الفنون البصرية > فن وتراث
السجّاد التبريزي.. فن وتاريخ وحضارة
مدينة تبريز واحدة من أكبر المدن الفارسيّة، تقع شمال غرب إيران بالقرب من الحدود التركيّة على بعد 600 كم عن العاصمة طهران، موقعها المميّز جعلها تصبح مركزاً اقتصاديّاً هامّاً لكثير من الصناعات وخاصة صناعة السجّاد التي تعود إلى ما قبل مئات وربّما آلاف السنين، فقد بدأ إنتاج السجّاد فيها منذ عهد الدولة الصفويّة (1501 - 1722 م)، حتّى أن بعض الروايات التاريخيّة تُرجِع بدايات السجّاد التبريزي إلى عهد الساسانييّن (224 - 651 م)
يتميّز السجّاد التبريزي بجودته العالية ودقة صنعته، وما جعله يحتل ّهذه المكانة الفريدة بين أنواع السجّاد الأخرى أنه تاريخيّاً كان يُنسج يدويّاً ويُصبغ بألوان طبيعيّة ممّا يُظهر المهارات الفنيّة التي كان ينقلها كلُّ نسّاجٍ من جيل إلى آخر
أكثر أنواع الخيوط المستخدمة في حياكته، القطن الناعم، وفي بعض الأحيان الحرير، أو خليط منهما معاً، ويمكن في طلبات خاصة إدخال خيوط ذهبيّة في بنية السجّادة، وتُنسج الزغابات التي تعطي السجّادة ملمسها الناعم والكثيف من الصوف والحرير
أمّا ألوانه فتتدرّج من الأحمر الداكن إلى الأزرق البحري، مع إدخالات من الأخضر والبني المصفر، حيث تكون السجّادة الواحدة متعدّدة الألوان وغالباً ما تكون نقوشها معقدّة وبتفاصيل صغيرة ومتداخلة
عادة يكون التصميم العام للسجّادة على شكل مقرنصات زخرفيّة كبيرة في الوسط محاطة بزخارف إسلاميّة أو زخارف فارسيّة من الحقبة الصفويّة أو مزيج بينهما، ويمكن أن تكون الزخارف نباتيّة أو هندسيّة أكثر تبسيطاً، وهناك تصاميم أخرى بعيدة عن الزخارف وأقرب للوحات الفنيّة مثل رسوم الفصول الأربعة التي توضّح الحالات التي يمر بها الفلّاح خلال السنة، أو نماذج للآثار الفارسيّة، ويمكن أن تزيّن الزوايا الأربعة للسجّادة برسوم لشعراء فارس الأربعة الكبار: سعدي الشيرازي وعمر الخيّام وحافظ الشيرازي وأبو القاسم الفردوسي، لكنّها أقل شيوعاً وغالباً ما تكون خاصة بفئات معيّنة أو تميّز عوائل محدّدة
تُحدّد نوعية السجّاد وجودته تبعاً لعدد عقد النسيج المحبوكة في الإنش المربّع الواحد "knots per square inch (KPSI)"، يتراوح عدد هذه العقد عادة ما بين 120 إلى 850 KPSI، ويمكن أن تصل كحد أقصى إلى 1000 عقدة
مع مرور الزمن تعدّدت أنواع السجّاد التبريزي وأشكاله وأحجامه، وأصبح يُنسج آليّاً وبألوان صناعيّة، لكنّه كان وما يزال يتمتّع بأهميّة خاصة تتعدّى كونه مجرّد قطعة أثاث فاخرة، فهو يحمل بين خيوطه أبعاداً تاريخيّة وثقافيّة تحكي قصّة شعب جعلته يأخذ مكاناً بين القطع الأثريّة في كثير من المتاحف العالميّة.
المصادر: