الهندسة والآليات > التكنولوجيا الطبية
التكنولوجيا الحديثة هل تعيد للكفيف جزءاً مما فقد
تعد العصا البيضاء جزء لا يتجزأ من حياة الكفيف وعنوان لاستقلاليته تساعده على تجنب العوائق وتبقيه بعيداً عن أشياء قد يكون من الصعب أو الخطر لمسها وترشده إلى الاتجاهات لتكون بذلك المزود الوحيد لمعلومات يفتقدها بسبب افتقاده لحاسة البصر.
مقالنا اليوم يأخذنا بين الماضي والمستقبل ليطلعنا أكثر على العصا البيضاء وتطورها لتكون خير صديق للكفيف .
العصا البيضاء بين الأمس و الغد :
تعتبر العصا البيضاء رمزاً لفاقدي البصر وهي عبارة عن عود مصنوع من الخشب أو غيره من المواد البلاستيكية والمعدنية، وهي تمثل واحدة من أهم الأدوات التي يحتاجها الكفيف في تنقله وحركته وفي تمكينه من الاستقلالية والاعتماد على النفس في الكثير من الأمور. وتشير كتب التاريخ إلى ظهور العصا الخاصة بالمكفوفين في الرسوم الفرعونية القديمة وبعض الكتب السماوية ويدَّعِي البريطاني James Biggs تصميم العصا البيضاء عام 1921 والتي ما زالت تستخدم في وقتنا الحالي فبعد تعرض المصور بيغز لحادث أفقده بصره احتاج عندها إلى أداة تساعده على التنقل، ودفعه شعوره بالتهديد بسبب ازدياد حركة السيارات حول منزله لتلوين عصاه بالأبيض ليجعل نفسه أكثر وضوحاً لسائقي السيارات، وفي عام 1931 نشأت حركةٌ جديدةٌ تحت اسم "حركة العصا البيضاء" تديرها إحدى سيدات المجتمع الفرنسي وتدعى Peguilly Herbemont وبذلت تلك السيدة جهوداً كبيرةً لدمج المكفوفين في المجتمع وعملت على تسهيل حركة المكفوفين على الطرق، وفي الأماكن العامة، وتزويدهم بوسائل تساعدهم على الحركة، والتنقل بحرية وتجلب انتباه الآخرين لمساعدتهم على عبور الشارع، وطالبت بأن يتم السماح للمكفوفين في باريس بحمل عصاً مماثلة لتلك التي يحملها رجال الشرطة في شوارع باريس ووصلت مطالبها إلى الرأي العام ورجال الحكومة وتم تزويد جميع فاقدي البصر في باريس بعصاً بيضاء[1]
العصا البيضاء 'الذكية':
عصا تمكن المكفوفين من التعرف فورياً على الأهل والأصدقاء؟ يمكن أن يكون هذا الاختراع متاحاً في وقت قريب، ويعود الفضل في ذلك إلى طلاب في إحدى الجامعات وهي عصاً للتنقل يجري تطويرها من قبل طلاب تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، تستخدم هذه العصا تقنية الهاتف الذكي للتعرف على الوجوه المألوفة من مسافة تصل إلى 10 أمتار تقريباً. وتتميز هذه العصا أيضاً بامتلاكها لخاصية ال GPS لمساعدة صاحبها على التنقل من مكان لمكان آخر. [2]
طريقة عملها: صمم المطورون العصا لتهتز عند كشف وجوه معروفة محفوظة في مكتبة الصور المخزنة على بطاقة الذاكرة SD الداخلية ثم يتم توجيه المستخدمين في الاتجاه الصحيح نحو الأصدقاء و ذلك من خلال سماعة الأذن والرسائل الصوتية التي تتلقى تلك المعلومات عبر تقنية بلوتوث.
حيث تتوضع كاميرا مصغرة على العصا لتقوم بفحص الوجوه بين الحشود، وباستخدام بنك من الصور المحفوظة على ذاكرة الجهاز تستخدم العصا برنامج التعرف على الوجوه لتحديد الوجوه المعروفة وعندما يطابق أحد الوجوه وجهاً من قاعدة البيانات تهتز العصا و تقوم بإرسال إرشادات صوتية من خلال سماعة البلوتوث[2]
وقام المطورون بإجراء دراسة للسوق في مركز للمكفوفين لتحديد الملامح الرئيسية التي يحتاجها ضعاف البصر في العصا للتنقل. وكنتيجة لذلك وجدوا أن المتطلبات الأساسية للمستخدمين كانت تكنولوجيا عالية المواصفات، وكذلك لاحظوا ضرورة آن تكون العصا تكون خفيفة الوزن نسبياً وسهلة الاستخدام ولاقت العصا 'الذكية' استقبالا حسنا من قبل المهنيين الطبيين والعلماء في لوكسمبورج وفرنسا ويمكن أن يكون تسويقها كمنتجٍ استهلاكيٍ قريباً جداً[2]
فيديو يوضح آلية عمل العصا الذكية بتقنية الأمواج فوق الصوتية
اختلفت الأشكال و الهدف واحد..
يواجه بعض المكفوفين وخاصة أولئك الذين فقدوا بصرهم حديثا أو بعد الولادة صعوبة في استخدام العصا البيضاء التقليدية ويعتبرونها مرهقة، وقد تفشل في الكشف عن بعض العقبات وخاصة المرتفعة منها، كما تتطلب فتراتٍ تدريبيةً طويلةً لإتقان استخدامها، ونتيجة لذلك تم تطوير مساعدات التنقل الإلكترونية "EyeCane" والتي لديها القدرة على تحسين الملاحة للمكفوفين صممها فريق من الباحثين في القدس، فهي توسع عالم مستخدميها وتتيح لهم تقديراً جيداً للمسافات والقدرة على تجنب العقبات فلقد تم تصميم EyeCane كإضافةٍ -وربما في المستقبل البعيد- كبديل للعصا البيضاء التقليدية، وذلك عن طريق استقطاب معلوماتً على مسافاتً أكبر من 5 أمتارٍوعدد زوايا أكبر، والأهم من ذلك القضاء على الحاجة إلى اتصال العصا بالبيئة المحيطة مما يجعل استخدامها صعباً حيث تتميز بأنها عبارة عن جهاز إرسال واستقبال للأمواج فوق الصوتية بدون وجود العصا أي بدون الحاجة للتماس مع الأشياء المحيطة فقط عن طريق الأمواج فوق الصوتية[3] حيث تقوم EyeCane بترجمة معلومات المسافات إلى منبهات سمعية وحسية حيث تزود المستخدم بمعلومات عن المسافة في اتجاهين مختلفين و في وقت واحد ليكون المستخدم على درايةٍ بالعقبات التي تعترضه مباشرةً من الخصر إلى الأعلى أو إلى الأسفل في زاوية 45 درجة لتقييم مستوى سطح الأرض.
توضح الصورة نموذجاً للحقل الذي تتحسسه أحد أنواع العصي الذكية المزودة بحساسٍ مرسلٍ ومستقبل ٍ للأمواج فوق الصوتية حيث تغطي مجالين (من البيئة المحيطة بالكفيف) للأعلى والأسفل ويتميز المجال السفلي بحقلين للتحسس حقل بعيد لخارج المنزل وحقل قريب للتحسس داخل المنزل.
آلية عمل تقنية EyeCane:
يقوم المستخدم بمسح الهدف فتنبعث من الجهاز نحو الهدف حزمة أمواج فوق صوتية ضيقة ذات دقة مكانية عالية، وبعد اصطدام الأمواج بالهدف تعود مرتدة إلى الجهاز، ليقوم الجهاز بحساب المسافة ويترجم ذلك لواجهة المستخدم (اهتزاز و صوت) فيتعلم المستخدم بشكل حدسي في غضون بضع دقائق طريقة حساب المسافة إلى الهدف عن طريق ترددات الصوت و/ أو سعة الاهتزاز الذي يشعر به مما يسهل على المستخدم حمله و استخدامه بطريقة فعالة .
مخطط يبين آلية عمل التقنية:
فيديو يوضح آلية استخدامه الجهاز:
أجرى الباحثون سلسلة من التجارب لتقييم قدرة الجهاز وفوائده للمكفوفين وكان الهدف من التجربة الأولى معرفة ما إذا كان يمكن للجهاز أن يساعد في تقدير المسافة وذلك بعد أقل من خمس دقائق من التدريب، استطاع الأفراد تحديد المسافة بنجاح يقرب من 70٪ من الوقت. أما التجربة الثانية فبحثت في ما إذا كان يمكن لـ EyeCane أن تساعد الأفراد على التنقل في ممر غير مألوف عن طريق قياس عدد مرات اتصال الكفيف مع الجدران. و تببن أن أولئك الذين يستخدمون العصا البيضاء التقليدية يحتاجون وسطيا إلى 28.2 اتصالاً مع الجدار، بالمقارنة مع ثلاثة اتصالات فقط باستخدام EyeCane ، وأثبتت التجربة الثالثة أن EyeCane ساعدت المستخدمين أيضاً على تجنب الكراسي وغيرها من العقبات التي تحدث بشكل طبيعي ووضعت بشكل عشوائي في المناطق المحيطة.
وطننا العربي يخطو بنفسه أيضاً نحو مساعدة المكفوفين لتسهيل حياتهم اليومية واعتمادهم على أنفسهم .[3] الكفيف وبكل بساطة شخص يختلف عن الشخص السوي، حيث لا يمكنه إدراك ما حوله بالنظر، بل يعتمد على حواسه الأخرى لإدراك المحيط فيستخدم العصا التي تعينه على التنقل من مكان لآخر. وبغض النظر عن نوع وشكل العصا البيضاء إلا أنها أصبحت رمزاً لاستقلالية الكفيف ولقدرته على التحرك والعمل والاندماج في المجتمع مثله مثل الأفراد الآخرين. فهل ستكون الاختراعات الجديدة خير بديل للعصا التقليدية و هل ستعوض الكفيف عن حاسة البصر ؟
المصادر:
[1] Rafiq، W. (2015، May 8). A pioneering facial recognition cane for blind people. Retrieved June 16
[2] Maidenbaum، S. (2014). The “EyeCane”، a new electronic travel aid for the blind: Technology، behavior & swift learning. Restorative Neurology and Neuroscience، 32(6)، 813-813. doi:10.3233/RNN-130351
[3]Strong، P. (2009، January 11). The History of the White Cane. Retrieved June 16، 2015، from