الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد
لهذه الأسباب لا تستخدم هذه الدول الأوروبية اليورو
واحدة من ميزات الاتحاد الأوروبي أنه مهد لتشكيل نظام مالي متعدد الدول تحت عملة واحدة .. اليورو.
و بالرغم من أن غالبية الدول الأوروبية وافقت على تبني اليورو، الا أنّ هنالك قلة من الدول كالمملكة المتحدة و الدنمارك و السويد قررت أن الإبقاء على عملاتها الموروثة. في هذا المقال سنناقش الإيجابيات و السلبيات التي انعكست على الاقتصادات الأوروبية نتيجة جعل اليورو عملتها الرسمية.
حالياً، يضم الاتحاد الأوروبي 28 دولة و من بينها 9 دول خارج منطقة اليورو. المملكة المتحدة و الدنمارك معفاتان قانونياً من واجب تبني اليورو[*] بينما يتوجب على البقية الدخول إلى منطقة اليورو بعد تحقيقها لمعايير معينة.
و الجدير بالذكر أن الدول تمتلك الحق بتأجيل تحقيق هذه المعايير و بالتالي تأجيل تبنيها لعملة اليورو.
و هذه المعايير هي :
1 – أن لا يتجاوز العجز الحكومي 3% من الناتج المحلي الإجمالي، و في حال كونه أكثر من هذه النسبة يجب تخفيضه بشكل مستمر ليصل إلى مستوى قريب من 3%.
2 – المديونية الحكومية الإجمالية يجب ألا تتجاوز 60% من الناتج المحلي الإجمالي، و إن لم يكن هذا محققاً يجب أن تخفض هذه النسبة بشكل واضح و تتحرك باتجاه الاقتراب من 60%.
3 – يتوجب على الدولة العضو أن تكون محققة لثبات أسعار الصرف لمدة سنتين على الأقل بالاستناد إلى آلية سعر الصرف الأوروبية و التي تحدد مستويات التدفقات النقدية المسموحة.
4 – معدلات الفائدة طويلة الأمد الاسمية للدول الطالبة التقدم للاتحاد الأوروبي يجب أن لا تتجاوز متوسط معدلات فائدة أفضل ثلاث دول في الاتحاد بدرجتين مئويتين من حيث ثبات معدلات الفائدة.
5 – ثبات معدل التضخم في أسعار المستهلك بحيث لا تزيد على 1.5% من معدلات أفضل ثلاث دول أعضاء.
و في حال انضمام الدولة إلى منطقة اليورو، يصبح المصرف المركزي الأوروبي هو المسيطر على أدوات السياسة النقدية و هدفه الرئيسي الحفاظ على استقرار الأسعار و تتضمن وظائفة الرئيسية :
1- الحفاظ على استقرار الأسعار مثله مثل البنوك المركزية الأخرى، و هو يعد الهدف الرئيس و الأول للمصرف طبقاً لمعاهدة ماستريخت.
2- إصدار اليورو – العملة الأوروبية الموحدة – سواءً الأوراق النقدية أو العملة المعدنية.
3- تحديد معدلات الفائدة قصيرة الأجل في دول منطقة اليورو.
4- تشجيع الأسلوب الهادئ و البسيط في إدارة نظم الدفع.
لكن الدول الأوروبية تمتاز بالتنوع من حيث : الثقافة، المناخ، التعداد السكاني و الاقتصاد. بالتالي تختلف احتياجاتها الاقتصادية و تحدياتها تبعاً لهذا التنوع. العملة المشتركة تفرض نظام سياسة مالية مركزية مطبقة بشكل موحد. فما يكون جيداً لاقتصاد احدى الدول في منطقة اليورو قد يكون كارثياً لأخرى.
معظم الدول التي تجنبت الخوض في منطقة اليورو اتخذت هذا القرار لتحافظ على استقلاليتها الاقتصادية. إليكم بعضاً من الأسباب التي تبرر عدم استخدام العديد من دول الاتحاد الأوروبي لليورو :
• الاستقلالية في رسم السياسات المالية : بما أن البنك المركزي الأوروبي (European Central Bank) ECB هو من يضع السياسات المالية و الاقتصادية لكافة دول منطقة اليورو، ليس هنالك استقلالية لدولة فردية في صياغة سياسة تلائم ظروفها و أوضاعها. المملكة المتحدة، و التي هي دولة لا تستخدم اليورو تمكنت من التعافي من أزمة 2007-2008 المالية عبر تخفيض معدلات الفوائد على المنازل بسرعة في أكتوبر عام 2008 و البدء بتطبيق برنامج التخفيف الكمي في مارس عام 2009. و على النقيض، انتظر البنك المركزي الأوروبي لحين عام 2015 ليبدء ببرنامج التخفيف الكمي الخاص به (خلق المال لشراء السندات الحكومية بهدف تحفيز الاقتصاد).
• الاستقلالية في التعامل مع التحديات التي تخص الدولة : لكل اقتصاد التحديات الخاصة به. على سبيل المثال، اليونان لديها حساسية عالية للتغيرات في معدلات الفوائد بما أن غالبية قروضها ممنوحة على أساس معدلات فائدة متغيرة بدلاً من أن تكون ثابتة.
لكن بسبب كون اليونان مقيدة بأحكام البنك المركزي الأوروبي، لا تمتلك اليونان الاستقلالية في ضبط معدلات الفوائد بما يعود بالفائدة على شعبها و اقتصادها. و في الوقت ذاته الاقتصاد البريطاني أيضاً حساس للغاية تجاه تغيرات معدلات الفائدة. لكن بسبب أنها ليست دولة في منطقة اليورو، استطاعت المملكة الإبقاء على معدلات الفائدة منخفضة لديها عبر مصرفها المركزي، مصرف إنكلترا.
• استقلال المُقرِض الأخير : اقتصاد الدول يمتاز بالحساسية بشكل عالٍ تجاه عوائد سندات الخزينة. و مرة أخرى، لدى الدول خارج منطقة اليورو الأفضلية هنا. فمصارفها المركزية المستقلة تستطيع التصرف على أنها المُقرِض الأخير لديون الدولة. في حال ارتفاع عوائد السندات، تستطيع هذه المصارف المركزية شراء السندات لتزيد من السيولة في الأسواق. دول منطقة اليورو مصرفها المركزي هو المصرف المركزي الأوروبي ECB. لكن الـ ECB لا يشتري سندات دولة عضو في مثل هذه الحالات. و النتيجة أن دولاً مثل إيطاليا واجهت تحديات كبيرة نتيجة لزيادة عوائد سنداتها.
• الاستقلالية في معايير التحكم بالتضخم : عندما يبدأ أحد الاقتصادات بالتضخم، واحدة من الاستجابات الفعّالة هي زيادة معدلات الفوائد. الدول التي لم تتبنى اليورو بإمكانها فعل هذا عبر سياسة مالية يضعها منظميها المستقلين. بينما لا تمتلك دول منطقة اليورو هذا الخيار دوماً. مثلاً، بعد الأزمة الاقتصادية قام البنك المركزي الأوروبي برفع معدلات الفوائد خوفاً من التضخم المرتفع في ألمانيا. هذه الحركة ساعدت ألمانيا، و لكنها جعلت بقية دول منطقة اليورو مثل إيطاليا و البرتغال تعاني تحت وطأة معدلات الفائدة المرتفعة.
• الاستقلالية في تخفيض قيمة العملة : بإمكان الدول مواجهة التحديات الاقتصادية كالتضخم المرتفع، ارتفاع الأجور، انخفاض الصادرات أو انخفاض الإنتاج الصناعي بفضل الدورات الاقتصادية. مثل هذه الحالات يمكن التعامل معها بفعّالية عبر التخفيض من قيمة عملة الدولة، هذا التخفيض يجعل الصادرات أرخص و أكثر تنافسية و يشجع الاستثمارات الأجنبية. بإمكان الدول الأوروبية خارج منطقة اليورو تخفيض قيمة عملاتها عند الحاجة، لكن نظيراتها لا تستطيع التغيير من قيمة اليورو بشكل مستقل، لأن هذا سيؤثر على الدول الـ 19 الأخرى و يتحكم به المصرف المركزي الأوروبي.
ختاماً :
ازدهرت دول منطقة اليورو في البداية تحت مظلة اليورو. فهذه العملة المشتركة جلبت معها نهاية تقلب أسعار الصرف (و التكاليف المرتبطة بها)، و سهولة في الوصول إلى سوق أوروبية ضخمة موحدة مالياً، و شفافية سعرية،وإنما يعتقد البعض أن الأزمة 2007-2008 أثبتت أن لليورو نقاط ضعف، فمركزية المصرف الأوروبي جعلت (اليونان، اسبانيا، إيطاليا و البرتغال) تعاني من مشاكل هيكلية في الاقتصاد نتيجة افتقادها لبعض الأدوات المالية و النقدية. هذه الدول لم تستطع وضع سياسات مالية تجعل اقتصاداتها تتعافى بأفضل شكل ممكن. و يمكن القول أن مستقبل اليورو سيعتمد على كيفية تطور سياسات الاتحاد الأوروبي في مواجهة التحديات المالية الفردية لبعض الدول تحت سياسة مالية واحدة.
[*] حصلت الدنمارك و المملكة المتحدة على الحق في عدم دخول منطقة اليورو بالتفاوض، و بإمكان هاتين الدولتين الدخول في حال رغبتا في ذلك.
المصادر : هنا
هنا_