الهندسة والآليات > التكنولوجيا
ميكروفونات مصنوعة من الغرافين تمكن البشر من سماع الدلافين والخفافيش
تصدر الخفافيش أصواتاً ترددية مرتدة لتهتدي بها وتتعرف على طريقها حيث يصدر الخفاش نبضات صوتية قصيرة لها تردد عالٍ لا يمكن للإنسان سماعه وعند ارتطام هذه النبضات بأي عائق سترتد إليه كصدى ليترجمها بسرعة ويقدر المسافة بينه وبين هذا العائق وسرعته بالنسبة للبعد منه وحجم الأشياء من حوله ولاسيما أثناء الظلام.
في مقالنا هذا سنبين لكم كيف قام علماء من جامعة كاليفورنيا في بيركلي بصنع ميكروفونات حساسة للغاية إلى درجة أنها يمكن أن تسجل تلك النبضات الصوتية للخفافيش التي لا يمكن للبشر سماعها عبر إدخال الغرافين في تصنيع تلك الميكروفونات.
في جامعة كاليفورنيا، قام علماء الفيزياء باستخدام الغرافين لصنع مكبرات صوت وميكروفونات الموجات فوق الصوتية ، الأمر الذي يتيح للبشر محاكاة قدرة الخفافيش و الدلافين على استخدام الصوت للتواصل وقياس مسافة وسرعة الأشياء من حولهم.
و من الناحية العملية، فإن أجهزة الموجات فوق الصوتية اللاسلكية تنتج البث الإذاعي القياسي باستخدام الموجات الكهرومغناطيسية. أما في المناطق الذي يكون فيها البث الراديوي غير عملي، كالماء مثلاً، و مع دقة أكبر بكثير من تلك الموجودة في أجهزة الموجات فوق الصوتية أو السونار الحالية، فيمكن لهذه الأجهزة الجديدة أن تستخدم للاتصال عبر الأشياء، كالصلب مثلاً ، سيما أن الموجات الكهرومغناطيسية لا يمكنها اختراقه.
ويقول عالم الفيزياء في جامعة كاليفورنيا أليكس زيتل (Alex Zettl) "تستخدم الثدييات البحرية والخفافيش الأصوات ذات الترددات العالية للتواصل و لتحديد المواقع بالصدى ، إلا أن البشر لم يتوصلوا أو يستغلوا هذه التقنية لأن هذه التكنولوجيا لم تكن موجودة أصلاً " وأضاف "حتى وقتنا الراهن ، لم يكن لدينا أجهزة إرسال أو استقبال للنطاقات العريضة للأمواج فوق الصوتية، حيث تعتبر هذه الأجهزة الجديدة هي فرصة تكنولوجية لنا ".
وتستخدم مكبرات الصوت والميكروفونات التقليدية، أغشية تكون عادةً مصنوعة من الورق أو البلاستيك الذي يهتزّ لإنتاج الصوت أو اكتشافه. أما الأغشية في الأجهزة الجديدة فهي مصنوعة من الغرافين، (وهي طبقة من الكربون بسماكة ذرة واحدة تجمع بين الصلابة والقوة وخفة الوزن)، حيث تقوم هذه الأغشية بالاهتزاز للاستجابة للترددات التي تتراوح بين الترددات تحت الصوتية (أقل من 20 هرتز) و الترددات فوق الصوتية (أكثر من 20 كيلو هرتز). ويذكر أن الإنسان يمكن أن يسمع الترددات التي تتراوح بين 20 هرتز إلى 20000 هرتز، في حين يمكن للخفافيش أن تسمع الترددات بين 9 كيلو هرتز و 200 كيلو هرتز. أما مكبرات الصوت والميكروفونات التي تعمل على الغرافين فتعمل على ترددات من 20 هيرتز إلى أكثر من 500 كيلو هرتز.
يتكون الغرافين من شبكة ذرات الكربون ثنائية الأبعاد و التي لها شكل مشابه لشكل بيوت النحل المتراصة من ذرات الكربون، حيث تتوضع في سداسيات مما يخلق طبقة قاسية و خفيفة الوزن مع خصائص إلكترونية فريدة من نوعها أثارت شغف علماء الفيزياء على مر السنوات العشرين الماضية.
وقال أليكس زيتل (Alex Zettl) وهو أحد كبار العلماء في مختبر لورنس بيركلي الوطني وعضو في معهد كافلي العلوم النانوية والطاقة (كافلي) والذي يعمل بالاشتراك مع جامعة كاليفورنيا في بيركلي ومختبر بيركلي "هناك الكثير من الكلام حول استخدام الغرافين في مجال الالكترونيات والأجهزة النانوية ، إلا أن جميع هذه الاستخدامات بعيدة المنال حالياً، أما الميكروفونات ومكبرات الصوت الجديدة فهي من أقرب الأجهزة القابلة للتسويق تجارياً، لأننا عملنا جيداً على صنع الغرافين وتركيبه وسيغدو الأمر سهلاً للاستمرار بالعمل و التطوير ."
يمكن الاستماع إلى تسجيل صوتي لزقزقة "فوق صوتية" لأحد الخفافيش بواسطة ميكروفون غرافين -حيث تم تقليل السرعة إلى الثُمن.
