الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة
التخلص من الفئران لإعادة التوازن البيئي
تحتلُّ الأنواع الغريبة (الغازية لمنطقةٍ ما) المرتبة الثانية بعد الإنسان في تدمير المواطن الطبيعية والتنوع البيولوجي في جميع أنحاء العالم، ويزداد هذا التأثير في الجزر؛ ففي غياب الثدييات المفترسة تعيث القوارض كالفئران وحيوانات ابن عرس فساداً في الحياة البرية.
اكتشف الكابتن كوك جزيرة جورجيا الجنوبية (South Georgia) عام 1775 وأطلق عليها اسم الملك جورج الثالث، بعد ذلك بسنوات نقلتِ العديد من السفن الخشبية التي رست هناك حمولةً من الجرذان والفئران بغير قصد، وفي حين كان البحارة يحصدون الملايين من بيع جلود الفقمة كانت الفئران تلتهم ما يعتقد بأنه أكبر تجمع للطيور البحرية في العالم.
بعد قرنين غادر البحارة بعد أن تركوا إرثهم من الجرذان في كل بقعة من الجزيرة تقريباً، والنتيجة كانت وجود العديد من البريونات المعششة في الجحور (أحد أنواع الطيور) وكذلك طيور البيترل "petrels" الغاطسة في الجزر البحرية الصغيرة فقط المحيطة بجزيرة جورجيا الجنوبية والتي لم تصلها القوارض، فضلاً عن عدم قدرة طائر الجـُشنة (العزيراء – Pipit) المغرد على تربية صغاره، وفوق ذلك فقد خسرت تربة الجزيرة المواد العضوية التي كانت الطيور تعيدها والتي تقوم مقام سماد نتروجيني مما أثر كثيراً على الغطاء النباتي. كما أكلت الفئران الحشرات أيضاً وليس صغار الطيور وبيضها فقط، وكان من الصعب تقدير حجم الخسائر التراكمية للنظام البيئي الناتج عن تواجد الفئران، لكن ما الحل؟
يبلغ طول الجزيرة 170 كم وهي منطقةٌ جبليةٌ وعرةٌ ونائية، وقد اُستُعين بالحوامات لرشِّها بمواد سامة للفئران علماً أن جورجيا أكبر عشر مرات من أي جزيرة سبق معاملتها بهذه الطريقة، ورغم صعوبة التمويل والخبرات فقد تم تقسيم الجزيرة لقطاعات تسهل إدارتها وتم اتخاذ القرار بحل الأزمة في كل قطاع على حدى على مدى عدة سنوات.
في 2011 وبعد استخدام طائرتين لتغطية 128 كم مربع ورش 200 طن من مبيدات القوارض، كانت النتيجة القضاء على الفئران في غضون أسبوع وبعد 3 أسابيع أخرى بدأت الحياة البرية بالانتعاش مجدداً. النتيجة الإيجابية لهذا الإجراء شجعت على الاستمرار علماً أن جمعية خيرية بريطانية تولت تمويل العملية التي انتهت في عام 2015.
بقي أن نذكر أن الفئران ليست وحدها المسؤولة عن التدهور البيئي عندما تخرج أعدادها عن السيطرة، الأرانب التي دخلت المملكة المتحدة في القرن الثامن عشر، والسناجب الرمادية، وجراد البحر جميعها سببت حالات غزوٍ مستعصيةٍ.
في الواقع، لا يتفق الجميع مع هذه الآلية في قتل الحيوانات وقضية الفئران سببت سخطاً أخلاقياً رغم أن الفئران ليست مخلوقات محببة أو مدللة وطريفة كالأغنام أو القطط، والبعض يعتبر أن لكل حيوان الحق في العيش بقدر متساوٍ مع بقية الحيوانات وفقاً للفرصة التي مُنِحت له.
نعتقد أن الطبيعة -في حالات التدهور المقبول الناتجة عن التدخل المحدود للإنسان- قادرةٌ على إعادة توازنها البيئي بنفسها.
المصدر: