الفنون البصرية > فن وتراث

مساكن هورتا .. ثورة على الماضي

بروكسل، عاصمة الآر نوفو (الفن الحديث) بامتياز، وقد اقترن اسم العاصمة البلجيكية دوماً باسم معمارها الشهير فكتور هورتا.

مثّلت هذه الأعمال الأربعة ثورةً على الطرز المعمارية، لتميُّزها بمخطط المسقط المفتوح، وبالأهمية التي منحتها للضوء، وبالربط الملحوظ بين الخطوط المنحنية وهيكل البناء.

قررت اللجنة إدراج هذه المساكن على لائحة التراث العالمي عام 2000 وفقاً للمعايير الأول والثاني والرابع:

المعيار الأول: إن هذه المساكن هي نتاج العبقرية الهندسية الأكثر تعبيراً عن تأثير طراز الفن الحديث في الفن والعمارة.

المعيار الثاني: إن ظهور الفن الحديث في نهاية القرن التاسع عشر، شكل خطوة حتمية في تطور العمارة وأعلن عن بدء التغيّرات المستقبلية. حيث تشهد مساكن هورتا على هذا النهج الجديد تماماً.

المعيار الرابع: إن مساكن هورتا هي نماذج مميزة للهندسة المعمارية في مرحلة الفن الحديث، حيث تظهر بوضوح الانتقال من القرن التاسع عشر إلى القرن العشرين في الفن والفكر والمجتمع.

من جهةٍ أخرى، تشكّل هذه الصروح الأربعة اتصالاً بين الحركة الكلاسيكية وحركة الحداثة في تاريخ العمارة. ثار هورتا على الأفكار المعمارية في عصره عندما قدّم فكرةً لمسقط مفتوح، وشجع على الحوار بين مواد البناء واستخدامها، تبعاً لطبيعتها الحقيقية، في إطار طريقة جديدة في التصميم الداخلي. تعيد مساكن هورتا صياغة تقاليد السكن البرجوازي في القرن التاسع عشر، من خلال جمعها لوظائف سكنية وتمثيلية، وتنظيمها المتقن للفراغات والحركة والانتقال. وفي كل الأحوال، فإن عبقرية المعماري هورتا استطاعت بلوغ وحدة في العمارة والديكور عكست شخصية صاحبها.

1-فندق تاسل (1892-1893):

وهو أول تصاميم هورتا وأول عمل حقيقي عالمي للفن الحديث في العمارة. وسيبقى منارة لكونه أول مبنى ثار على المخططات الكلاسيكية لبيوت بروكسل. ففي هذا التصميم نجد ممراً طويلاً جانبياً، يسمح بالدخول إلى ثلاثة غرف تصطف على التسلسل: الصالون من جهة الشارع، غرفة الطعام في الوسط والشرفة من جهة الحديقة. لذلك تبدو غرفة الطعام معتمة. يقع بيت الدرج في الممر. وضع هورتا باب الدخول تماماً في وسط الواجهة، ولذلك وضع الممر بشكل منطقي في محور المنزل وضحّى بمركز المنزل لينصب فيه فتحة للإنارة.

تشمل واجهة الفندق كافة عناصر الفن الحديث. فهي تظهر مزيجاً منسجماً من الحجارة البيضاء والمعدن. فُضّل الحجر على القرميد لأنه يسمح بإغناء الواجهة بالأقواس والأقواس المضادة. مكنت العوارض الخشبية والأوتاد الحديدية والملحومة من تصغير الأعمال الحجرية وفتحت نوافذ ناتئة أسهمت في إدخال الضوء بوفرة. تسمى النوافذ القوسية، وهي نوع من النوافذ النافرة عن الحائط، تأخذ شكل نتوءات دائرية بدلاً من محيطها الزاوي.

2-فندق سولفاي (1895-1903):

واجهته متناظرة حتى مستوى الشباك الفرنسي في الطابق الأول. يفضي هذا الشباك الفرنسي إلى شرفة وهو محاط بنافذتين مقوستين. تتكون الواجهة من الزجاج والحديد والحجر الطبيعي، وهي المواد المفضلة عند هورتا.

في الفراغ الداخلي درجين، الأول ذو درابزين دورانية الشكل من المعدن المذهب، تقودنا من المنسوب الأرضي إلى الطابق الأول، حيث توجد فراغات الاستقبال (صالونات على الواجهة وقاعة للطعام في الخلف). تفصل قواطع زجاجية هذه الفراغات، ويمكن إزالتها لإحداث فراغ واسع يستمر على كامل مساحة المنزل تقريباً. أما الدرج الثاني فهو استعراضي تعلوه نافذة رائعة يوفر تقوسّها توزيعاً أمثل للهواء الحار الذي يتم التخلص منه عبر فتحات واقعة أسفل الدرج. ونظراً لوجود هذه النافذة، نرى درجاً ثانياً يفضي إلى الطوابق العليا، حيث الغرف الأخرى والحمامات.

وهناك باب كبير يسمح بالوصول إلى المستودعات الموجودة وراء المبنى في الحديقة. يشتمل الطابق الأرضي كذلك على المطابخ وحجرة للتدخين.

3-فندق فان إيتفيلده (1895):

تعود الواجهة الجريئة ذات الهيكل المعدني الظاهر إلى عام 1895. أظهر فيها المعماري الحداثة، كذلك الفراغات الداخلية التي تنتظم حول نافذة، يتميز بهو الاستقبال بدقة تفاصيله. إن نوافذ الزجاج المعشق بأشكالها النباتية تعطي انطباعاً بطول الأعمدة المعدنية التي تدعم النافذة الجدارية، أما الأعمدة الظاهرة فلها جذوع تنبثق منها الزخارف النباتية للنوافذ المعشقة. في البدء كانت أرضية البهو الواقعة تحت النافذة الجدارية مشتملة على بلاط زجاجي يحسّن إضاءة الأقبية. داخل البناء أنشأ هورتا فراغات قابلة لإعادة التشكيل بواسطة قواطع منزلقة. اتسمت زخارف الواجهة باعتدالها رغم أن نتوءات الفسيفساء تعقدت أعلاها، مشابهةً بذلك لدرابزين الشرفة العليا.

تدعم عتبات الشبابيك الفرنسية في الطابق الأخير الكورنيش مباشرةً، تتخلله بانتظام العديد من حوامل الكورنيش. استخدم هورتا هيكلاً معدنياً فخماً، إما لدعم الطوابق البارزة (الحوامل) أو لإحاطة النوافذ بإطارات شاقولية وعتبات مقوسة قليلاً. يسمح الهيكل الحامل بإنشاء فتحات كبيرة في الواجهة. يُظهِر هذا المبنى استخدام الحديد والمواد التي ازدهرت بنهاية القرن التاسع عشر.فقد ترك الجائز في الطابق الأرضي ظاهراً ولم يخفه، وهذا دليل ابداع بما أن هذا النوع من الإنشاء الحامل يستخدم لأول مرة في منزل خاص. فضلاً عن ذلك، أراد أن يخل بنظام الواجهة المتناظرة، التي كانت تقليداً قبل ذلك. فوضع باب الدخول في طرف الواجهة.

التوسعة الأولى (1899): نميزها بسهولة عبر الواجهة ذات الحجارة المشذبة البيضاء، تم إضافة مكتب وصالة بلياردو للمنزل الرئيسي. وطرازه أكثر زخرفة ويذكّر بالمنزل الشخصي لهورتا. ونلحظ تنوع الخطوط المتقاطعة في الحجر.

أعمال المكتب الخشبية من الأكاجو الكونغي والمرجان تبعاً لرغبة المموّل تعد من أروع ابداعات هورتا.

التوسعة الثانية (1901): وهو ملحق حجارته بيضاء أيضاً، يشتمل صالوناً وغرفة لكن من دون مدخل خاص.

4-منزل هورتا ومشغله (1898-1901):

عبارة عن مبنيين متصلين داخلياً، لكن لكل مبنى شخصيته الخاصة، وذلك للتفريق بين الفراغ الخاص والورشة المهنية، التي امتازت بتعقيد بعض العناصر الزخرفية، استخدم الحرفيون القوالب لينجزوا الغرف اللاحقة بسهولة، لأن المخططات التبسيطية لم تكن دائماً كافية لهم.

القسم الخاص يشمل درجين: الأول استعراضي رئيسي مخصص للضيوف والمالكين، والثاني للخدمة. ما يلفت النظر هو الهيكل الداخلي للقسم الخاص: فهو غير مقسم إلى طوابق، إضافة لغياب الجدران الفاصلة في الطابق الأرضي المرتفع ما يفتح أفاقاً واسعة وأفقية، تعطي انطباعاً بمنزل أوسع مما عليه في الحقيقة. لا ينتهي الدرج في القبو ويشكل العمود الفقري للمنزل بوجوده أيضاً في كامل الصالون. يأتي الضوء من الواجهات الأمامية والخلفية، وكذلك عبر النافذة الجدارية الكبيرة التي تعلو الدرج، وتضيء بالتالي مركز المنزل بصورة أفضل من المنازل الكلاسيكية لنفس الحقبة، والتي كانت تشمل ثلاث غرف على التسلسل، أوسطها معتمة نسبياً.

تبدأ رسومات الفسيفساء من الأرض وحتى مستوى مسكات الأبواب، ونلاحظ الإفراط في أدق التفاصيل.

المصادر:

هنا