الفيزياء والفلك > فيزياء
طريق مسدود آخر في وجه التناظر الفائق
في ضربة جديدة لفرضية التناظر الفائق Supersymmetry وهي أحد الفرضيات الهامّة في عالم الفيزياء النظرية والتي تدور حول البنية الأساسية للكون التناظر الفائق، أعلن خبراء يوم الإثنين السابق عن دلائل جديدة حول أحد العمليات على المستوى دون الذري متوافقة تماما مع النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات وهو أحد الدعائم الأساسية التي تستند عليها الفيزياء النظرية اليوم لتفسير كوننا.
اذ أظهرت البيانات الجديدة للتصادمات عالية السرعة للبروتونات في مصادم الهادرونات الكبير LHC أن أحد جسيمات النموذج المعياري المعروف باسم "كوارك الجمال" أو beauty quarck يتصرف كما هو متوقع وفق النموذج المعياري، وفق ورقة بحث نشرت في مجلة Nature Physics.
المحاولات السابقة لقياس تحول هذا الكوارك إلى كوارك عُلويّ أعطت نتائج متضاربة، و هذا ما شجع العلماء لطرح تفسير أوسع من مجال النموذج المعياري كفرضية التناظر الفائق.
لكن وفق ما صرح به غاي ويلكنسون قائد تجربة LHCb (حرف b هنا من كلمة beauty) في مصادم الجسيمات الكبير فإن القياسات الأخيرة "تتوافق بشكل كامل مع النموذج المعياري و تلغي الحاجة لتلك الفرضية، لقد كان مثيراّ جداّ بالطبع لو اننا أكتشفنا أن هناك خطأ ما في النموذج المعياري،فعندها سيكون أمراً مثيراً بِحق".
النموذج المعياري هو النظرية السائدة فيما يخص فيزياء الجسيمات التي تكوّن المادة، و القوى التي تحكمها، و رغم ذلك فإن لهذا النموذج نقاط ضعفه: فهو لا يفسر منشأ الطاقة المظلمة و لا المادة المظلمة و اللتان تشكلان مجتمعتين حوالي 95% من الكون، كما أنه غير متوافق مع النظرية النسبية العامة لآينشتاين، إذ يبدو أن قوة الجاذبية كما نعرفها ليس لها تأثير على المستوى دون الذري حيث تسود قوانين ميكانيك الكم. التناظر الفائق هو أحد البدائل المقترحة للنموذج المعياري لشرح هذه التناقضات، عبر افتراضها لوجود "نظير" أثقل لكل جسيم موجود في الكون.
لكن حتى الآن لم يتم إيجاد أي جسيم نظير فائق للجسيمات المعروفة في مصادم الهاردونات الكبير، و الذي قام رصد وجود كل الجسيمات المفترضة ضمن النموذج المعياري بما فيها بوزون هيغز الذي طال انتظاره و المسؤول عن تفسير كتلة بعض الجسيمات بشكل أساسي.
يفترض التناظر الفائق وجود 5 أنماط من بوزون هيغز على الأقل، لكن حتى الآن لم يُشاهد إلا أحدها و الذي يعتقد بأنه بوزون هيغز المتوقع من قبل النموذج المعياري المعتاد دون أي افتراض إضافي. لكن بنفس الوقت يقول ويلكنسون "إنه من المبكر شطب التناظر الفائق من حساباتنا، فالقضاء على هذه الفرضية أمر صعب. لكن إذا لم تتم رؤية أي من نتائجها خلال السنتين القادمتين فستكون الفرضية عندها في موقفٍ صعب، و سوف ينخفض عدد المؤمنين المخلصين بها".
الكواركات هي عنصر البناء الأكثر أساسية في الطبيعة، و تمثل "لبنات البناء" للبروتونات و النيوترونات و التي بدورها تتواجد في الذرات، و يوجد 6 أنواع من الكواركات: الأكثر شيوعا هي الكواركات العٌلويّة والسُّفليّة بينما تعرف الأربعة الباقية بالكواركات الفاتنة Charm والغريبة Strange والقميّة Top وكوارك الجمال quark Beauty وتسمى الأخيرة أيضا قعريّة Bottom.
"كوارك الجمال" الأكبر كتلة من الكواركات العُلويّة والسُّفليّة يستطيع أن يغير شكله إن صح التعبير متحولاً عادة إلى كوارك فاتن، لكن و بشكل نادر جدا يتحول أحيانا إلى كوارك قمّي، و قد قام فريق ويلكنسن و للمرة الأولى بقياس مدى حدوث ذلك. وعن ذلك يقول ويلكنسون "إننا مبتهجون إذ لم يكن أحد ليعتقد أن هذا النوع من القياسات ممكن في مصادم الهادرونات الكبير". فقد كان من المعتقد أن إجراء القياس قد يتطلب آلة أقوى بكثير لتصل لمستوى طاقة أعلى في صدم الجسيمات.
هذا و قد تمت إعادة تشغيل مصادم الهادرونات الكبير في CERN في حزيران الماضي بعد الإنتهاء من عمليات التحديث و التي استمرت سنتين لزيادة مستوى طاقة تصادم الجسيمات من 8 إلى 13 و من المحتمل أن تصل إلى 14 تيرا إلكترون-فولت.
و قال المدير العام لسيرن رولف هوير للصحفيين في مؤتمر المجتمع الفيزيائي الأوروبي "إذا كنتم تنتظرون سماع أنباء مبهرة ناتجة عن عملية إعادة التشغيل فإن الوقت لا يزال الوقت باكراً بعض الشيء، النتائج الفعلية ستظهر في السنين القادمة لذا ينبغي عليكم أن تبقوا متابعين".
حتى الآن،عملية التشغيل الجديدة بقوة 13 إلكترون-فولت قامت التقطت جميع حسيمات النموذج المعياري عدا بوزون هيغز، إلا أن هوير يقول "نحن متأكدون من أنه موجود".