الفيزياء والفلك > فيزياء
إعادة تشغيل مصادم الهدرونات الكبير بطاقة أكبر... فما هي الأسئلة التي سوف يحاول الإجابة عليها؟
لقد بدأ مصادم الهدرونات الكبير HLC الذي يقع تحت جبال الألب بتحطيم الجسيمات مع بعضها بطاقة أعلى من أي وقت مضى. إنها بداية الجولة الثانية من التجربة الفيزيائية الأضخم على الإطلاق. حيث توّجت الجولة الأولى بإثبات وجود بوزون هيغز المسؤول عن خاصية الكتلة عام 2012.
فبعد أكثر من سنتين من العمل على تحديث الأجهزة في المسرع وكواشف الجسيمات والكثير من سنوات التحضير قبلها، أصبح فريق الباحثين من (CERN) جاهزاً لبدء استخدام المصادم للإجابة على المزيد من الأسئلة عن كيفية عمل الكون.
الهدف هو إكمال الأجزاء المفقودة من فهمنا لجوهر فيزياء. أحد الأمثلة على ذلك هو طبيعة المادة المظلمة، تلك المادة التي يهيمن وجودها على الكون لكن لا يمكننا رصدها مباشرة. وأيضاً حل لغز اختلال التوازن بين المادة والمادة المضادة في الكون الحالي. النظريات الحديثة تقترح أن الكون في بداياته كان يحوي على كميات متساوية تقريباً من المادة والمادة المضادة، لكن شيئاً ما حدث وجعل المادة المضادة تضمحل ما سمح لكوننا الحالي الذي نعرفه بالظهور.
للإجابة على هذه الأسئلة اقترح الفيزيائيون العديد من النظريات منها (التناظر الفائق)، وتنبئوا كذلك بوجود جسيمات جديدة وتغيرات طفيفة في تصرفات الجسيمات التي نعرفها.
صدم الجسيمات ببعضها بطاقات كبيرة تصل إلى 13 تيرا الكترون فولت، قد يمكّن العلماء من إيجاد الدلائل على وجود الأبعاد الخفية الإضافية التي تحدثت عنها العديد من النظريات.أو ربما يكتشفون أن بوزون هيغز (الجسيم دون الذري المسؤول عن إعطاء خاصية الكتلة للجسيمات الاخرى المكونة للمادة) هو عبارة عن عائلة من الجسيمات المترابطة.
زيادة طاقة المصادم حتى الضعف تقريباً كان له أهمية كبيرة حيث أن الاصطدامات الناتجة من المتوقع أن تؤدي إلى ظهور جسيمات دون ذرية جديدة لم يتمكنوا من الوصول إليها من قبل. كما أن العمليات النادرة التي كانت تحدث عند التصادم يجب أن تحدث بوتيرة أكبر، وسيكون من الأسهل تمييزها من بين 600 مليون تصادم يحصل خلال كل ثانية في كل تجربة. والمعدل الذي ينتج به بوزونات هيغز سيكون بوتيرة أكبر مما يسمح للباحثين بتحديد طبيعتها الحقيقية.
تم وضع برنامج العمل للعديد من التجارب المختلفة. منها (تجربة أطلس) التي سيقوم بها فريق جامعة "لانكاستر”. تهدف هذه التجربة إلى دراسة كيف يضمحل بوزون هيغز ويتحول إلى جسيم آخر اسمه تاو (النسخة الأثقل من الالكترون). الباحثون سيرون فيما إذا كانت عملية الاضمحلال ستساعدهم في تفسير اختلال التناظر بين المادة والمادة المضادة.
التحسينات التي تم إدخالها على (كشاف أطلس) الذي سيقوم برصد مسارات الجسيمات الدون ذرية الناتجة عن الاصطدامات وتحديد أماكن اضمحلالها. تعني بأن العلماء في فريق "لانكاستر" سيكونوا قادرين على رصد أي اختلال في التناظر بين المادة والمادة المضادة وحساب أعمار الجسيمات بدقة أكبر. كما إن دراسة عينات بأعداد كبيرة جداً من عمليات الاضمحلال هذه سوف يساعد في زيادة الدقة العالية اللازمة لرؤية التأثيرات الناتجة عن أي مفعول فيزيائي جديد، كالتناظر الفائق مثلاً .
سوف يبحث العلماء أيضاً عن جسيمات جديدة. خصوصا تلك الجسيمات التي تضمحل إلى زوج من الجسيمات العادية. فمن المهم جداً فهم كيفية حصول الاصطدامات المزدوجة بين الجسيمات الموجودة داخل البروتونات. طبيعة الطاقة الناتجة عن هذه الاصطدامات المزدوجة يمكن أن تحاكي بعض التأثيرات المتنبئ بها من النظريات الجديدة. لكن يجب على العلماء أن يفهموا هذه الاصطدامات جيدا قبل أن يتمكنوا من إثبات هذه النظريات واعتبار نتائج هذه الاصطدامات دليل كافي على صحة تلك النظريات.
خلال العامين الذين توقف بهما المصادم عن العمل كان هناك ضغط كبير على الفرق التي تقوم بتركيب الأجهزة الجديدة في المسرع والكواشف. أما الآن الضغط أصبح على مراكز تحليل البيانات(كمركز لانكاستر) التي ستقوم باستخراج النتائج بتحليل كميات هائلة من البيانات الناتجة عن مصادم LHC . سيشارك في هذه التجارب الكثير من الباحثين بدأً من طلاب الدكتوراه والباحثون الجدد وصولاً إلى العلماء الأقدم الذين سيشرفون عليهم، وبالتأكيد فإن اللحظة التي سيجتمع فيها كل هؤلاء للعمل معاً ستشكل اللحظة الأكثر إثارة.
لا أحد يعلم ماذا سيكتشف العلماء. وإيجاد شيء غير متوقع قد يغير من برنامج العمل بأكمله. قد تكشف لنا الطبيعة بعض أسرارها المثيرة التي قد تغير طريقة فهمنا لأساسيات عمل الكون.
المصدر: