البيولوجيا والتطوّر > منوعات بيولوجية

التطور السريع للعوامل المُمرِضة| تقدير الزمن الفعلي لتطور الشدة الإمراضية للبكتريا التي تصيب أعين طائر حسُّون المنازل.

تم التنبؤ نظرياً بمراحل وصول الأمراض الناشئة إلى أعلى شدة إمراضية (الفوعة)، وعلى الرغم من ندرة الدراسات التجريبية في هذا المجال، قام الباحث (Dana M. Hawley وآخرون) بعرض نتائج تجربتين متكاملتين لفحص أنماط تطور الشدة الإمراضية على المدى القصير باستخدام عزلات محفوظة لبكتريا (Mycoplasma gallisepticum) والتي كانت قد جُمعت خلال فترات متتابعة من جماعتين معزولتين جغرافياً لطائر حسون المنازل، الأولى فحصت مسار الوباء في شرق أمريكا الشمالية بين عامي (1994-2008) والأخرى فحص المسار في غربها بين عامي (2006-2010).

ومن المُفترض أّنَّ عملية التطور تحصل بشكل بطيء، إلَّا أنَّ المُمرضات تَشُذ عن هذه القاعدة، حيث أنَّ سُلالات جديدة من البكتريا والفيروسات من الممكن أن تظهر فجأةً أو حتى أن تنتقل لتصيب عائلاً (مضيفاً) جديداً مسببةً جائحةً مرضيةً كما هو الحال الآن في الصين مع انتشار سلالة فيروس انفلونزا الطيور (H7N9).

السؤال الجوهري المطروح في هذه الدراسة حول الأمراض الناشئة فيما إذا كان العامل المُمرض سيصبح أشد أو أقل قدرة إمراضية لعوائلها المضيفة مع قضائه فترة أطول مع هذه العوائل.

وبناءً على هذه الدراسة فإنَّ عاملاً ممرضاً جديداً على الأقل يبدي كلا الحالتين وهو بكتريا (Mycoplasma gallisepticum).

بدأت الدراسات المبكرة على هذه الجرثومة عن طريق الباحث (André Dhondt) في جامعة كورنيل بمشاركة مجموعة من خبراء الطيور والبيطريين وعلماء البيئة وخبراء في النمذجة ومختصين في علم الأمراض لفحص هذا المرض المنتشر والذي يسبب التهاب حول العين عند الطيور والذي غالباً ما يكون شديداً لدرجة تسبب عمى مؤقت يعرقل عملية العثور على الطعام وتجنب الحيوانات المفترسة، راجع الشكل (1).

لُوحظ هذا المرض للمرة الأولى عند طائر حسون المنازل عام 1994، وتم كشف بكتريا الـ (MG) المسببة له لاحقاً من قبل الباحث (David Ley) في جامعة ولاية كارولاينا الشمالية. وقرر مختبر علم الطيور في جامعة كورنيل إشراك العامة للمساعدة في مراقبة انتشار المرض، حيث طُلِبَ من المشاركين تسجيل عدد الطيور التي تزور حدائقهم في كل شهر وملاحظة فيما إذا كانت أعين الطائر مصابة بالالتهاب.

وقد أشارت التقارير الأولية إلى أنَّ انتشار هذا المرض أدى إلى انخفاض تعداد جماعة طائر حسون المنازل بمعدل 50% خلال أربع سنوات مسبباً فقدان أكثر من 40 مليون طائر.

شكل (1) تطور حدة الإصابة بالتهاب العين عند طائر حسون المنازل الناتج عن جرثومة

الـ (Mycoplasma gallisepticum) – مصدر الصور (Andrew K. Davis, 2010).

وبشكل مثير للاهتمام، فإنَّ المرض المتفشي في شرق الولايات المتحدة لم يكن قد لوحظ بدايةً من قبل المشاركين من العامة في النصف الغربي من البلاد، ولفهم سبب ذلك اتجه العلماء إلى العينات التي تمَّ جمعها منذ المراحل المبكرة لملاحظة المرض بالإضافة إلى عينات مأخوذة في أوقات وأماكن مختلفة أثناء انتشار المرض في الولايات المتحدة.

ووُجِدَ من خلال التجارب المخبرية بأن السلالات المختلفة للعامل المُمرض أظهرت مستويات مختلفة جداً من الشدة الإمراضية والتي كانت متغيرة بطرق متسقة عبر الزمان والمكان، حيث أنَّ العينات المأخوذة من الساحل الشرقي أظهرت دائماً قدرة إمراضية شديدة في حين أنَّ سلالات العامل الممرض المنتشرة في البلاد أظهرت انخفاض في شدة الفوعة ولكن ما إن انتشرت هذه السلالات بشكل جيد في الجزء الغربي من البلاد حتى أصبحت هي أيضاً أكثر شدة إمراضياً. أظهر البحث بشكل واضح أن التطور يمكن أن يحصلَ بشكل سريع جداً وبأنَّ تطور الفوعة الإمراضية يعتمد على العامل الممرض فيما إذا كان ينافس لإصابة الجماعة الموجودة محلياً أو أنَّه ينافس لينتشر ويستعمر مناطق جديدة.

وكما يبدو فإن السبب وراء الوصول إلى الفوعة الشديدة هو المعدلات العالية من تكاثر العامل الممرض حيث أنَّ العِزلات البكتيرية التي كانت أعلى أذية لطائر الحسون كانت هي الأكثر عدداً في الأنسجة المصابة مقارنةً بالعزلات الأقل أذية في الأنسجة المصابة لطيورٍ أخرى.

أظهر البحث أن هذه البكتريا - والتي تصيب العين عند طائر حسون المنازل المنتشر في أغلب حدائق الولايات المتحدة الأميركية - لها القدرة على التطور بشكل سريع ومتكرر لتصبح أقل أو أشد أذية لِمُضيفها من الطيور المُغرِّدة.

حيث تعكس النتائج وجود آليات اصطفائية مختلفة تصيب العامل المُمرض أثناء انتشاره، ففي كلِّ حالة يتطور فيها العامل الممرض ليغير معدل قدرته على الفتك بمضيفه يكون الهدف منها هو زيادة قدرته على إصابة مضيفٍ جديد.

كما يُقدِّم البحث بعض الأدلة الأولية التي تَفترض بأنَّ تطور العامل الممرض يمكن أن يحدث بشكل سريع ومتكرر وأيضاً بشكل عكسي، حيث أنَّ العامل المُمرِض -وتحت تأثير بعض الظروف- يتطور ليقتُل العائل، في حين أنَّه تحت تأثير ظروف أخرى تضعف قدرته الإمراضية.

وبينت الدراسة أيضاً أنَّ التطور الحاصل على العامل الممرض يحصل بشكل أسرع ألف مرة منه على التطور الحاصل عند المضيف حيث حصل تطور الـ (MG) خلال 15 عام ، وبالرغم من أن تعاقب أجيال العصفوريات يحدث سريعاً (مقارنة بالإنسان) إلَّا أنها لم تبدِ دليلاً مقنعاً على حدوث استجابة تطورية تُحاذي تلك الملاحظة عند العامل الممرض.

إنَّ لهذا البحث تطبيقات هامة في التنبؤ بحدوث جائحة مرضية تسببها الأمراض الناشئة، كما أنَّ البحث فريد من نوعه كونَ العامل الممرض المنتشر قد تمت مراقبته زمانياً ومكانياً منذ ظهوره الأول، بينما نادراً ما نرى تطور معظم العوامل الممرضة الأخرى التي تهدد حياة الإنسان أو الحيوانات الداجنة والتي يتم استئصالها عن طريق الحجر الصحي بأسرع شكل ممكن بعد معرفتنا لخطورتها.

ونشير هنا إلى أنَّ أغلب الأمراض الناشئة والتي نسعى للقضاء عليها مثل (السارس والإيبولا وانفلونزا الطيور) عادةً ما تقتل عائلها بشكل سريع، الأمر يعيق قدرتها على إصابة مضيف جديد. في حين أنَّ ما يقلقنا هو تلك العوامل الممرضة التي تقتل مضيفها ببطء كحال فيروس نقص المناعة المُكتسب الذي أودى بحياة الكثير من الناس أكثر من كل تلك العوامل مجتمعة، حيث تتميز هذه الفيروسات بفترة حضانة طويلة تتمكن خلالها من التحور والتطور لتصبح أكثر أو أقل قدرة إمراضية وذلك تبعاً للظروف التي تتعرض لها في الجماعات المضيفة المختلفة.

وأخيراً فإنَّ دراسة تطور جرثومة الــ (MG) التي تصيب أعين الحسون هي محط نقاش الأمراض الناشئة كونها تعطي مؤشرات عن السرعة التي يحدث بها تطور المُمرضات والعوامل التي تسبب ازدياد أو تراجع شدتها الإمراضية.

المصادر:

هنا

هنا

هنا