الطبيعة والعلوم البيئية > زراعة
زراعة التبغ ... التكلفة الحقيقية
أثر التبغ على الإنتاج الغذائي
عندما يقوم المزارعون بإنتاج التبغ، تنقص مساحة الأراضي الزراعية المتوفرة لإنتاج المحاصيل الغذائية. بالرغم من أن زراعة التبغ تتم بالتناوب مع مزروعات أخرى فإن تربة التبغ تكون معرضة للحت المائي والريحي مما يعني انخفاض قدرتها على دعم الإنتاج الزراعي وقد تصبح غير قابلة للزراعة. يضاف لذلك أن التبغ يتطلب مواداً مغذية أكثر من معظم النباتات مما يتسبب بتدهور إضافي في نوعية التربة.
حسب تقرير منظمة اليونيسكو للعام 2010، تبلغ المساحات المزروعة بالتبغ عالمياً نحو 4.24 مليون هكتار (أكبر من مساحة سويسرا) ويبلغ الإنتاج من التبغ غير المعالج نحو 6.82 مليون طن سنوياً وهو يستهلك من المياه الخضراء والزرقاء (مياه الأمطار والري والمياه الجوفية ورطوبة التربة) نحو 41.15 مليون م3 سنوياً. يشير باحثون أيضاً إلى أن صناعة التبغ تتطلب قطع 200000 هكتار من الغابات كل عام (ما يعادل أربعة أضعاف مساحة القاهرة) وتتم هذه العمليات غالباً في البلدان النامية.
تشير التقديرات إلى إمكانية إطعام 10 – 20 مليون نسمة في حال استبدال التبغ بزراعة المنتجات الغذائية.
تبلغ نسبة الأراضي المخصصة لزراعة التبغ مقارنةً بمجمل الأراضي الزراعية في بعض الدول العام (2011) كالتالي: لبنان 7.5 % - مقدونيا 4.8 % - كوريا الشعبية 2.3 % - الأردن 1.3 % - الصين 1.3 %
تدّعي شركات التبغ أن زراعته تعود بمردود اقتصادي مهم للدول النامية إلّا أن منظمة الصحة العالمية تنفي ذلك مشيرة إلى أن الحصة الأكبر من الأرباح ترجع إلى الشركات الكبرى بينما يجد معظم المزارعين أنفسهم عرضة للديون والفقر.
ومن المفارقات أن عدداً من الدول التي تعاني بشدة من مشكلات نقص التغذية لدى شعوبها تصر على الاستمرار بإنتاج التبغ عوضاً عن توفير الأراضي الزراعية والموارد لإنتاج المواد الغذائية فعلى سبيل مثاال تعاني زامبيا نقص التغذية لدى 43% من سكانها فيما تنتج 61500 طن سنوياً من التبغ وكذلك الأمر يعاني 37% من سكان موزمبيق نقص التغذية بينما يتم إنتاج 54450 طن سنوياً من التبغ فيها.
أما في سورياً وتبعاً لبيانات منظمة الصحة العالمية في 2000 بلغت مساحة الأراضي المزروعة بالتبغ نحو 16726 هكتار وتم إنتاج 26112 طن متري من أوراق التبغ و 11097 مليون سيجارة.
تجارب ناجحة للمحاصيل البديلة:
بدأ في كينيا في العام 2006 مشروع الانتقال من زراعة التبغ إلى زراعة البامبو وقد أعطى نتائج جيدة نتيجةً لتقبل المزارعين للفكرة وتوفر التدريب في المجتمع المحلي ويقدر المردود الاقتصادي الناتج بنحو 4 – 5 أضعاف مردود زراعة التبغ عند بيع المنتج الخام أما في حال معالجته وتصنيعه فقد يصل المردود إلى نحو 10 أضعاف مردود التبغ.
أما في الصين فقد بدأ في العام 2008 ،مشروع تجريبي رائد شمل نحو 450 أسرة في بلدية يوشي بمقاطعة يونان لاستبدال زراعة التبغ بمنتجات غذائية بديلة ووصل الزيادة في المردود إلى الضعف (110%) من واحدة المساحة مقارنة بزراعة التبغ وذلك لمزروعات كالعنب والفطر الأبيض.
المبيدات السامة وتدهور التربة:
تعاني نبتة التبغ من الحساسية الشديدة للعديد من الأمراض وبالتالي يضطر المزارعون لاستخدام كميات كبيرة من المسمدات والمبيدات الحشرية والعشبية وخاصة في الدول النامية حيث تتم زراعة معظم التبغ في ظل عدم توفر القوانين البيئية وافتقار آلية العمل لأدوات الحماية ومعالجة الآثار الخطيرة للمبيدات. لا يقتصر خطر المبيدات فقط على العاملين في زراعة التبغ وتخزين ورش المبيدات حيث أن هذه المواد الكيميائية ترشح إلى التربة وتجد سبيلها إلى المجاري المائية مما يتسبب بتلوث مصادر مياه الشرب والسلاسل الغذائية مما يهدد بمشاكل صحية واسعة الانتشار. وقد تحمل المبيدات آثاراً على الحشرات بحيث تؤدي لظهور أنواع أكثر مقاومة مما يصعب محاربة بعض الأمراض كالملاريا مثلاً.
بالرغم من وجود قوانين في الدول الغربية لحماية المزارعين من خطر الملوثات، إلا أن استمرار استخدام المبيدات يعرض صحة الإنسان والنظام البيئي للخطر حيث وجدت آثارٌ لها في المياه السطحية والجوفية ويعتقد أنها تتسبب بخسائر كبيرة في الحياة الطبيعية.
وقد عبرت منظمة الصحة العالمية عن قلقها من الآثار النفسية العصبية التي تظهر على العاملين في مجال التبغ والمعرضين للمبيدات الفوسفاتية العضوية حيث تبدي الدراسات ارتفاع نسب الاكتئاب والانتحار لدى مزارعي التبغ في البرازيل. في المكسيك أيضاً، أكدت دراسة ارتفاع نسب الاكتئاب وفقر الدم لدى الأطفال العاملين في مزارع التبغ وتعرضهم لمستويات سامة من تركيز المبيدات.
بالرغم من أن شركات التبغ كانت تقوم في مطلع التسعينيات بتشجيع المزارعين على استخدام المبيدات الكيميائية، إلّا أنها تُصرّح حالياً باتخاذها لخطوات دائمة للتقليل من استخدام المبيدات.
وتتسبب طبيعة الزراعة الكثيفة للتبغ في تدهور سريع للتربة لاستنزافها المواد المغذية التي تؤمنها التربة وذلك بشكل أسرع من معظم المزروعات الأخرى. كما أنه الزراعة المتكررة للتبغ ومع تقدم الزمن تجعل من الصعوبة بمكان للمزروعات البديلة النمو والاستمرار حتى بعد إيقاف زراعة التبغ.
يضاف لذلك الممارسات الخاصة بزراعة التبغ كإزالة الأوراق والأفرع الصغيرة بما يضمن نمواً أكبر للأوراق الأفضل والتي تعود بمردود اقتصادي أعلى. حيث يتم ذلك بشكل يدوي أو كيميائي ويتم هدر جزء مهم من مغذيات التربة دون حصول زيادة فعلية في الإنتاج.
مرض التبغ الأخضر:
إضافة إلى الأضرار الصحية الناجمة عن استخدام المبيدات يتعرض مزارعو التبغ إلى مرض خاص بمهنتهم يدعى مرض التبغ الأخضر Green Tobacco Sickness. ينتج هذا المرض عن امتصاص التبغ عبر الجلد بالتلامس مع الأوراق الخضراء حيث تتضمن أعراضه الغثيان ووهناً عاماً ودواراً و تشنجات داخلية وتغيرات في ضغط الدم ومعدل ضربات القلب. تسجل الدراسات أن ربع المزارعين معرضون للإصابة به مرّة على الأقل خلال حياتهم. أما الأطفال العاملون في جمع التبغ فهم معرضون بشكل خاص لمرض التبغ الأخضر ويمتصون ما يقارب 54% مغ من النيكوتين يومياً مما يتسبب لهم بمشاكل سميّة كبيرة.
المصادر:
بيانات عن سورية من منظمة الصحة العالمية هنا
استهلاك الأراضي والمياه في زراعة التبغ
Mekonnen، M.M. and Hoekstra، A.Y. (2010) The green، blue and grey water footprint of crops and derived crop products، Value of Water Research Report Series No. 47، UNESCO-IHE، Delft، the Netherlands هنا