علم النفس > القاعدة المعرفية
متلازمة مونشهاوزن
تعود تسمية متلازمة مونشهاوزن تاريخياً إلى البارون كارل فون مونشهاوزن، الذي كان ضابطاً في الجيش الألماني في القرن الثامن عشر، والذي كان معروفاً برواياته وأكاذيبه الكثيرة، وادّعاءاته الدائمة للمرض.
عرفت هذه المتلازمة لأول مرة في التاريخ الطبي في العام 1950م لتوصيف الأشخاص الذين يسعون لتلقّي العناية والاهتمام من خلال اختراع أعراض (غالباً ما تكون جسدية مثل وجع الصدر أو مشكلات في المعدة) واختلاق أمراض غير مصابين بها، وإعطاء قصص سريرية معقدة وغير منطقية، وحتى إلحاق إصاباتٍ قد تكون خطيرة لهم في بعض الأحيان.
الأسباب:
تصنف ملازمة مونشهاوزن تحت قائمة أمراض الادعاء، لأنها قائمة أساساً على الكذب والادعاء، حيث ينسب الأشخاص الأمراض لأنفسهم.
حتى الأن لم يجد العلماء السبب الحقيقي لهذه المتلازمة، تقترح بعض النظريات أن رغبة المريض بتلقي العناية والاهتمام من الأشخاص المحيطين به، أو الشعور المزدوج بالمحبة والكره تجاه الأطباء. قد تكون تفسيراً محتملاً.
بعض النظريات ترجح أنها مرتبطة بالإساءة والإهمال خلال الطّفولة، أو نتيجة الإصابات السّابقة بأمراض تتطلب العناية ضمن المستشفيات. ويرجح الباحثون ارتباط هذه المتلازمة مع اضطرابات في الشخصية لكونها شائعة لدى المصابين بمتلازمة مونشهاوزن.
وبعض الدراسات أشارت إلى أن المصابين بمتلازمة مونشهاوزن كثيراً ما يكونون ضحايا لمتلازمة مونشهاوزن بالوكالة (أي أن أهاليهم كانوا يلفقون الأمراض لهم)
الأعراض:
مصابو هذا المرض يميلون لإظهار الأعراض والمبالغة فيها، وقد يقومون بتزييف الاختبارات والتحاليل أو العبث بها، مثل خلط عينات البول او عدم الالتزام بالتعليمات المطلوبة قبل إجراء الاختبارات لإظهار نتائج غير صحيحة.
بعض المؤشرات التي قد تدل على المتلازمة:
• تاريخ مرضي درامي وغير منسجم في تفاصيله.
• أعراض غير واضحة ولا يمكن السيطرة عليها، والتي تشتد أو تتغير عند بدء العلاج.
• انتكاسات يمكن التنبؤ بها، تتبع تحسّن الحالة.
• معرفة شاملة بالمستشفيات، و/أو المصطلحات الطبية والأمراض.
• وجود ندبات جراحية عديدة.
• ظهور أعراض جديدة بعد كل نتائج سلبية للاختبارات.
• تكون الأعراض ظاهرة فقط عند وجود الأخرين أو عندما يعلم أنه تحت المراقبة.
• الاستعداد والرغبة الشديدة لإجراء الفحوصات والعمليات أو الإجراءات الأخرى.
• يكون ملف المريض مملوءً بمراجعات المستشفيات والأطباء وفي مدن مختلفة أحياناً.
• معارضة مريض أن يلتقي الطبيب أو يتحدث مع الأهل أو الأقرباء أو الأطباء السابقين المسؤولين عنه.
• مشكلات في الهوية وتقدير الذات.
ما هو مدى شيوع هذه المتلازمة:
لا يوجد إحصائيات يمكن الاعتماد عليها لمعرفة تواتر الحالة في المجتمعات، لكنها بشكل عام تعتبر من الحالات النادرة، ويمكن أن تلعب مخادعة المريض الكبيرة ومراجعته للكثير من المراكز الصحيّة سبباً في عدم إحصاء هذه الحالات.
كما أن المعلومات حول المتلازمة عند الأطفال أو المراهقين محدودة جداً، وبالعودة لبعض الدراسات، كانت نسبة النساء المصابات هي الراجحة، والعمر الرئيسي لظهور الأعراض هو 14 عام، لأن الأطفال دون هذا السن سيملون للاعتراف بتزويرهم للأعراض.
