البيولوجيا والتطوّر > علم المورثات والوراثة
علاقة المورثات بالتَّدخين | العوامل الوراثية قد تُحدِّد قابليَّتك للوقوع في فخِّ التَّدخين
بحسب الإحصائيات، فإنَّ حوالي ثلث سكان الأرض من البالغين يدخنون التبغ! وبرغم حملات التوعية الكبيرة بمخاطر التدخين لا يزال سكان العالم يتجهون نحو التدخين والإدمان عليه بشراهة. لن نتحدّث في مقالنا هذا عن مخاطر التدخين والتأثيرات التي يُحدثها في الجسم. بدلاً من ذلك، فلنأخذ الأمر من منظورٍ آخر؛ ما هي علاقة الوراثة بالتدخين؟ بمعنى آخر، هل من الممكن أن تُحدد المورثات التي يحملها شخصٌ ما قابلية وقوعه في فخّ التدخين أو الآثار التي سوف تنجم عن التدخين؟ سوف نُطلعكم في مقالنا التالي على نتائج بعض الدراسات التي بحثت في هذا الأمر.
"يُعدّ التدخين واحداً من أكثر مسبّبات الوفيات انتشاراً، فهو يودي كلَّ عامٍ بحياة ستة ملايين نسمة تقريباً من المدخنين وغير المدخنين المُعرَّضين لدُخانه" بحسب منظمة الصحة العالمية.
خَلُصت عدّة دراسات تمّ إجراؤها إلى كون التغيّرات الوراثية تؤثر في العديد من السلوكيات المتعلّقة بالتدخين؛ مثل إمكانية أن يصبح الشخص مدخناً، كمية السجائر التي يدخنها، قدرته على الإقلاع عن التدخين، بالإضافة إلى خطر الإصابة بسرطان الرئة.
في عدة دراسات أُجريت عام 2008 بالاعتماد على المعلومات الوراثية من أكثر من 140,000 شخص، توصّل الباحثون إلى وجود صلة بين منطقة محددة من الجينوم والسلوك المتعلّق بالتدخين، كالتالي:
- تغيير واحد في أحد أجزاء الجينوم التي سبق أن تم ربطها بسلوك التدخين يوثر في الكمية التي يدخن بها الشخص، فهو يزيد معدل التدخين بمعدل سيجارة واحدة يومياً لكل مورثة تحمل الـDNA المُتغير.
- تم التعرف على تغييرَين آخرين في مورثة تم اكتشافهما حديثاً تزيدان التدخين بمقدار نصف سيجارة في اليوم لكل مورثة تحمل هذين التغييرين.
على الرغم من أنَّ تأثير التغيرات الوراثية على كمية التدخين ليس بالكبير، لكن يبدو أنَّ التغيرات الوراثية تلعب دوراً كبيراً في احتمالية إصابة المدخنين بسرطان الرئة.
حيث تُشير إحدى الدراسات، التي قام بها الباحث الآيسلندي Thorgeir E. Thorgeirsson وزملاؤه، إلى أنَّ التغيرات الوراثية تزيد من خطر تعرّض المدخن لسرطان الرئة بنسبة 30%.
ماذا عن تأثير التغيرات الوراثية على إمكانية الإقلاع عن التدخين؟ في هذه الناحية خلُصت الدراسات الى النتائج التالية:
- تغييرٌ واحدُ في موقع مختلف من الجينوم يؤدي إلى زيادة القدرة على الإقلاع عن التدخين بمقدار 6%.
- تغييرٌ آخرٌ يمنح المدخن فرصة للإقلاع عن التدخين تزيد 12% مقارنة مع شخصٍ آخر لا يملك هذا التغيير.
قام فريق من العلماء من نيوزيلندا، المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية بمراجعة لدراساتٍ سابقة قام بها علماء آخرين، ثم قاموا بإجراء دراسة طويلة الأمد على 1000 من سكان نيوزيلندا منذ الولادة وحتى بلوغهم سن 38 عام لتحديد فيما إذا كان الأفراد الذين يملكون خطراً وراثياً مرتفعاً قد أدمنوا التدخين بشكلٍ أسرع، أو واجهوا مشقة أكثر في الإقلاع عنه.
وُجِد أن المشاركين الذين امتلكوا خطراً وراثي مرتفعاً كانوا أكثر قابلية ليصبحوا مدخنين بشكلٍ يومي في سن المراهقة، ثم تقدموا سريعاً ليصبحوا مدخنين شرهين (علبة سجائر أو أكثر يومياً).
وعند تقييمهم في عمر 38 عام، كان الأفراد ذوي الخطر الوراثي المرتفع في حالة إدمان أكبر على النيكوتين، وغالباً ما فشلوا في الإقلاع عن التدخين.
"يبدو أنَّ الخطر الوراثي يزيد من إمكانية الاعتماد على النيكوتين والإدمان عليه وبالتالي يزيد من حدة سلوك التدخين"!
ولكن، كيف يعمل ذلك؟
قام العلماء في جامعة Duke في المملكة المتحدة بالاستعانة بدراسات سابقة موسعة عملت على إجراء مسح لكامل الجينوم الخاص بعشرات الآلاف من المدخنين، وذلك من أجل دراسة التغييرات الوراثية الأكثر شيوعاً بين المدخنين الشرهين.
التغييرات التي وجدوها تموضعت ضمن وحول المورثات التي تؤثر في استجابة الدماغ للنيكوتين وفي عمليات استقلاب النيكوتين، ولكن لم يتمكن العلماء بعد من معرفة كيف تؤثر هذه التغييرات على عمل المورثات وبالتالي على استجابة الدماغ للنيكوتين.
وعليه يمكن القول أن الإدمان يعدّ سلوكاً مكتسباً يتطلّب تعزيزاً عبر المسالك العصبية.
في هذه الدراسة قام العلماء بإيجاد ما أسموه "مؤشر الخطر الوراثي" للتنبؤ ببعض سلوكات المدخنين اعتماداً على مدى وجود خطر وراثي لديهم. لم يستطع "مؤشر الخطر الوراثي" التنبؤ فيما إذا كان الأشخاص سوف يقدمون على تجربة التدخين، لكنّها أفادت بوجود ارتباط في تطوّر المشاكل الصحية المرتبطة بالتدخين، وذلك كما يلي:
المراهقون الذين امتلكوا مخاطر وراثية مرتفعة كانوا أكثر عرضة لأن يصبحوا مدخنين بشكل يومي بحلول سن الخامسة عشر بنسبة 24%، وبنسبة 43% بحلول سن الثامنة عشر.
أما البالغين، فأصحاب المخاطر الوراثية المرتفعة كانوا عرضة لأن يطوّروا اعتماداً على النيكوتين بحلول سن الثانية والعشرين بنسبة 27%، وأكثر عرضة للفشل في محاولة الإقلاع عن التدخين بنسبة 22%.
يبدو أن المشاركين الذين لم يصبحوا مدخنين شرهين خلال سنّ المراهقة قد أصبحوا "مُحصّنين" ضدّ تطوّر المشاكل المتعلّقة بالتدخين عند بلوغهم، ويبدو أنَّ آثار المخاطر الوراثية تقتصر على الأشخاص الذين يبدأون تدخينهم في سنّ المراهقة. وهذا يوحي بأنّ شيئاً خاصاً حول التعرض للنيكوتين يحدثٌ في الدماغ في مرحلة المراهقة.
إن عوامل الخطر الوراثية التي قام الباحثون بتطويرها قد لا تكون حساسة أو محددة بما يكفي لأن تُستخدم كإختبارٍ سريريّ، لكن قد يكون لها استخداماتٌ في مجال الصحة العامة. وجهود مكافحة التدخين يجب أن توجّه نشاطاتها إلى الشباب لجعل أمر إدمانهم على التدخين أكثر صعوبة.
المصادر: