البيولوجيا والتطوّر > علم المورثات والوراثة
العلماءُ يرسمون طريقاً جديداً لمعالجة الألم
تخيّل أنّك لا تشعر بالألم مطلقاً! لا صُداعَ.. لا آلامَ مفاصل.. لا حروقَ.. ولا أيّ إحساسٍ بالألم! لا تستبعد ذلك! ثمّة حالةٌ وراثيةٌ نادرةٌ تجعل المصابين بها لا يشعرون بالألم أبداً!
"عدم الإحساس بالألم".. قد تبدو هذه العبارة للوهلة الأولى رغبةً يتمنّاها الجميع، لكنْ على الرغم من جمال وقعِها فهي ليست بالإيجابية التي قد نظنّها! لطالما ساهم الألمُ في حماية استمراريّة الجنس البشري، فهو إحساسٌ محفوظٌ تطوّرياً ينبّهنا إلى الأذيّات التي تحدثُ لنا والأخطار التي تُحدق بنا.
ولكن ماذا عن الأشخاص المُصابين بمتلازمة "عدم الإحساس الخَلقي بالألم "congenital insensitivity to pain" ، وهي حالةٌ نادرةٌ يُصاب بها حوالي واحدٍ من بين مليون شخصٍ في المملكة المُتحدة، حيث يعاني هؤلاء من اضطرابٍ وراثيّ نادرٍ يجعلهم غيرَ قادرين على الشّعور بالألم منذ ولادتهم، ويترافق ذلك بالعديد من الإصابات التي تحدثُ لهم وتتطوّر دون أن ينتبهوا لها، فمنهم من يقوم بِعَضّ لسانه وأصابعه لدرجةِ قضم أجزاءٍ منها، والبعضُ يتسبّب لنفسه بحروقٍ شديدة، فضلاً عن الأمراض العديدة التي يُصابون بها وتصل لمرحلةٍ حرجةٍ قبل أن يتمّ اكتشافها.
ما هو السّبب الذي يكمن وراء الإصابة بهذه الحالة؟
لمعرفة ذلك قام العلماء باختيار 11 عائلةً يُعاني أفرادها من هذه الحالة، وعمدوا إلى استخدام التقنيات الحديثة في تحديد تسلسل الحمض النووي DNA لديهم، فلاحظوا وجودَ 10 طفراتٍ يُمكن أن تحدث في مورّثةٍ محدّدةٍ تُسمّى PRDM12 وأنّ الأشخاص المصابين يمتلكون نسختين من المورثة الطّافرة "أي أنّهم متماثلو اللّواقح "في حين أنّ الأشخاص الذين يمتلكون نسخةً واحدةً منها غيرُ مُصابين بالمرض.
ولتحديد دور هذه المورّثة قام العلماء بدراسة خزعاتٍ عصبيةٍ أُخِذَت من هؤلاء المرضى، ووجدوا أنّهم يفتقدون إلى نوعٍ خاصّ من الخلايا المستقبِلة للألم تُسمّى الخلايا المُستقبِلَة للأذية nociceptor وبناء على ذلك توقّع فريق الدراسة أنّه ثمّة ما يعيقُ تشكّلَ الخلايا العصبية الحسّاسة للألم خلال مرحلة التّطور الجنينيّ، ولإثبات ذلك أجرى العلماء مجموعةً من الدراسات على الضّفادع والفئران بالإضافة إلى خلايا جذعية من البشر، توصّلوا من خلالها إلى أنّ ناتج تعبير المورثة PRDM12 الطبيعية هو بروتين يكون مسؤولاً في الحياة الجنينية عن تطوّر الخلايا التي أتينا على ذكرها سابقاً. (نعلم أنّ البروتينات الوظيفية التي يتم اصطناعها في الخلايا ما هي إلّا نِتَاجُ تعبيرِ المورثات التي نحملها).
كيف سيستغلّ العلماء هذا الاكتشاف؟
من الجدير بالذّكر أنّ هذه المورّثة هي المورثةُ الخامسة المُكتَشفةُ حتى الآن من بين المورثات التي يرتبط دورُها بالإحساس بالألم وقد تمّ العمل على إيجاد علاجات تستهدفها وتخضع هذه العلاجات الآن للتجارب السريرية.
إذاً تفتح هذه الدراسة باباً جديداً لمعالجة المرضى الذين يعانون من آلامٍ مزمنةٍ أو مفرطة لم تجدِ معها العلاجات التقليدية نفعاً، من خلال التوجّه نحو تطوير أدويةٍ جديدةٍ تستهدف هذه المورثة.
المصدر: هنا
البحث الأصلي: هنا