التشخيص:
يعد تشخيص المرض أمراً صعباً وذلك نتيجةً لزياراتهم الكثيرة لأطباء مختلفين، ومراجعاتهم الدوريّة للمستشفيات، لذلك عادةً ما يكون قائماً على اكتشاف ذلك وليس تشخيصه بشكل مباشر، ما يعني أن موظفي المشافي والأطباء المسؤولين عن العناية بهم، يشكون بوجودها قبل تشخيصها، على سبيل المثال، قد يلاحظ أن ارتفاع الحرارة الشديد عند المرضى لا يظهر إلا عندما يتركون دون رعاية.
في بعض توجد ضمن أمتعة المريض، الأدوية التي تحفز ظهور الأعراض، حيث يلجئ لاستعمالها عند مواجهته بالادعاءات، وغالباً ما تكون ردة فعل المريض هي الغضب والخروج من المشفى، ليستطيع الدخول إلى مشفى جديد.
يقوم الأطباء بإرسال المريض إلى طبيب أو معالج نفسي، عندما لا يجدون أي أسباب عضوية للأعراض، أو عندما يكون نمط الأعراض تظهر أنها من تلفيق الشخص عندها. يستعمل المختص طريقة مقابلة خاصة لكشف وجود الاضطراب لديهم، وبعد إجراء الفحوصات اللازمة، يضع الطبيب تشخيصه بناء على جميع المعطيات وعلى ملاحظة سلوك الفرد واستجابته.
العلاج:
بالرغم من رغبة المرضى بتلقي العلاج للأمراض التي يدّعون الإصابة بها، إلا أنّهم يمانعون الحصول على الأدوية الموصوفة للشفاء من هذه المتلازمة، مما يجعل الشفاء أمراً صعب الوصول إليه، وأشبه بالتّحدي أيضاً.
عندما يتم البحث عن العلاج، فإن أول ما يتم وضعه بالحسبان هو التأكد من عدم قدرة المريض على إساءة استخدامه أو أن يكن متوفراً لديه بشكل كبير، وحالما يتم تحقيق هذا الهدف، يتوجه العلاج للعمل على الأسباب النفسية الخفية التي قد تكون سبباً لحدوث المتلازمة، ويكون علاج هذه المتلازمة مبنياً على العلاج النفسي التفاعلي، أي الحديث إلى المعالج، والهدف الرئيسي من ذلك تعديل سلوك وأفكار المريض.
العلاج الأسري له دور كبير في زيادة احتمالية الشفاء، عبر تعديل أسلوب تصرف العائلة أو تعاملهم مع هذا الفرد.
أما دوائياً، لا يوجد علاج خاص بهذه بأمراض الادعاء عامة، لكن استخدام الأدوية المضادة للاكتئاب أو القلق تعطي نتائج إيجابية في الشفاء. وعداة ما يكون استخدامها تحت المراقبة من الأهل أو الطبيب كي لا يساء استخدامها.
أن أحد الأهداف الرئيسية للعلاج، هو منع المريض من إلحاق الأذى بنفسه من خلال تناول مواد تسبب الأمراض أو الخضوع لإجراءات خطيرة على حياته مثل الجراحات. وكثيراً ما يلجأ المرضى في هذه الحالة إلى أطباء أو مراكز لا تعلم أن الأعراض هي من تلفيقهم.
والأطفال الذين يتم اعتبارهم ضحايا لمتلازمة مونشهاوزن بالوكالة (أي أن الأهل يلفقون أعراض المرض لأطفالهم)، يستبعدون مباشرة من البيئة التي يعيشون فيها ويتم وضعهم تحت الحماية حتى يتم معالجة الأهل.
هل الوقاية ممكنة؟
نتيجةً لعدم معرفة سبب الإصابة بهذه المتلازمة، فإن الوقاية أمر صعبٌ للغاية. يرجح بعض الأخصائيين أنَّ الحد من قبول المرضى في المشافي، قد يقلل بالتالي من المرض. لكن بينما تخفف هذه الطريقة من عدد المرضى في المشافي فإنها لا تعالج الأمراض المتخفية تحت غطاء متلازمة مونشهاوزن، وقد تعرض المرضى لأن يؤذوا أنفسهم بشكل خطير من أجل الحصول على العلاج.
مراقبة الأهل للأطفال:
عندما يشك الوالدان باحتمال وجود هذه المتلازمة عند أطفالهم، يجب عليهم طلب المساعدة مباشرةً، والأطفال الذين يعتقد أن حياتهم قد تكون مهددة، يجب وضعهم ضمن مشفى تحت المراقبة، وتكون العناية الكاملة النفسية والدوائية ضرورية لهم. ومن المهم أن نتذكر دائماً العلاج يتطلب منا ألا نقوم بمعاقبة الطفل على سلوكه، بل العمل على تحديد الدوافع والعواطف، الكامنة وراء هذا السلوك.
المصدر :