الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة
كتاب "6 درحات"، إطعام 8 مليار بشري وصيف صامت مستمر
بالرغم من أزمة المياه في الولايات الغربية لأمريكا، يبدو احتمال حصول مجاعة فيها ضعيفاً في ظل عالم ذي حرارة وسطية أعلى بدرجتين. وعلى النقيض، فقد تكون الظروف أكثر ملائمة لتحسين الإنتاج الزراعي في بعض المناطق عما هي عليه الآن. يضاف إلى ذلك أن الدولة ذات القوة الشرائية الأكبر في العالم لن تجد أية صعوبة في تزويد أسواقها المحلية بالغذاء من مصادر مختلفة مهما بلغت شدة الجفاف، بخلاف الدول التي لا تمتلك القوة الشرائية والقدرة على الإنتاج الزراعي والتي ستضربها الكوارث والمجاعات الشديدة. ما يثير السخرية أن هذه الدول الأقل إسهاماً في التغير المناخي، ستدفع فاتورته الأكبر.
وكنتيجة لتناقص فترات البرد القارس، ستصبح بعض المناطق في شمال أمريكا أكثر ملائمة لزراعة محاصيل هامة كالقمح، كما ستشهد بعض الولايات ازدهاراً في إنتاج البطاطا والذرة، ولن تعاني زراعة الحمضيات مستقبلاً من الجمود الذي عانته في الفترات السابقة. ستصبح بريطانيا أكثر ملائمة لزراعة الذرة، والفواكه اللينة كالفريز، والخضار كالبطاطا والكوسا، والبقوليات كالفاصولياء. وقد تشهد أوروبا بأكملها ازدهاراً في زراعة فول الصويا، وحتى روسيا وأوكرانيا ستشهدان تحسناً في ظروف زراعة القمح والذرة.
في حين ستعاني بلدان أمريكا الجنوبية والوسطى في إنتاج الذرة –الزراعة الأهم لديها– والتي بدأت وانتشرت منذ حضارة المايا، وستكون هذه المشكلة أشد وأخطر على المزارعين المحليين الصغار مقارنة بشركات الاستثمار الزراعي الضخمة. بالنسبة لإفريقيا التي تعاني المجاعة أصلاً، ستشتد معاناتها وستنتشر المجاعة في 29 دولة منها. أما الولايات الشرقية لأمريكا الجنوبية فستعاني نوعاً ما بانخفاض إنتاجها من الفول الصويا إلى النصف. كما سينخفض إنتاج الثروة السمكية على جانبي الأطلسي وشواطئ كندا وبحر الشمال.
بالرغم من وجود إنتاج غذائي كاف لتلبية حاجة جميع سكان العالم حتى اللحظة، إلا أن المجاعة واضحةٌ في بعض أجزاء الأرض، ويعود سببها الرئيسي لكونها لا تتعلق بالجفاف فقط، وإنما بالفقر أيضاً، ومن المؤكد إذاً أن المجاعات ستنتشر أكثر في العالم عندما تقل كميات الغذاء المنتجة.
ستعتمد أسعار الغذاء العالمي على قدرة دول الشمال على تكييف إنتاجها الغذائي بالسرعة الملائمة لتعويض النقص الحاصل في المناطق التي سيضربها الجفاف جنوباً، ومع ازدياد حرارة الكوكب درجتين أو أكثر ستزداد صعوبة مواجهة خطر المجاعات واسعة الانتشار، وستظهر المعاناة على المستوى الشخصي لدى جميع سكان العالم.
ومن هنا يمكننا القول أن توفر الغذاء لك عزيزي القارئ سيعتمد على المكان الذي تعيش فيه تبعاً لحظوظك في هذه القرعة القاسية للتغيرات المناخية. لذلك كل ما عليك فعله هو البقاء في دولة ذات أمطار كافية لأنك في أسوأ الأحوال قد تضطر لتغيير أنماط التغذية التي تتبعها فقط ولن تعاني من الجوع.
الصيف الصامت المستمر:
تسهم الأحياء في حياتنا بمختلف جوانبها فهي تغذينا وتكسونا وتدفئنا وتؤمن لنا المسكن والأكسجين الذي نتنفس، حيث لا يمكن للتربة أن تدعم الزراعة لولا الأحياء الدقيقة التي تحلل المكونات العضوية، كما لا يمكن للكثير من النباتات أن تنتج البذور دون مساهمة النحل في عملية التلقيح، وكذلك لا يمكننا التنفس لولا إنتاج الأشجار والبلانكتون للأكسجين اللازم، بالإضافة لاعتماد الكثير من الأدوية عند انتاجها على أنواع محددة من الأحياء.
تطول قائمة الأحياء المهددة بالانقراض مع ارتفاع درجة الحرارة الوسطية للأرض درجتين إضافيتين فوق معدلها الحالي، وربما لن نذرف الدموع إذا علمنا بانقراض نوع من الطيور في أوروبا أو موت آخر ضفدع من نوع ما في كوستاريكا أو اختفاء بضعة أنواع من الحشرات والنباتات، إلا أن موقفنا من انقراض الأحياء حولنا واحداً تلو الآخر يجب أن يتغير فهو يحمل الكثير من الدلائل والمؤشرات التي ينبغي عدم إهمالها.
يقول العلماء أن هذا العصر هو عصر الانقراض السادس الذي يشهده كوكب الأرض (اقرأ المزيد في مقال سابق لنا من هنا علماً أن انقراض الديناصورات تم في عصر الانقراض الخامس. ويلعب الإنسان دوراً خطيراً في هذا العصر بمزيج التأثيرات المختلفة التي يسببها كتهديد المجال الحيوي للأحياء والصيد والتلوث واستنزاف الموارد المتنوعة. وتبعاً لتقرير الألفية للنظم البيئية التابع للأمم المتحدة فإن ثلثي الأنظمة الحيوية الي يعتمد عليها الإنسان قد تعرضت للتدهور الشديد أو أنها تستنزف بشكل مستدام.
وجدت إحدى الدراسات أن متوسط انتقال الأحياء باتجاه القطبين مع ارتفاع حرارة الكوكب يبلغ نحو ستة كيلومترات خلال عقد من الزمن، ويترافق ذلك مع تغير في أنماط سلوك هذه الأحياء. وربما بإمكانكم عبر ملاحظة البيئة المحيطة بكم إيجاد أمثلة عديدة عن الفترات غير الاعتيادية التي تنضج بها المحاصيل أو عن كثافة الأحياء التي تصادفونها، بل حتى أصوات العصافير التي كنتم تسمعونها عند الصباح وفي الحدائق. استمتعوا بها جيداً فقد لا تدوم طويلاً.
لن تجد الكثير من الأحياء قدرة على التكيف مع الارتفاع السريع في درجات الحرارة، ولن يستطيع عددٌ كبيرٌ منها أن يتحرك بالسرعة الكافية نحو المناطق الأكثر ملائمة لاستمرار حياته، وعلينا هنا أن نتذكر أن الأشجار مثلاً غير قادرة على الحركة وليس لها من سبيل سوى نثر البذور التي تنتقل لمسافات محددة لا تكون كافية في كثير من الأحيان، فمعظم البذور لا تنتقل في الحالات الطبيعية لأكثر من ميل واحد بعيداً عن الشجرة الأم ولن تكون الغابات قادرة على التمدد بالسرعة الكافية. يضاف إلى ذلك كله وجود عوائق جغرافية طبيعية لهذه الهجرة، تتمثل بالجبال والبحار والمجاري المائية إضافة للإنسان وما أنشأه من مدن وطرق مواصلات ومناطق استثمار زراعي.
إذاً جميع الأحياء على كوكب الأرض هم عرضةٌ للخطر، فبعد أن تطورت هذه الأحياء خلال ملايين السنين يمكن أن تتدمر إلى الأبد وخلال فترة لا تتجاوز جيلاً واحداً من أجيال البشرية. كما سيدخل الإنسان في عصر من الوحدة عندما يجد البشر أنفسهم على كوكب مدمر يخلو من معظم الأحياء، وستمضي البشرية هذا العصر في مواجهة موجة حر مستمرة لا تنتهي، كما ستحرم البشرية من ضجيج الأحياء التي شاركتنا رحلتنا حتى الآن.
المصدر:
Lynas، Mark (2007): Six degrees. Our future on a hotter planet. London: Fourth Estate