التاريخ وعلم الآثار > الحضارة السورية
المثيولوجيا الكلاسيكية السورية، بين التأثير الفارسي والروماني ... الميثولوجيا الرومانية
مفهوم الآلهة عند الرومان
كان الرومان الأولون وثنيين كغيرهم من الشعوب القديمة، وعبدوا قوى الطبيعة وتصوروا أن لكل مظهر من مظاهرها إلهًا يدبر أمورها ثم تطورت بفعل احتكاكهم باليونان والفينيقيين والأيونيين. وصاروا يعتقدون بوجود آلهة تشبه البشر بشكلها وبصفاتها وبعواطفها. وأخذوا مفاهيم اليونانيين حول الألوهية واستوردوا آلهتهم وسموها بأسماء رومانية، ولم تكن أشكال الآلهة الرومانية لتختلف عن الأشكال البشرية وكذلك طبائعهم. فآلهتهم تحب كما يحب البشر وتكره وتغضب وتنتقم.
وعلاقة الآلهة، لا تخضع لهواجس تقلق بالهم كالخوف من المستقبل والخوف من السقوط إلى هوة العدم أو الموت، فالآلهة خالدة وتتمتع بشباب دائم، وجمالها لا يخفت، وقدرتها لا تضمحل، وعواطفها لا تنضب.
دور الأسرة
كانت الأسرة الرومانية هي المركز الذي يلتف حوله الدين والأخلاق والنظام الاقتصادي وكيان الدولة بأجمعها كما كانت هي المنبع الذي تستمد منه هذه المقومات كلها. وعندما انضمت العائلات بعضها إلى بعض لتكون مجتمعًا؛ كانت الطقوس والعادة العائلية هي أساس عبادة الدولة، وقد كان الملك في بادئ الأمر هو الكاهن. وعندما لم يعد هناك ملوك استمر لقب "صاحب الشؤون المقدسة" بعدهم في البقاء.
وكان هناك طوائف من الكهنة يساعدون الملك وهم قوم عاديون ليسوا طبقة خاصة بل كانوا زملاء يشتركون في تنظيم العبادة والاحتفالات، وكانت الدولة تحتفظ بسجلات الأعياد والحوادث البارزة التي لها أهمية دينية وقد قامت تدريجيا بوضع قانون مقدس.
المعتقدات
اعتقد الرومان في الحسد والمعجزات والخرافات، ولقد كانت التمائم شائعة الاستعمال سواء علقها الأشخاص على أبواب منازلهم أو علي صدورهم لترد الأرواح الخبيثة. وكانت التعاويذ السحرية تستخدم لمنع الأخطار وللشفاء من الأمراض وإنزال المطر من السماء وإهلاك جيوش الأعداء.
تشبيه الرومانيين للآلهة بالبشر
يعتبر تشبيه الرومانيين لآلهتهم بالبشر في الواقع تقديراً كبيراً لقيمة الإله من جهة وتأليه لصفات البشر بالصورة الإنسانية من جهة ثانية. فالآلهة عندهم ارتقت من مجرد مسوخ حيوانية فيها سمات بشرية إلى بشر يتمتعون بأرقى وأقوى ما في الإنسان من سمات؛ فهم يتمتعون بقوة بدنية لا تضاهى، وركزوا علي قدرات الآلهة الجنسية التي ظهرت في تصوير ألهتهم يكثرون من الزواج ويؤثرون تعدد الزوجات أو الأزواج، ويقومون بمغامرات عاطفية لا تعد ولا تحصى. وفي مقابل انسياق بعض آلهتم في تحقيق رغباتهم الجنسية، نرى الإلهة أثينا إلهة الحكمة تؤثر العفة وتحافظ علي بكارتها إلى الأبد.
ثم أن البشر والآلهة كلاهما أبناء آلهة الأرض "جايا" وأبناء الإله الزعيم "زيوس" أو جوبيتر. إلا أن المشابهة بين الآلهة والبشر ليست مطلقة.
وكانت فكرة الرومان البدائيين عن معبوداتهم فكرة غامضة إلى حد أنهم كانوا يعجزون عن أن يتصوروا أشكالها أو إن كانت من الذكور أو الإناث في كل حالة. وهذا يفسر لماذا استمر الرومان مدة طويلة يعبدون آلهتهم دون أن يقيموا لها تماثيل أو معابد، وذلك برغم اعتقادهم أنه كان لكل إله ملجأ معين يجب أن يُعْبَد فيه. وكانت مظاهر العبادة لا تخرج عن الضراعة وسكب قدر من اللبن عادة أو من النبيذ نادراً وفقاً لأصول تطورت مع الزمن لتنظيم إقامة هذه الشعائر وضماناً لكسب رضا الآلهة. وإذا استجاب المعبود إلى الضراعة كان لابد من تقديم قربان علي هيئة كعكة أو أضحية. وإذا لم يستجب كان لابد من الاستمرار في إقامة الشعائر مع الحرص على حسن أدائها
مفهوم الأرواح عند الرومان
اعتقد الرومان أن كل شيء في الطبيعة تسكنه الأرواح التي تفسر وجود هذا العدد الكبير من الآلهة في البانثيون الروماني.
وتظهر المشيئة الإلهية عن طريق الظواهر الطبيعية التي يبحث الشخص الروماني التقيّ عن تفسير لها. وهذا يعلل الاهتمام الكبير المقدم للفؤول والنذر في كل مظهر من مظاهر الحياة اليومية الرومانية.
أبرز الآلهة
أبرز الآلهة التي عبدها الرومان الأوائل:
تلوس ماتر (بالإنكليزية: tellus mater) أي الإلهة الأم إلهة الأرض، وكيريس (بالإنكليزية: cers) إلهة القمح، ونيرفاكتور (بالإنكليزية: vervactor)، وريغاريتور (بالإنكليزية: regarator)، وأوكيتور (بالإنكليزية: occator) ،وسريتور (بالإنكليزية: sarritor)، وغيرها من الآلهة الصغيرة التي نُحتت اسماؤها من العمليات الزراعية كحرث الأرض، وبذر البذور، تسميد الأرض، وتمهيد التربة، وجني المحصول وتخزينه.
ولم يكن عند الرومان قوىً روحية خارج نطاق العمليات الزراعية والتي تعتبر وظائف خاصة محددة لمواسم أو أوقات معينة. وجعل الرومان الأوائل آلهة ترعى أمور الولادة وتنشئة الوليد منها كونينال (بالإنكليزية: cunina) التي تهز المهد، وماجيتانوس (بالإنكليزية: vagitanus) التي تسحب الرخات الأولى للوليد، ورومينا (بالإنكليزية: Rumina) إلهة الرضاعة، وفابوينوس (بالإنكليزية: fabuinus) التي تعلمه الكلام، وستاتولينوس (بالإنكليزية: statulinus) التي تعاونه في محاولاته الأولى للوقوف. وهناك أيضا ً لاريس (بالإنكليزية: lares) التي ترعى الأسر وتحرس الحقول، وجونو (أو يونو) (بالإنكليزية: Iuno) التي تحمي الأنوثة والزواج (كانوا يعتقدون أن الزواج في شهر يونيو يكون زواجا ً سعيدا).
آلهة الرومان الكبار
وبدأت تظهر أسماء آلهة كبار بعد زحل (بالإنكليزية: saturnus) إله البذور، ونبتون (بالإنكليزية: Neptune) إله الماء، وكويرنيوس (بالإنكليزية: quirinus) إله القوة الغامضة التي توحدت فيما بعد مع رومولوس (بالإنكليزية: Romulus) المؤسس الأسطوري لروما.
وفي المرحلة اللاحقة من تاريخ ديانتهم أقاموا هياكلَ ومعابدَ عظيمةً على تل الكابتول (بالإنكليزية: capitoline)، وهو أعلى تلال روما السبعة، كمعبد جوبيتر (أو زفس بالإغريقي) كأفضل وأعظم إله، وجعلوه يسيطر على مجمع آلهة الكابتول على النحو الذي كان يسيطر فيه زفس علي مجمع آلهة جبل أوليمبوس.
الآلهة الاثني عشرة الكبار
كرم الرومان بصفة خاصة اثني عشر إلها سميت بال dii consentes. وهم ستة من الذكور وستة من الإناث. وهؤلاء الآلهة هم:
- جوبيتر وهو ملك متوج على الآلهة الرومانية. وكانت له ألقاب كثيرة مثل إله الشمس وضوء القمر وإله الرياح والمطر والعواصف والرعد والبرق. وصور غالبا ً كرجل عجوز ملتح ربما ليبين أنه كان حكيما. وكان حيوانه المفضل هو النسر.
- جونو وهي ملكة الآلهة وزوجة جوبيتر. وكانت إلهة السماء والقمر. رمزت إلى الصفات الوقورة المطلوبة للنساء الرومانيات، وكانت حامية للنساء أثناء المخاض وأثناء إعدادهن للزواج.
- مينرفا وهي ابنة جوبيتر وجونو واعتبرت الإلهة العذراء المختصة بالمحاربين والشعر والطب والحكمة والتجارة والحرف.
- فستا وهي واحدة من أكثر الإلهات شعبية وغموضاً في البانثيون الروماني. وهي إلهة الموقد. يقع معبدها فوق تل البلاتين حيث كانت تشتعل النار المقدسة وتعمل عذارى فستا على أن تبقي هذه النار مشتعلة على الدوام.
- كيريس وهي ابنة ساتورن وريا وزوجة وأخت جوبيتر وأم بروسربينا وهي إلهة الزراعة.
- ديانا وهي أم الحيوانات المتوحشة والغابات وإلهة القمر. وقد كانت أشجار البلوط مقدسة لها علي نحو خاص. وقد اشتهرت بقوتها وجمالها ومهارتها في الصيد.
- فينس وهي إلهة الحب والرغبة الجنسية الرومانية ولكونها إلهة للحب فقد كانت ملكة للملذات والمتعة وأُماً للشعب الروماني.
- مارس كان في البداية إلها مختصا بالزراعة لكنة اختص بعد ذلك بالحرب. وكان زوجا لريا سيلفيا ووالد رومولوس وريموس باني مدينة روما ولهذا كان يعتبر والدا للشعب الروماني.
- ميركوريوس الذي كان إلها رومانيا مختصا بالتجارة ولذا فقد ابتهل التجار إليه. وهو ابن جوبيتر ومايا. وكان أيضا رسولا للآلهة.
- نبتون كان إلها مختصا بالماء، لذا كان إله البحر، وكان يسيطر على العواصف والزلازل وقد كان ابنا لساتورن وأخا لجوبيتر وبلوتو وامتلك معابدا في برك فلامينيوس وفيما بعد في ساحة مارتيوس.
- فولكانوس هو ابن جوبيتر وجونو وزوج مايا وفينوس. وقد كان إلها للنار والبراكين وصانع أسلحة الآلهة والأبطال.
- أبوللو وهو ابن جوبيتر ولاتونا وأخو ديانا، وكان إلها للموسيقى يعزف على قيثارة ذهبية ورامي سهام يطلق السهم بعيدا ً من قوسه الخفي وإلها للشفاء علم الناس الطب وإلها للضوء.وكان إلها للحقيقة لا يقول إلا صدقا.
- بلوتو الذي كان مختصا ً بالعالم السفلي. بسبب كآبته رفضت كل الإلهات التزوج به فقام باختطاف برسيفوني ابنة ديميترا وتزوج بها.
- ساتورن والد جوبيتر وملكا على الآلهة والسماء قبل أن يقرر جوبيتر وأخواه نبتونوس وبلوتو محاربته وإقصاءه عن العرش.
المصادر:
السواح ، فراس (2003) موسوعة تاريخ الأديان. دمشق: دار علاء الدين للنشر و التوزيع و الترجمة. مج(2)
العريبي، محمد (1995) الديانات الوضعية المنقرضة. بيروت: دار الفكر اللبناني.
نصحي، ابراهيم (1998) تاريخ الرومان منذ أقدم العصور وحتى عام 133. القاهرة : مكتبة الانجلوالمصرية.
عبد الكريم ،مأمون (2009) آثار بلاد الشام في العصور الكلاسيكية. دمشق: جامعة دمشق.
عثمان، سهيل . و الأصفر، عبد الرزاق (1982) معجم الأساطير الرومانية و اليونانية. دمشق: وزارة الثقافة
Hans-Peter Schmidt، Mithra (2006) Encyclopedia Iranica . New York: Iranica.com.
ديورانت، ويل (1993) قصة الحضارة. دمشق : دار طلاس للدراسات.