الفيزياء والفلك > علم الفلك
مراحل حياة النجوم. 6- النجوم ما بعد الموت.
نصل في هذا المقال إلى مراحل حياة النجوم الأخيرة، فبعد انفجار النجم وموته فإنه لا يفنى كلياً بل يتحول إلى شكلٍ آخر من أشكال النجوم.
إذا تجاوز النجم حد شاندراسكر "Chandrasekhar limit" والذي يعادل 1،4 من كتلة شمسنا، انفجر باستعار أعظم، و كما ذكرنا في الأقزام البيضاء، تكون الذرات الخفيفة في سماء أو جو النجم إن صح التعبير، بينما تتجمع الذرات الأثقل عند النواة، و عندما ينفجر النجم تندفع الذرات الخفيفة نحو خارج النجم بينما تبقى الإلكترونات والبروتونات فقط عند النواة، فالإنفجار يبدأ من الداخل إلى الخارج، إلا أن حدوث الانفجار لا يعني تفكك النجم تماما (بمعنى أنه لا يتشظى كليا) كما أن قوى الجاذبية تبقى موجودة و تجذب ما تبقى من مادة النجم نحو المركز، و تكون في هذه الحال أكبر بكثير مما كانت عليه عند النجم القزم، لأن قوى الضغط المقاومة لقوى الجذب اختفت بشكلٍ جزئي.
تعادل قوة الجذب 2×10^11 من جاذبية أرضنا، أي ما يقارب عشرين ألف ضعف من جاذبية النجم القزم. تؤدي تلك القوة الهائلة لاندماج البروتونات والإلكترونات مشكلة النترونات، فتتشكل كتلة مكونة من النترونات بشكل رئيس، و يسمى النجم عندئذ النجم النيوتروني (Neutron Star).
يتصف النجم النيوتروني بجاذبية هائلة و كثافة عالية جداً لأنه صغير الحجم ( أكبر نجم نيوتروني تم العثور عليه يصل قطره إلى ما يقارب 20 ألف كيلو متر فقط ) في حين تصل كتلته إلى ما يزيد على 1،4 من كتلة الشمس، وتصل كتلة بعض النجوم النيوترونية إلى أربعة أضعاف أو حتى ثمانية أضعاف كتلة الشمس، و لكن تُعتبر تلك حالات شاذة و سنتعرف فيما بعد لمَ تُعتبر حالات شاذة، إذ يمكن تشبيه تلك الكثافة الهائلة بأن مقدار ملعقة واحدة فقط من النجم النيوتروني تصل كتلتها إلى ملايين أو حتى بلايين الكيلوغرامات.
تُعتبر النجوم النيوترونية ساخنة جداً، إذ تصل درجة حرارة سطح النجم المولود حديثاً إلى أكثر من مليون درجة فهرنهايت، أي ما يعادل 555500 درجة مئوية، ولكن هذا المقدار من الحرارة لا يُشع بشكل مرئي، إنما على شكل أشعة سينية (X-Ray).
تتمتع تلك النجوم بحقل مغناطيسي قوي جداً، قد يصل إلى مليون ضعف الحقل المغناطيسي الأرضي ( تصل شدة الحقل المغناطيسي الأرضي عند مدينة دمشق إلى ما يقارب 0،00002 تسلا).
عندما نتحدث عن النجوم النيوترونية فلابد لنا أن نذكر مرافقاتها، النجوم النابضة (Pulsing Stars) أو كما يسميها العلماء " النوابض (Pulsers)"، فالنجم النابض ببساطة هو نجم نيوتروني يدور، ولكن هذه ليست هي القاعدة، فهناك أنواع من النوابض وهي عبارة عن نجوم نيوترونية تدور حول نفسها بمعدل يصل إلى مئات الدورات في الثانية الواحدة، إلا أن بعضها الآخر ثابت و ما يدور حقاً هو حقلها المغناطيسي، ولا تزال كيفية دوران الحقول أمرا غير مفهومٍ كلياً بالنسبة للعلماء
هل من الممكن أن يتشكل شيءٌ آخر من النجم المنفجر ؟
نعم، فعندما ينفجر النجم هناك حد لكتلة نواته، فإذا كانت كتلة نواة النجم المنفجر ما بين 1،4 و 3 أضعاف كتلة شمسنا، فسوف يتحول بعد انفجاره إلى نجم نيوتروني، ولكن إذا تعدت كتلة نواة النجم المنفجر ثلاثة أضعاف كتلة شمسنا فسيتحول إلى ما يُعرف باسم: الثقب الأسود Black Hole.
الثقوب السوداء هي بقايا نجمية منفجرة، بعبارة أخرى هي نواة نجم انفجر، تعادل كتلته من 10 إلى 15 ضعفاً من كتلة الشمس، في حين تعادل كتلة نواته ثلاثة أضعاف كتلة شمسنا. يستمر انكماش النواة بعد الإنفجار إلى نقطة تُعرف باسم النقطة المتفردة، أو النقطة الوحيدة "Singularity"، ما يميز تلك النقطة انعدام حجمها، و بالتالي تُعتبر كثافتها لا متناهية.
ينتج عن تلك الكثافة الهائلة قوى جذب هائلة، تلك القوى كبيرة لدرجة أن الضوء المرئي لا يستطيع النفاذ منها، فالثقوب السوداء تقوم بامتصاص و جذب كل شيء يدخل منطقة أفق الحدث "Event Horizon" وهي المنطقة التي تُطبق عليها جاذبية الثقب الأسود.
بما أن الضوء لا يستطيع الهروب من مجال جاذبية الثقب الأسود، فكيف لنا أن نرى الثقب الأسود، أو كيف لنا أن نعرف أن هنالك ثقباً أسود ؟
يتم الكشف عن الثقب الأسود بملاحظة تأثيره، مثلاً أن نراقب نجماً فنجده يدور حول نقطة ما ويقترب منها، حينها نلاحظ وجود "شيءٍ ما" يجعل النجم يدور ويقترب من تلك النقطة، كما يصدر ذلك النجم أثناء جذبه أشعة ذات طاقة عالية، تكون غير مرئية للعين البشرية، و عند رصد تلك الأشعة يمكننا التيقن من وجود نقطة جاذبية، ألا وهي الثقب الأسود.
تتنوع الثقوب السوداء في الحجم، فمنها الكبير ومنها الهائل "Super Massive Black Holes"، يعتقد العلماء أن الثقوب السوداء الهائلة موجودة في مراكز المجرات، وأنها نشأت عند تشكل المجرة، فمجرتنا درب التبانة تمتلك ثقباً أسود هائلاً عند مركزها، وتجدر الإشارة إلى أن العلماء قد شهدوا نشاطاً للثقب الموجود في مركز مجرتنا منذ عدة أسابيع مضت.
ولا بد لنا أن نذكر أن هناك بعض العلماء يشككون بوجود الثقوب السوداء، وحجتهم هي عدم وجود دليل مباشر على وجودها.
روابط المقالات السابقة في السلسلة:
الأول:هنا
الثاني:هنا
الثالث:هنا
الرابع:هنا
الخامس:هنا
المصادر:
دليل المصطلحات: هنا
المرجع: Fundamental Astronomy 5th ed - H. Karttunen، et al.، (Springer، 2007) WW (1)