الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد
لماذا تحولت جوجل إلى ألفابت؟
الشركة التي كانت معروفة بالنسبة إلينا باسم جوجل Google أصبحت الآن مجموعة منفصلة من الشركات، مملوكة من قبل شركة جديدة أنشئت تحت اسم ألفابت Alphabet. أي أن جوجل أصبحت واحدة من الشركات التابعة ل "ألفابت" وأكبرها، فهي تتضمن محرك البحث Google Search، موقع الخرائط Google Maps، التطبيقات Apps، البريد الالكتروني Gmail، موقع يوتيوب لمقاطع الفيديو Youtube، نظام التشغيل الشهير أندرويد Android، ومنصة الإعلانات Google AdWords".
بالإضافة إلى جوجل، ستحتضن شركة ألفابت جميع الشركات الأخرى التي كانت مملوكة من قِبَل جوجل سابقاً، وهي شركات مختلفة قليلاً من حيث جوهر عملها، وهي:
• شركة البحث والتطوير في التكنولوجيا الحيوية "كاليكو Calico".
• الشركة المصنعة لبعض التجهيزات المنزلية "نيست Nest".
• مزود خدمة الانترنت عبر الألياف الضوئية "جوجل فايبر Google Fiber"
• مختبرات "جوجل اكس " Google X " لإدارة وتطوير المشاريع الطموحة المستقبلية لجوجل.
• شركتا الاستثمارات "جوجل فينتشرز Google Ventures" و "جوجل كابيتال Google Capital"
كل واحدة من هذه الشركات مستقلة بذاتها ومنفصلة عن الشركات الاخرى، ولكنها تنطوي ويتم الإشراف عليها من قبل شركة ألفابت Alphabet".
لماذا تم اختيار الاسم " ألفابت Alphabet "؟
- لأن الشركة تطمح لتغطية كل شيء من Z– A.
- كلمة ألفابت Alphabet باللغة الإنجليزية تعني "الأبجدية"، وهي جوهر عمل محرك البحث جوجل، حيث يرى المؤسسان لاري وسيرجي أن الأبجدية هي واحدة من أعظم الاختراعات في تاريخ البشرية.
- كلمة Alpha-bet تعني أيضاً بلغة الأعمال الإنجليزية " عائد على الاستثمار أعلى من المؤشرات - investment return above benchmark " وهو ما تطمح لتحقيقه الشركة على حد وصف مؤسسها لاري بيج.
أسباب تأسيس شركة ألفابت Alphabet:
قبل ذكر الأسباب لا بد لنا من توضيح نقطة هامة جداً، وهي أن جميع التخمينات والتصريحات والتحليلات التي وردت حتى اللحظة حول الأسباب لم تثبت صحتها، وحده الوقت كفيل بكشف الأسباب الحقيقية وحجم التأثير الذي سيلعبه هذا التغيير المفاجئ. أما الأسباب فهي بحسب عدة مصادر:
- زيادة التركيز على مشاريع جوجل المستقبلية الواعدة.
- زيادة التركيز على شركة جوجل بشكل خاص.
- إضافة شركات جديدة إلى حزمة الشركات الموجودة حالياً والتمييز فيما بينها.
- تعزيز الشفافية والوضوح حول أداء وعمل الشركة بالنسبة لعملاء الشركة بشكل عام والمستثمرين بشكل خاص.
- فتح المجال والاستثمار بشكل أكبر في التجارب والاختبارات.
- إبعاد أي تأثير إعلامي سلبي لأي تحرك جديد عن الإضرار بسمعة الشركة الأم. فعند استحواذ جوجل على شركة Nest للتجهيزات المنزلية، بدأت الشكوك والمخاوف تتزايد حول خصوصية العملاء. مما شكل ضرراً لجوجل كان من الممكن أن يؤثر على عائداتها المالية. وهو ما تريد جوجل تماماً الابتعاد عنه.
- إتاحة الفرصة أمام حزمة الشركات الموجودة حالياً للنمو بشكل أسرع وأكبر.
- تمكين رواد الأعمال والشركات المميزة من تحقيق النجاح والاستمرار.
- تمكين مؤسسي الشركة لاري وسيرجي من رؤية وإدارة الشركة بشكل أفضل على المدى الطويل.
- الحفاظ على الكفاءات والمواهب البشرية العاملة لدى الشركة وخلق عامل محفز لاستقطاب المزيد.
يرى مراقبون أن مؤسسي شركة جوجل لاري بيج Larry Page وسيرجي برين Sergey Brin بدءا يظهران في حلة المستثمرين الكبار أمثال "وارن بافيت Warren Buffet". ولكن كما هو الحال دائماً، فإن الشركة تتحدى تلك المقارنة السهلة. لن تصبح جوجل شركة ضخمة كشركة "بيركشاير هاثوي Berkshire Hathaway" المملوكة من قبل وارن بافيت، ليس بالضبط على الأقل! وذلك لعدة أسباب أحدها هو أن لاري وسيرجي يقومان بتجربة نموذج عمل جديد ومختلف تماماً، ويُفسَر هذا على أنه محاولة لاسترضاء المستثمرين وبنفس الوقت الحفاظ على جوهر الشركة التي بدءاها سويةً.
يبدو واضحاً أن إعادة الهيكلة هذه تأتي كاستجابة للسعر الراكد لأسهم شركة جوجل خلال الفترة الأخيرة، ويضاف إليه قلق المستثمرين في الشركة من هذه الحالة. إن النظرية التي تعتمدها جوجل حالياً في خلق القيمة تتمحور حول تسريع الأرباح من خلال محرك البحث والإعلانات لتصب في عملية توظيف الكفاءات واستقطاب المواهب البشرية للداخل، ومن ثم منح الموظفين الحرية الواسعة لاستكشاف ومتابعة ما يريدون. ونلاحظ أن هذه النظرية يتم تطبيقها أيضاً في استثمارات وصفقات الاستحواذ المختلفة التي تقوم بها الشركة، بالإضافة إلى سياسات التوظيف، والرواتب، والوقت الحر الخاص بالموظفين (20%).
استراتيجية كهذه لا يمكن أن تشكل عنصر طمأنينة للمستثمرين الذين كانوا غير متسامحين بهذا الخصوص، حيث أن نظام حوكمة الشركة الذي ابتدعه المؤسسان لاري بيج وسيرجي برين لم يكن ليحميهم من الضغط الكبير للمستثمرين المطالبين بالتغيير. في نهاية المطاف، ومع تباطؤ نمو عائدات الإعلانات عبر محرك البحث جوجل، تجلَى استياء المستثمرين في ركود أسعار أسهمها.
ولذلك لوحظ في الأشهر الأخيرة، قيام الشركة بعدة خطوات لكبح جماح رغبتها بالقيام ببعض الاستثمارات وصفقات الاستحواذ، وتخفيف نفقاتها، وتشديد الضوابط على سياسة ال 20 % كوقت حر خاص بالموظفين. هذه الخطوات شكلت البداية في تغيّر توجه جوجل.
كان لدى بعض المحللين تحفظاتهم الخاصة حول الهيكلية التنظيمية التي تعمل بها جوجل، فهذه الحزمة من الشركات المملوكة لجوجل كانت تشكل عبئاً كبيراً لتقييّمها بشكل صحيح. فالتحدي الرئيسي بالنسبة لهؤلاء يتجلى في أن مقاييس ومؤشرات عمل جوجل لم تكن شفافة وواضحة، كما أن العوائد المالية من محرك البحث وسوق الإعلانات المرتبط به لم يكن بالإمكان فصلها عن الاستثمارات في الشركات الجديدة. هنا تأتي الهيكلية الجديدة لتضمن بالحدود الدنيا أنه سيكون هناك استقلالية في البيانات المالية الخاصة بجوجل عن باقي الشركات والاستثمارات الأخرى، ليصبح بالإمكان تقييمها وقياس أدائها وتقويم عملها بشكل أفضل.
برغم كل هذا، لا يزال الضغط المتزايد والمستمر من قبل المستثمرين أمراً محتوماً. حتى اللحظة، كانت استجابة السوق لعملية إعادة الهيكلة التي قامت بها جوجل إيجابية مع زيادة في سعر أسهم الشركة بنسبة 6%، ومن المتوقع أن يكون لهذه الحركة الهامة تأثير طويل الأمد على أداء الشركة بشكل عام، مع الأخذ بالاعتبار زيادة الشفافية والوضوح حول السيولة النقدية، والصرامة والحزم والمساءلة الأكبر التي ستكون مفروضة على أية استثمارات جديدة.
ومن جهة أخرى، فإن ازدياد الشفافية والوضوح هذا هو أمر جيد بدون شك، ولكنه يعزز عدم القدرة على فصل جميع الشركات المنطوية تحت المظلة الجديدة والمسماة ألفابت. لنجد السؤال يفرض نفسه هنا حول أسباب وجود هذه الشركات مع بعضها البعض في حزمة واحدة؟! ربما كان مستثمرو الشركة ما يزالون مقتنعين بضرورة هذه الحزمة المتنوعة من المشاريع والشركات، أما الآن فلن يعود الوضع كما كان عليه سابقاً مع امتلاك المستثمرين القدرة على رؤية مقدار دعم سوق الإعلانات في جوجل لبقية المشاريع والشركات الأخرى.
إذا قارنا كلاً من شركتي "ألفابت" و"بيركشاير هاثوي"، يمكننا إيجاد بعض نقاط التقاطع. بيركشاير هاثوي هي شركة تجارية عامة تعمل كشركة أسهم خاصة. وكذلك ألفابت على غرارها، فهي تعمل كمظلة لعدد من الشركات غير المترابطة فيما بينها. بجميع الأحوال، الفرق المهم هو أن الشركات التابعة لبيركشاير بشكل عام منتجة للمال، ومهمة بيركشاير هي العمل على تحسين العوائد المالية الناتجة عن أعمالها. بينما تميل ألفابت لكونها مصدر التمويل لأعمالها، والاستثمار في الشركات الواعدة الناشئة حديثاً، وفي بعض الأحيان شركات ذات ملاءة مالية كبيرة.
قامت شركة بيركشاير هاثوي بجمع عدد من المستثمرين الواثقين في رؤيتها للمستقبل ونظريتها في خلق القيمة. وهنا يبرز التحدي الأكبر الذي سيواجه ألفابت: من يرغب بالاستثمار بوقت واحد في محرك بحث، ومشروع أبحاث لمكافحة الشيخوخة، وشركة تجهيزات منزلية، ومشروع طائرات من دون طيار؟
ستجعل الهيكلية الجديدة طلب الاستثمار بالنسبة لـ ألفابت أكثر وضوحاً، ولكن يبقى على عاتق الشركة مهمة إقناع المستثمرين – كما فعلت بيركشاير – أن رؤية ألفابت ونظريتها في خلق القيمة ستجدي نفعاً في المستقبل.
المصادر:
- هنا
- هنا
- هنا