وقد وصف "زيتل" وزميله "تشين تشو" وباقي الزملاء في جامعة كاليفورنيا بيركلي ميكروفون الغرافين و راديو الموجات فوق الصوتية في ورقة بحثية نشرت على الانترنت بتاريخ 6 تموز في فعاليات الأكاديمية الوطنية للعلوم.
أجهزة الراديو و محددات المدى (معينات المدى):
قبل عامين قام "تشو" بصنع مكبرات صوت باستخدام ورقة من الغرافين كغشاء ويقوم منذ ذلك الحين بتطوير الدارات الإلكترونية لبناء ميكروفون يماثل في مبدئه مبدأ عمل مكبر الصوت (أي أن أغشيته مصنوعة من الغرافين أيضاً). ومن أهم ميزات أغشية الغرافين خفة وزنها بحيث تستجيب بشكل جيد للترددات المختلفة للنبضات الإلكترونية على عكس الميكروفونات ومكبرات الصوت الكهروضغطية "piezoelectric" التي نستعملها اليوم. وسيصبح ذلك في متناول اليد عند استخدام أجهزة الإرسال والاستقبال بالموجات فوق الصوتية لنقل كميات كبيرة من المعلومات عبر العديد من القنوات الترددية المختلفة في وقت واحد، أو لقياس المسافة كما هو الحال في أجهزة السونار. وأضاف "تشو" " وبما أن أغشية الغرافين خفيفة جداً فهي تتمتع باستجابة ترددية واسعة للغاية بالإضافة أنها قادرة على توليد نبضات حادة وقياس المسافة بدقة أكبر بكثير من الطرق التقليدية".
أما الميزة الأخرى لمكبرات الصوت و الميكروفونات المصنوعة أغشيتها من الغرافين فهي الكفاءة، حيث أنها تقوم بتحويل 99% من الطاقة الكهربائية في الجهاز إلى صوت بينما تقوم الميكروفونات و مكبرات الصوت التقليدية فقط بتحويل 8% من الطاقة إلى صوت. ويرى "زيتل" أنه في المستقبل لن تقتصر استفادة أجهزة الاتصالات كالهواتف المحمولة على الموجات الكهرومغناطيسية إنما ستتعداها لتستفيد من الأمواج السمعية وفوق السمعية والتي تتميز بالاتجاهية "directional" و طول المدى.
زقزقة الخفافيش:
عندما أخبر تشو زوجته عن ميكروفون الموجات فوق الصوتية، اقترحت عليه أن يحاول التقاط أصوات الخفافيش ذات الترددات العالية والتي لا يستطيع البشر سماعها. فقام تشو بوضع الميكروفون في حديقة في ليفرمور وتشغيله. بعد أخذ التسجيل وتخفيض سرعته إلى ثمن السرعة العادية وتحويل الترددات العالية إلى نطاق صوت يمكن للبشر سماعه ، ذهلوا من جودة ودقة أصوات الخفافيش.
- طبقة بسماكة ذرة واحدة من ذرات الكربون تسمى الغرافين (الشبكة السوداء) والتي تعمل كغشاء مهتز في الميكروفون ومكبر الصوت للموجات فوق الصوتية.
وقال "مايكل يرتزيف" خبير الخفافيش والمعين حديثاً في جامعة كاليفورنيا وهو أستاذ مساعد في الهندسة الحيوية وعضو في معهد " هيلين ويلز" لعلوم الأعصاب "هذه الميكروفونات الجديدة ستكون قيمة للغاية لدراسة الإشارات السمعية ذات الترددات العالية كتلك المستخدمة من قبل الخفافيش. حيث أن استخدام الغرافين يسمح للباحثين من الحصول على استجابات ترددية مسطحة جداً في مجموعة واسعة من الترددات بما في ذلك الموجات فوق الصوتية، وسوف تسمح بدراسة مفصلة للنبضات السمعية التي تستخدمها الخفافيش.
وأشار "زيتل" إلى أن المهتمين بدقة أداء الأجهزة الصوتية "audiophiles " سيعبرون عن امتنانهم لمكبرات الصوت وسماعات الرأس المبنية على الغرافين والتي تمتلك استجابة مسطحة عبر كامل نطاق التردد المسموع.
ويختم "زيتل" قائلاً " قبل سنوات مضت، كان صنع هذا الجهاز أشبه بالمستحيل نظراً لصعوبة تصنيع أوراق أو أغشية من الغرافين لكن مع تطور صناعة الغرافين أصبحت صناعة هذه الأجهزة أقرب إلى السهولة سيما أنها تتمتع بتصميم بسيط ".
ويشار إلى أن هذا البحث قد تم دعمه من قبل وزارة الطاقة في الولايات المتحدة ومكتب البحوث البحرية والمؤسسة الوطنية للعلوم، ويشار أيضاً أن هذا البحث قد تم بالتعاون مع مايكل كرومي أستاذ الفيزياء في جامعة كاليفورنيا و سيتا اونيشي.
يا ترى ماذا سيقدم لنا العلم في المستقبل مع التطور المذهل لتكنولوجيا الغرافين؟
المصادر: