تكاليف وأضرار غير متوقعة لتطوُّر الطقوس الجنسية بين الذكور والإناث.

إنَّ الاصطفاء الناجم عن التفاعلات في العلاقات بين الجنسين يعدّ المسؤول عن بعض أشكال التنوع الطبيعي الأكثر إثارة للدهشة على هذا الكوكب. هذه التفاعلات بين الذكور والإناث أدت إلى تطور بعض المظاهر الرائعة كطقوس ورقصات التزاوج عند ذكور الطيور والزوائد الجذابة للجنس الآخر عند بعض ذكور الحشرات. لكنَّ الأبحاث حول الاصطفاء الجنسي لها أهمية تفوق فهم غرابة الحياة الجنسية عند الحيوانات، فالاصطفاء الجنسي في الطبيعة قد تصل تأثيراته حتى صحة الإنسان.

في دراسة نُشرت في فبراير هذا العام في مجلة Science، وجد الباحثون دليلاً على تطور مجموعة من الصفات التي تطورت جنباً الى جنب مع تطور الصفات الجنسية الذكرية والأنثوية لدى أفراد البعوض، وهذه الصفات تساهم في نقل الملاريا في البعوض الحامل لهذا الطفيلي. تشمل هذه الصفات تطور "وصلة التزاوج" “mating plug” التي تسمح للذكور بنقل الحيوانات المنوية، بالإضافة الى مواد أخرى كالهرمون الستيرويدي ((20-hydroxyecdysone (20E) للإناث. في الجهاز التناسلي للأنثى، يطلق 20E سلسلة من العمليات التي تزيد من إنتاج البيوض وتخفض المعدل الذي تتزاوج به الأنثى مع الذكور الأخرى.

أظهر الباحثون أيضاً التطور السريع للبروتين المُحفِّز لللإباضة أو ما يعرف ب "ميزو بروتين" (MISO) والذي تُنتجه الإناث ويتفاعل مع 20E داخل جسد الأنثى لزيادة إنتاج البيوض. في الناقل الأساسي للملاريا- بعوض الأنوفيليس الغامبي- ، تقوم هذه البروتينات التي تحفز إنتاج البيوض بخفض المناعة الخلقية أو الفطرية عند الإناث، مما يزيد من قابليتهن للإصابة بالبلازميديوم الذي يسبب الملاريا. ومن غير المعروف حالياً لماذا تطورت هذه الأليات في بعض وليس كل أنواع البعوض وما مدى إمكانية استخدامها للتنبؤ إذا كانت الأنواع سوف تنقل الملاريا للبشر.

البعوض ليس استثناءاً في امتلاكه مجموعة من الصفات التطورية التي تشير إلى تاريخ معقد من التفاعل بين الذكور والإناث. ففي معظم الأنواع التي تقوم بالإخصاب الداخلي، تقذف الذكور مواداً أخرى أكثر بكثير من الحيوانات المنوية، فقد تطور هذا "الكوكتيل" للحد من المنافسة من الذكور الأخرى و زيادة إنتاج البيوض، وذلك على حساب حيوية الإناث ومناعتها. وبالطبع، الإناث لسن السذج الأبرياء في هذه العملية، بل يُنتِجن بنشاط المركبات التي تتحكم باختيار أي من الذكور سيقوم بإخصاب البويضات ويعملن على استغلال المُركَّبات التي ينتجها الذكور لزيادة إنتاج البيوض والحد من المضايقات من الذكور الآخرين. فالتفاعلات بين الجنسين تنطوي على شبكة معقدة من المصالح المشتركة والمتضاربة معاً؛ على سبيل المثال، في حشرة أخرى ذات صلة بصحة الإنسان، وهي بق الفراش، تخترق الذكور تجويف جسم الأنثى لنقل الحيوانات المنوية وغيرها من المركبات. هذا الاختراق يحمل مخاطر للإنتانات التي تقلل من فرص البقاء عند الإناث، ومع ذلك، تنقل الذكور أيضاً أثناء التزاوج مركبات تزيد من ذرية الأنثى خلال حياتها. إذاً فالعملية تحمل فوائداً وتكاليف أيضاً.

نظراً لإمكانية التطور السريع في البعوض، فإنَّ نتائج هذا البحث قد تساهم في الوصول إلى ما هو أبعد من الفهم الحالي للأمراض التي تنتقل عن طريق الإتصال الجنسي، و تشير إلى أنَّ أي تغيرات مستقبلية في هذه الصفات الجنسية عند ذكور وإناث البعوض قد تُحدد أي البعوض ينقل الملاريا للبشر. هذه النتائج قد يكون لها أثر ملموس في حد انتشار الملاريا، و لكننا ما زلنا بحاجة لمعرفة المزيد عن النواقل الحيوية كبروتين الميزو الذي قد يساهم في تحديد البعوض الناقل للملاريا، كما أنَّه لابد من استقصاء وجود آليات مشابهة لدى الأنواع المختلفة للبعوض.

المصدر:هنا

البحث الأصلي: هنا