلةٍ طويلةٍ مؤلفة مِن عشرات الوجوه الجانبية والكاملة التي تُمثّل رجالاً ونساءً مِن طبقة الأرياف. أشار "فان جوخ" إلى أنّ أعمالَه تعكس دورة الطبيعة لدرجةٍ وثيقةٍ والظروف القاسية التي يرزح تحتها الفلاحين. قام "فان جوخ" في عام 1885 بتوسيع دراسته لتشتمل على مشاهدَ داخلية لأكواخ الفلاحين الريفية وهم يُزاولون عملهم بها. وفي غضون أسابيعٍ قليلةٍ، كان قد أنتج أكثر مِن عشرين لوحةٍ ورسوماتٍ عن شخصيات كاملة وهي تؤدي الأعمال المنزلية المُنتظمة مثل، صنع السِلال وكنس الأرضيّات، حياكة الجوارب ورتقِها، والتقشير والطبخ وأكل البطاطا.

مِن أهم الركائز الرئيسيّة التي حازت على اهتمام "فان جوخ" هي مُعالجة الضوء في المشاهد الداخلية. قام بذكر مجموعة دراسات لشخصيات رسمها على ضوء المصباح، وهُنالك تقريباً ست دراسات تتميز بِنوعٍ مِن التأثير الليليّ لظلالٍ كبيرة مُسلّطة على الحائط، والتي قدّمها "فان جوخ" في لوحة "آكلو البطاطا" The Potato Eaters. أثناء منتصف شهر مارس، تحوّلَ اهتمام "فان جوخ" نحوَ تأثيرات الإضاءة الجديدة، إذ أصبحَ يصبّ تركيزه أكثر على التفاصيل الصغيرة وحالة اتجاه الضوء مِن النافذة والشخصيات الكاملة وهي تقوم بِغزل النسيج، والخياطة أو تقشير البطاطا. بالنسبة للوجوه الكاملة أو الجانبية فكانت مِن أصعب التأثيرات عملاً.

في لوحتنا لهذا المقال واسمها "امرأة جالسة أمام بابٍ مفتوحٍ، وتُقشّر البطاطا" Woman seated before an open door، peeling potatoes، نرى امرأةً شابةً بالثلاثين مِن عمرها جالسةً على كرسيٍّ خشبي قديم بوقار وأبّهة دينيّة قرب بابٍ مهترئ ومفتوح، وأشعّة الشمس تنساب مِن خِلال النافذة إلى وسط الغرفة على شكلٍ مُستطيلٍ لتطمس ملامح السيدة والمُحيط الذي حولها. ولكن يديها في المُقابل، تبدوان واضِحتان بِسبب الضوء الساطع، وهُما تكدحان جاهداتان في تقشير البطاطا بكل هدوءٍ وصفاءٍ نقيّين. حتّى تطبخها على حساء العشاء أو تبيعها في السوق لتكسب بها رزقاً قليلاً مِن المال الصادق ليُعيلها بِرفقة عائلتها. أولئك الفلاحين يحرثون أرضهم بمُنتهى العطاء والمحبة لِتُغدق عليهم بخيراتها الطيّبة. هكذا كانت فلسفة "فان جوخ" الفنيّة ونظرته الإنسانيّة نحوَ تلك الطبقة الريفية المُعدمة.

رُسِمت اللوحة في مدينة "نوين" عام 1885، بألوان زيتية على قطعة قماش تبلغ أبعادها 25 × 36.5 سم مربع.

المصادر:

هنا