العمارة والتشييد > التصميم المعماري
واحة سيوة
تقع في محافظة (مطروح) غرب مصر، حوالي (50) كم من الحدود الليبية، على بعد (560) كم جنوب غرب القاهرة، وتقع على بعد (300) كم جنوب البحر الأبيض المتوسط باتجاه الداخل، ويقع إلى جنوبها مباشرة بحر الرمال العظيم. مساحتها طول حوالي (10) كم، وعرض(6-8) كم وتضم أكثر من (200) نبع ومجرى للمياه العذبة.
يعيش فيها حوالي 20000 شخص، معظمهم يتكلمون اللغة العربية وإلى جانبها اللغة السيوانية متميزين عن لغات باقي مناطق صحراء مصر الغربية. يتعلم الأطفال بدايةً اللغة السيوانية التي تنحدر من اللغة الأمازيغية المتداولة في مناطق من دول المغرب العربي.
هذا المنخفض الواقع في صحراء مصر الغربية يمتلك تراثاَ ثقافياَ وتاريخاَ ومجتمعاَ أصيلاَ بعيداَ عن أضواء الحضارة الحديثة، إنها مكان لجمال العنصر، وآثار تسّحر الأنظار وتنّوع بيولوجي وحيوي مدهش.
في هذا المشهد الساحر تظهر خمس واحات كأنها جزر من المساحات الخضراء حيث تنتشر زراعة شجر النخيل منذ القرون الوسطى وكانت الواحات أماكن مهمة على طريق القوافل التجارية.
إنها أفضل مكان يعبر عن الحياة الريفية المصرية بعيدا عن الضجيج وصخب وادي النيل السياحي.
وجبات الطعام فيها أساسها الزيتون والتمر وهما أهم الزراعات المحلية، ومن أهم النشاطات السباحة في الينابيع الطبيعية الباردة والساخنة في وسط الصحراء، رحلات السفاري والتخييم ليلا ومراقبة السماء غير الملوثة بأضواء الحضارة الحديثة وزيارة الأماكن التاريخية والطبيعية.
في عام 2002، أعلنت الحكومة المصرية أن (7.800) كيلومتر مربع حول واحة سيوة منطقة محمية، تقديرا للقيمة البيولوجية والبيئية والثقافية لسيوة. النظام الجديد يحظر جميع الأنشطة التي تضر أو تستنزف البيئة الطبيعية، بما في ذلك النباتات والحيوانات الأصلية، وعززت هذه الحركة الحفاظ على الموارد التي لا تقدر بثمن فيها.
سيوة هي واحدة من آخر الواحات البيئية المتبقية في العالم التي تضم مناظر طبيعية خلابة وآثار تاريخية قديمة وتقاليد ثقافية فريدة. من الواضح أيضاً أن آلاف السنين من العزلة التي لا ترحم في الصحراء الشاسعة قد سمحت لمجتمع سيوان تطوير تقاليد ثقافية فريدة وتقنيات بناء، وأساليب تطريز، ونظم إنتاج زراعي لافتة للنظر لجمالها وانسجامها مع البيئة الطبيعية.
من الجدير بالذكر أيضاً أنه منذ آلاف السنين قامت الهضاب الصخرية بحماية منخفضات واحة سيوة الخصبة، ومع مرور الوقت شكلت رياح الصحراء الرملية بروزات من هذه الهضاب لتنتج تضاريس فريدة من نوعها.
يوجد في سيوة العديد من البحيرات المالحة أيضاً، أكبرها بحيرة الزيتون وكذلك فيها النبع الكبريتي الساخن، يليه بئر (الواحد) الذي يُعدّ حماماً علاجياً طبيعياً.
الكنوز التاريخية:
قلعة شالي:
قلعة تاريخية، تقع في وسط أكبر بلدة في سيوة، بُنيت في القرن الثاني عشر باستخدام تقنية بناء غريبة وغير معروفة.
تمٌّ إنشاؤها من كتل الملح المستخرجة من البحيرات المجاورة، وتستخدم كلبنات في عملية البناء مع الطين المتوفر بشكل كبير والغني بالملح، لاتزال طريقة البناء هذه حتى يومنا هذا لإنشاء بعض المباني الحديثة من قبل العمال القدماء.
هذه التقنية هي نتيجة لقدرة ومهارة أهالي سيوة من استغلال موارد البيئة المحلية وبنفس الوقت أثبتت القدرة على تصميم مباني مريحة في هذه الظروف المناخية القاسية.
بدأ سكان شالي القديمة بالتحرك خارج أسوار المدينة القديمة، في عام (1926) دمرت الأمطار الغزيرة بشكل غير معتاد الكثير من أقسام القلعة القديمة، مما اضطٌّر سكانها المتبقين للخروج. اليوم، لا تزال الحصون واقفة كنصب تذكاري وشاهد لبراعة سيوان وتقدم للزوار وجهة نظر مذهلة عن المستويات العليا للمدينة القديمة.
معبد أوراكل:
يتوضّع على صخرة من الحجر الجيري، ويشاهد معبد أوراكل من خلال أشجار النخيل والتي تمتد إلى جبال (الدكرور). على الرغم من التعرض للتخريب واللا مبالاة من منقبي الآثار والتأثيرات الطبيعية، إلا أنه بقي موقعاً معزولاً لم يتغير تقريبا منذ زمن الإسكندر الأكبر، وهو مزيج فريد من العمارة الفرعونية والبطلمية والرومانية.
جبل الموتى:
وكما يوحي اسمه، هذا التل الحجري الجيري هو يزخر بمقابر محفورة في الصخر لأكثر من 700 روماني وأربعة مدافن ملكية، وتعود جميع هذه القبور إلى عهد الأسرة الحاكمة السادسة والعشرين وحقبة حكم البلاطمة. القبور الملكية الأربعة مفتوحة للجمهور، وتضم رسومات جدارية تمُّ الحفاظ عليها جيدا. في أوقات انعدام الأمن، سعى السيوانيون للجوء في هذه الكهوف، وعاشوا مع الأموات لتجنب الأمطار الغزيرة والغزوات في الحرب العالمية الثانية. الإطلالة من قمة الجبل تقدم بانوراما رائعة للواحة.
قبر الاسكندر الأكبر:
هذا القبر مصنوع من الذهب والبرونز، والآن هو عبارة عن كومة من الأنقاض المتناثرة يبعد حوالي (15) كم عن غرب معبد أوراكل. يعود تاريخه إلى القرن الأول قبل الميلاد، هو النصب الوحيد في سيوة الذي بني على طراز الدوريك، وبلغ ارتفاعه (6) أمتار وطوله (16) مترا، ويبدو الآن أنه قد حصل يوما ما انهيار فيه في مرحلة معينة من تاريخه إثر زلزال.
أماكن أخرى جديرة بالذكر:
مقبرة (سي آمون) حمام كليوباترا -قرية (اغورمي) -مقبرة إيزيس والعديد غيرها.
مادة الكرشيف:
وهي مادة بناء تقليدية في سيوة يتم تشكيلها من الطين والرمل والملح المجفف بالشمس الذي يتك تجميعه من بحيرات سيوة المالحة. بنى السيوانيون بيوتهم منه كمادة بناء جنبا إلى جنب مع جذوع النخيل وخشب الزيتون للأسقف.
تعمل لبنات الكرشيف كعازل طبيعي وتحافظ على درجة حرارة لطيفة داخل المنزل في الصيف والشتاء على حدّ سواء. إضافة الى كونها جزءا من البيئة المحيطة وتجعل البناء المبني منها مندمجا بشكل جميل مع بيئته أيضاَ.
تترك أسبوع أو اثنين حتى تجف ويتم البناء بطبقات متتالية وهي مادة تمنع انبعاث الكربون إضافة إلى كونها مادة جمالية تستخدم في الفراغات الداخلية.
في العقود الأخيرة بدأت بالاختفاء ليحل مكانها الاسمنت ورغم أنه أرخص إلا أنه غير مناسب لبيئة الصحراء لأنها لا تعمل عازل ضد الهواء الساخن أو البارد بل بالعكس تساعد على تمريرهم ويسبب إسراف في الطاقة الكهربائية لتكييف الهواء ومعالجة مرور هذه التيارات الهوائية كما أن الاسمنت يهدد بالقضاء على تقنية البناء القديمة لأهالي سيوان والتي تم تناقلها من جيل لآخر من آلاف السنين.
أمثلة على عمارة سيوان:
بيت الحاج علي:
ارتفاعه (10) أمتار ومساحة الطابق الأرضي حوالي (350) متر مربع وهو ما يزال قائماً حتى الآن. المبنى عبارة عن طابقين موصولين بدرج مركزي يعمل كمنفذ تهوية وتكييف ومصدر إضاءة حيث يتم تثبيت مرايا على الجدران لتعكس ضوء الشمس داخل المنزل، وفيه فناء لاستقبال الزوار له مدخل مستقل لتأمين الخصوصية لأصحاب المنزل، كما تمٌّ طلاء الجدران الخارجية لعكس الأشعة الشمسية.
يحتوي البيت على بهو صغير للترحيب بالزوار وإيصالهم إلى القسم الخاص بالضيوف، وكذلك يمر سكان البيت من هذا البهو للوصول إلى القسم الخاص بالأسرة في الطابق العلوي لتحقيق الخصوصية.
في الطابق العلوي توجد غرفة معيشة مشتركة لأفراد الأسرة للاجتماع ويوجد نوعان لغرف النوم، غرف المسقوفة من أجل الشتاء وغرف غير مسقوفة بالصيف، كما وتستخدم أجهزة للتبريد في الحر الشديد.
عند تشييد المنزل، يتم تحديد مساحات الغرف ثم يتم بناء جدران بيتونية بسماكة (50) سم في الطابق الأرضي وهي ليست مكلفة لتأمين عزل المياه الجوفية عن الكتلة المبنية من مادة الكرشيف المشهورة في سيوة.
بعد ذلك، يتم استكمال البناء باستخدام بلوكات من مادة الكرشيف وصولاً للارتفاع المطلوب للغرفة. يتمّ أيضا استخدام وصلات من خشب جذوع النخيل لتدعيم الجدران عند السقف، ولإعطاء جمالية للسقف.
وقد ساعدت كل هذه التقنيات مجتمعة تحقيق بيئة صحية ومنخفضة التكلفة، ومريحة حراريا ومنزل مصمم جيدا، خارجيا وداخليا.
الفندق البيئي Adrere Amellal:
صُمّم على سفح جبل بأرض غير صالحة للزراعة ولدمج الجبل مع الفندق. من أهم النزل السياحية، مبني بالحجر الجيري، يحوي العديد من أشجار الزيتون والنخيل، وطوب الطين والصخر الملحي، واتبع نفس الأساليب المستدامة.
ويقع الفندق على حافة بحيرة سيوة في الصحراء الغربية، ويتكون المبنى من (39) غرفة صديقة للبيئة.
صممت النوافذ بحيث تكون صغيرة جداً ومحفورة عميقاً في الجدار السميك، كما أن سقف الحمام والجدران مصممة من الحجر.
يميز هذا الفندق أثاثه المصنوع من مواد المحلية ولبنات الرمل، ويزينه أنماط وديكورات جميلة من الكرشيف، وفسحة سماوية في السقف تنيره إنارة طبيعية.
-----------------------
واحة سيوة مكان رائع للزيارة والاستكشاف، ومعلم بارز في مصر حاضرة في ذاكرة التاريخ وكل تكوين أو مبنى أثري فيها له تاريخه وتصميمه الخاص، هذه جولة سريعة في عالم الصحراء الممتلئ بالمغامرات والعمارة المستدامة فيها تشهد على مجتمع متعاون وقادر على استخدام تقنيات البناء الحديثة مع الحفاظ على التراث المحلي.
المصادر: