الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة السياسية
نظرية المباريات في العلاقات الدولية
ﺗُﻌﺪّ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻳﺎﺕ ﻣﻦ ﺇﺣﺪﻯ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳّﺎﺕ ﺍلاﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴّﺔ ﺍﻟﻤﻬﻤّﺔ لاﺗّﺨﺎﺫ ﺍﻟﻘﺮﺍﺭﺍﺕ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﻗﻒ ﺍﻟﻨّﺰﺍﻋﺎﺕ ﺃﻭ ﺍﻟﺼّﺮﺍﻋﺎﺕ ﺍﻟﺪّﻭﻟﻴّﺔ، ﺇﻥّ ﻫﺪفها ﻫﻮ ﺗﺮﺷﻴﺪ الإختياﺭ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺒﺪﺍﺋل ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻔﺮﺯﻫﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻮﺍﻗﻒ ﺍﻟﺼّﺮﺍﻋﻴّﺔ، ﻭﺗُﻌﺎﻟﺞ ﻛﻞ ﺻﺮﺍﻋﺎﺕ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ سواء كان ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺴﻴﺎﺳﻲ ﺑﺸﻜﻞ عام أو الصراعات التي تتعلق بالسّلم والحرب بشكل خاص. فماهي نظرية المباريات؟ وماهي أنواعها وأسسها؟ إليكم المقال التالي.
عُرِفت نظرية المباريات لأوّل مرّة في عام 1944 عندما نشر "أوسكار مورجنسترن" و"جون نيومان كتابهما "نظرية المباريات والسّلوك الإقتصادي"، ثمّ وجدت هذه النّظرية تطبيقاً واسعاً لها في الأمور المتعلّقة بالإستراتيجيّة والسّياسات الدّفاعية والتّحليل الإقتصادي.
عرفها "مارتن شوبيك" بقوله إنها: طريقة رياضية لدراسة بعض جوانب عملية إتخاذ القرارات ولاسيما في المواقف التي تغلب عليها صفة الصّراع أو التعاون. ومن هذا التعريف يمكننا القول ﺇﻥّ ﺟﻮﻫﺮ ﻧﻈﺮﻳّﺔ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻳﺎﺕ ﻳﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺇﻓﺘﺮﺍﺽٍ ﻣﻔﺎﺩﻩ ﻭﺟﻮﺩ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﻣﺘﺨﺬﻱ ﺍﻟﻘﺮﺍﺭﺍﺕ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺗﺘﺪﺍﺧﻞ ﺃﻫﺪﺍﻓﻬﻢ وﺍﻟﺘﻲ ﻳﺴﻌﻮﻥ ﻟﺘﺤﻘﻴﻘﻬﺎ، حيث ﻳﺘﻮﻓﺮ ﻟﻜﻞّ ﻭﺍﺣﺪٍ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺴّﻴﻄﺮﺓ ﺍﻟﺠّﺰﺋﻴّﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻌﺎﻣﻠﻮﻥ ﺟﻤﻴﻌاً ﻣﻌﻪ. فهذه النّظريّة لا تفترض فوز طرف بالكامل مقابل خسارة الطّرف الآخر فحسب، بل قد تنتهي المباراة بحدوث نوعٍ من التّعاون بين الطّرفين بحيث يتمّ تفادي الخسارة المطلقة.
ومن هنا كان القول بنوعين من الصّراعات أو المباريات:
• تنافسيّة(صفرية)، ﺑﺎﻟﻨّﺴﺒﺔ ﻟهذه الصّرﺍﻋﺎﺕ ﻓﺈﻥّ ﺍﻟﻜﺴﺐ ﺍﻟّﺬﻱ ﻳﺤﻘﻘﻪ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ، ﻳﻤﺜّﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﺧﺴﺎﺭﺓ ﻟﻠﻄّﺮﻑ ﺍﻵﺧﺮ. ﻭﻟﻮ ﺍﻓﺘﺮﺿﻨﺎ ﺃﻥّ ﻃﺮﻓاً ﻣﺎ ﺣﻘﻖ ﺇﻧﺘﺼﺎﺭﺍً ﺛﻢّ ﻣُﻨّﻲ ﺑﻬﺰﻳﻤﺔ ﺃﻭ ﺑﺨﺴﺎﺭﺓ، ﻓﺈﻥّ ﺍﻟﺤﺼﻴﻠﺔ ﺍﻟﻨّﻬﺎﺋﻴﺔ ﺗﻜﻮﻥ ﺻﻔﺮًﺍ ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﻬﺎ.
• ﺃﻣّﺎ ﺑﺎﻟﻨّﺴﺒﺔ ﻟﻠﺼّﺮﺍﻋﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺘّﻨﺎﻓﺴﻴﺔ (الغير صفرية)، ﻓإﻥّ ﻣﺼﺎﻟﺢ ﺃﻃﺮﺍﻓﻬﺎ ﻻ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﺘﻌﺎﺭﺿﺔ ﺑﺎﻟﺼّﻮﺭﺓ ﺍﻟﺴّﺎﺑﻘﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ، ﻭﺇﻧّﻤﺎ ﺗﺘﺪﺍﺧﻞ إﻟﻰ ﺣﺪّ يسمح ﺑﺎﻟﻤﺴﺎﻭﻣﺔ ﻭﺗﻘﺪﻳﻢ ﺍﻟﺘّﻨﺎﺯﻻﺕ ﺍﻟﻤﺘﺒﺎﺩﻟﺔ ﻟﻠﻮﺻﻮﻝ ﺍﻟﻰ ﻧﻘﻄﺔ ﺇﺗّﻔﺎﻕ، ﻣﻤﺎ ﻳﺪﻓﻊ ﺃﻃﺮﺍﻑ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻮﺍﻗﻒ ﺇﻟﻰ ﺗﺒﻨّﻲ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﺘّﻌﺎﻭﻥ بحيث تتوزّع نتائج المباراة بين الطّرفين.
وهناك من يضيف نوع ثالث لنتيجة المباراة وهي الكارثية، وفيها يتخاصم الطرفان بهدف تدمير الآخر وبالتالي يخسران كلاهما، كما هو الحال في الحروب النووية المدمرة.
ولكي تقوم هذه النظرية هناك شروط لابدّ من توافرها وهي، وجود لاعبين (طرفين) أو أكثر، ولكل منهما أهدافه وإمكانياته. وأيضا امتلاك كل لاعب استراتيجية خاصة في مواجهة استراتيجية خصمه. وهذا ضمن البيئة التي تتم فيها المباراة وبالتالي النتيجة النهائية. وعندما تتوفّر هذه الشّروط يصبح كل من الطّرفان على جاهزيّة لبدء المباراة.
وهناك عناصر لابد من تفاعلها سويّة لتشكّل المنهج الذي يخطوه كل طرف وهي بمثابة أسس هذه النظرية والتي تقوم على خمس عناصر أساسية وهي:
-الخيارات: تفترض هذه النظرية أنّ كلّ لاعب أو طرف، لديه مجموعة من البدائل يختار أحدها بصفة عقلانية، أي الخيار الّذي يتوقّع أن تكون نتائجه عالية الرّبح ومنخفضة الأضرار أو التّكاليف.
-الأهداف: هذا الأساس مرتبط بسابقه، حيث أنّ اختيار البديل قائم على طبيعة الأهداف الّتي يحددها اللاعب مسبقاً ويعمل على الوصول إليها، فالأهداف هي الّتي توجّه اللاعب نحو خيارٍ معين.
-العقلانية: على اعتبار أنّ كلّ لاعب يسلك الخيار الّذي يمكّنه من السّيطرة أو البقاء على قيد الحياة، فسلوك اللاعب ليس استجابة انفعاليّة بقدر ماهو تصرّف قائم على حساب الخسائر والأرباح لكلّ البدائل المطروحة أمامه وترجيح كفّة الخيار الّذي علت كفّة أرباحه على كفة أضراره.
-المنفعة: ترتبط عقلانية وأهداف اللاعب، بما يحاول أن يجنيه من هذه العملية فتُعتبر المنفعة هي المنطلق وهي الغاية من هذا الصراع.
-المعلومات: إنّ المظهر الحاسم لخصوصيّة المباراة هو توفير المعلومات، والتي تجعل اللاعبين يختارون استراتيجيتهم بدقة، فبمجرد توفرها يستطيع اللاعب أن يحدد موقفه من خصمه ومن سير المباراة.
إنّ اللجوء إلى نظريّة اللعبة في العلاقات بين الدّول تجنّب الدّول صراعات الحروب، وغالباً ما يلجأ صنّاع السّياسة إلى نظريّة الصّفر لأنّها أكثر فاعليّة في تجنّب الحروب ،ومع القليل من الحذق السّياسيّ والمهارة في اللعب يمكن تحويل هذا الموقف إلى جانب اللاصفر. إن استخدامها في العملية السياسية سوف تمكن السلطة من اتخاذ قراراتها بطريقة أكثر منطقية لأنها ستتمكن من تبسيط سياستها وتجعلها مهيمنة على الجميع، أي تصدر سياستها دون إعطاء أي اعتبار للمطالب العامة وهنا تكون نتائج صفرية. وكذلك تتساوم مع بعض القوى لتحقيق أهداف مشتركة على حساب أهداف قوى أخرى.
ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮّﻏﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻨّﺠﺎﺡ ﺍﻟّﺬﻱ ﺣﻘﻘﺘﻪ هذه ﺍﻟﻨّﻈﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻝ ﺩﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﺤﺮﺏ، ﻓﺈﻥّ ﻫﻨﺎﻙ ﺗﺤﻔﻈﺎً ﺑﺸﺄﻥ ﻗﺎﺑﻠﻴّﺔ ﺗﻄﺒﻴﻘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﺸّﺆﻭﻥ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴّﺔ، ﻓﻤﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﺎﺯﺍﻟﺖ هناك ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﻜﻤّﻴّﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺇﻋﻄﺎﺅﻫﺎ ﺭﻣﻮﺯاً ﺣﺴﺎﺑﻴّﺔ، ﻛﺎﻟﻤﻌﻨﻮﻳّﺎﺕ ﺍﻟﺴّﻴﺎﺳﻴّﺔ ﻷﻣّﺔ ﻣﺤﺎﺭﺑﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ أو الأيديولوجيا. وهذا ما تعرضت له من نقد فيما بعد خصوصا بعدما جرى من تعقيد وتشابك في العلاقات بين الدول.
المصادر:
د.اسماعيل صبري مقلد، العلاقات السياسية الدولية، منشورات ذات السلاسل،الكويت، 1987
د.علي عودة العقابي، العلاقات الدولية- دراسة في الأصول والنشأة والتاريخ والنظريات، 2010
مصدر الصورة: