نقل معبد أبي سمبل وإنقاذه من الضياع للأبد تحت مياه النيل

بعد أن قررت الحكومة المصرية في ستينات القرن الماضي إنشاء السد العالي، تهَدَّد معبد أبي سمبل بالانغمار تحت مياه بحيرة السد، فتضافرت الجهود المصرية والدولية لإنقاذ المعبد في واحدة من أكبر عمليات الإنقاذ في العصر الحديث.

الموقع عبارة عن معبدين؛ الأول معبد رمسيس الثاني أو المعبد الكبير والثاني معبد زوجته نفرتاري أو المعبد الصغير، أُنشئ في عهد الفرعون رمسيس الثاني في القرن الثاني عشر قبل الميلاد وكلاهما محفور في الصخر.

بُني المعبد في منطقة النوبة في غار، كان يستخدم لعبادة آلهة محلية فجاء هذا المعبد ليؤكد تبعية النوبة لسلطة الفرعون رمسيس الثاني، تتوضع على واجهة المعبد الكبير أربعة تماثيل ضخمة

محفورة بالصخر وتمثّل رمسيس الثاني جالساً ويتوزّع بينها تماثيل واقفة أصغر حجماً لباقي أفراد العائلة، ويغطي جميع السطوح نحت غائر يمثّل حروب رمسيس الثاني وأحداثاً هامةً في تاريخ مصر القديمة.

المعبد يواجه جهة الشرق بشكل يسمح لأشعة الشمس أن تصل في يومين من السنة؛ 22 شباط و22 تشرين الأول، إلى أعمق نقطة في المعبد وهي الحجرة المقدّسة الّتي تحوي تمثال لرمسيس الثاني جالساً بجانب ثلاث من الآلهة. أما المعبد الصغير فتتقدّم واجهته ستة تماثيل واقفة للملك ولزوجته نفرتاري، ويرمز ذلك إلى أنَّ الملك والملكة هما الحاميان لحدود المملكة.

قررت الحكومة المصرية بناء السد العالي قرب أسوان في الستينات من القرن الماضي للحد من تأثير الفيضان المتكرر لنهر النيل والذي كان يسبّب تأرجحاً كبيراً بالإنتاج الزراعي فتقرّر نقل هذين المعبدين من موقعهما إلى منطقة تبعد 208م باتجاه الشمال الغربي وترتفع 65م عن الموقع الأصلي مما يحميهما من الغمر بمياه بحيرة السد عند ارتفاع منسوبها، وتم نقل المعبدين بانزياح متساوٍ فحافظا على العلاقة بينهما وعلى توجيههما الأصلي، تم تجزئة المعبدين إلى 1036 كتلة حجرية يتراوح وزنها ما بين 3 إلى حتى 20 طناً. تم نقل هذه الكتل وإعادة تركيبها في الموقع الجديد، ودُرِست عملية القطع بحيث تجنُّبت قطع الأسطح المزخرفة أو وجوه التماثيل وبسماكة قطع لا تتجاوز 8 ملم أُنجِز معظمه بواسطة أدوات نشر يدوية.

مع بداية العمل بمشروع النّقل عام 1964 كان منسوب مياه النيل قد بدأ بالارتفاع فعلاً نتيجة السّد العالي حيث ارتفع المنسوب 8 أمتار خلال ذلك العام و5 أمتار في العام الذي تلاه فكان من الضروري حجز المياه ومنعها من الوصول إلى المعبدين فتمّ بناء سد مؤقت لحمايتهما حتى انتهاء عملية النقل.

يتميّز هذا المشروع بالحفاظ على المادة الأصلية للمعبد مع تفاصيله المختلفة إذ لم يحدث ضياع أو تخريب إلا في الأماكن التي نُشرت فيها الكتل الحجرية. ولكن عملية النقل هذه تطلّبت تغييراً في الجملة الإنشائية، فالمعابد في موقعها الأصلي كانت منحوتة بالصخر بشكل كامل، لكن بعد أن تمّت تجزئتها إلى عدد كبير من الكتل تم الاستعانة بقبة من البيتون المسلح مجازها 60 م وبارتفاع 25 م. تمّ تعليق بعض الأجزاء بها من الأعلى وحُمِّلت عليها التلة المصطنعة التي تعلو المعبد. وتمّت مراعاة الاشتراطات الأثرية المتعلّقة باستخدام المواد الحديثة في المواقع الأثرية حيث تمّ تدعيم هذه القبة بما يضمن ديمومتها وإخفاؤها من الخارج تحت ردم من الحجارة والصخور من الموقع فشكّلت تلّة مصطنعة وحافظت واجهة المعبد على هيئتها الأصلية.

استغرق نقل المعبد وإعادة تركيبه مدة 4سنوات وكلّف 40 مليون دولار، توزّع التمويل بين الحكومة المصرية واليونيسكو وعدد من الدول الأخرى ويعتبر المشروع إنجازاً تقنياً مميزاً بالنسبة لذلك الوقت. حيث تم ضم المعبد إلى لائحة التراث العالمي التابعة لليونسكو رغم نقل موقعه.

اليوم وبعد أكثر من أربعين عام على هذا المشروع الذي أنقذ واحد من أهم المواقع الأثرية الحضارية وأكثرها تميُّزاً بالنسبة لمصر وللعالم أجمع وحافظ عليه من الضّياع للأبد، أضاف المشروع إضافةً كبيرةً للأخصائيين العاملين في مجال الحفظ الأثري. لكن لم يخلُ المشهد حينها من سماع بعض الأصوات المعارضة لصرف مبلغ ضخم كهذا فقط من أجل نقل بعض الأحجار وأنّه كان من الأولى توظيف هذه الأموال لإطعام الفقراء.

1- الموقع الأصلي والموقع الجديد للمعبد، ابتداءاً من عام 1964 بدأ منسوب المياه بالارتفاع تدريجياً كل سنة حيث تمّت حماية المعابد خلف سد مؤقت حتى انتهاء عملية النقل.

2- رسم يوضّح واجهة المعبد الكبير وعليها مخطط قطع الحجارة حيث دُرست كل قطعة بالتفاصيل الدقيقة قبل بداية القطع.

3- مقطع شاقولي يوضّح المعبد الكبير في موقعه الجديد حيث تظهر الواجهة والقبة البيتونية الّتي تحمي المعبد وتحمل التلة المصطنعة فوقها.

4- الفرعون يستعيد وجهه.

شاركونا بآرائكم، تُرى لأيّ درجة تمكّن هذا المشروع من الحفاظ على واحدة من أبرز الأيقونات التُراثية والمعمارية في تاريخ البشرية، وهل تعتقدون أنّ هذا المبلغ الكبير وُضِعَ في مكانه الصحيح؟

المصادر:

هنا

هنا

هنا