الفيزياء والفلك > فيزياء
المادة المظلمة قد تكون السبب في وجود المجرات الميتة في عنقود Coma المجرّي
عنقود "كوما" Coma المجرّي، هو تجمّع للمجرّات يقع على بعد 300 مليون سنة ضوئيّة. لهذا العنقود المجري سرٌّ "مظلم"، فبمجرد جذبه لأي مجرة جديدة لتستقر داخله فإن تلك المجرة تتجه نحو موتها، والموت هو الحالة التي وصف بها العلماءُ المجرات التي تتوقف عن تشّكيل النجوم الجديدة، ويبدو أن السر الكامن وراء هذا العنقود المُميت هو في احتوائه على كمية مذهلة من المادة المظلمة (أو ما قد يسمى أيضا المادة الخفيّة).
تُشكّل المادة المظلمة لغزاً من أهم الألغاز الفيزيائيّة في وقتنا الحالي، يفترض العلماء أنها تتألف من جسيمات ذات كتلة _يبدوا الأمر طبيعيّا كأي مادة أخرى_ لكن ما يميّز المادّة المظلمة هو أنّ جسيماتها لا تبعث أو تمتص الضوء أو أي إشعاع كهرومغناطيسي آخر على أي مستوى. أي انّه لا يمكن رؤية المادّة المظلمة بشكل مباشر باستخدام التلسكوب، حيث نستدل على وجود المادّة المظلمة في المجرّات و العناقيد المجريّة من خلال تأثيرات جاذبية كتلتها على المادّة المرئيّة (مقال عن بعض تفسيرات المادة المظلمة هنا ).
مؤخراً نُشر بحث استُخدِمت فيه تقنية متطورة في المحاكاة الحاسوبية لدراسة المجرات التي انجرفت نحو العنقود المجري "كوما" الذي يُعتبر واحداً من أكبر البنى في الكون حيث يحتوي على آلاف المجرات المرتبطة مع بعضها بفعل الثقالة، و تبعاً لتلك المحاكاة الحاسوبية يُتوقّع أن يحتوي عنقود "كوما" على كميّة هائلة من المادة المظلمة تفوق المادّة المرئيّة بمئة مرّة.
يقول "كاميرن يوزين" طالب الدكتوراه في جامعة استراليا الغربية والمشرف على هذه الدراسة " إن كانت نظريات تطوّر المجرّات الحاليّة صحيحة فإنه وبحسب المحاكاة الحاسوبية التي استخدمت في الدراسة، فمن الممكن أن تكون المجرّات انجرفت إلى داخل العنقود قبل سبعة مليارات عام مما يعني أنها كانت تحتوي على كميّة هائلة من المادّة المظلمة الّتي قامت بحماية المادّة المرئيّة (العادية) من التمزق داخل العنقود المجري بفعل الجاذبية بين المجرّات المختلفة."
إنّ المجرّات التّي درسها "يوزين" داخل عنقود كوما، ذات حجم مقارب لحجم مجرّة درب التبانة الّتي ننتمي إليها، لكنها تعاني نقصاً حادّاً في عدد النجوم يبلغ 99 % مقارنة بعدد النجوم في مجرّتنا. بعبارة أخرى تحتوي كل من تلك المجرّات على 1% فقط من كميّة النجوم الموجودة في مجرّة درب التبانة.
يُعزى نقص كميّة النجوم في عنقود كوما إلى جاذبيّة العنقود الهائلة. المجرة السليمة القابلة للنمو تحتوي على النجوم والمكونات اللازمة لشكيل النجوم الجديدة (الغبار والغاز) . يقول "يوزين" : " تتشكّل المجرّات حين تنهار سحب كبيرة من غاز الهيدروجين بتأثير الجاذبية فتتحوّل إلى نجوم، لكن إذا فُقِد الغاز فلن تتمكّن المجرّة من النمو و تشكيل أيّ نجوم جديدة " .
تقوم جاذبيّة عنقود كوما الكبيرة بجذب المجرّات حديثة العهد الّتي تمر بقربه، لكن معظم الغبار والغازات داخل تلك المجرات تُقذف بعيداً بفعل الغازات الساخنة الموجودة داخل العنقود،أي أن هذه المجرات فقدت المواد الاساسيّة اللازمة التي تمكنها من النمو و تشكيل نجوم جديدة. يطلق العلماء على هذا النوع من المجرات تسميّة " المجرّات الفاشلة" أو "المجرات المُعطَّلة". تحصل هذه العمليّة في كافة أنحاء العنقود مما يجعل العنقود غنيّاً بالمجرّات الفاشلة. تدعى هذه العمليّة بعمليّة "الإخماد ". و قد تبيّن لـ"يوزين" و فريقه تبعاً للمحاكاة الحاسوبية التي قاموا بإجرائها أنّ هذه العملية بدأت أبكر مما كان يعتقدون سابقاً.
يضيف الباحث "يوزين": " لقد أُثبتّ للمرة الأولى عن طريق المحاكاة الحاسوبيّة التي قمت بإجرائها أنّ هذه المجرّات التي انضمت إلى عنقود "كوما" قد أٌخمِدت قبل سبعة مليارات سنة".
العلاقة بين المادّة المظلمة داخل العنقود و العنقود نفسه هي علاقة معقّدة. تقوم المادّة المظلمة بحماية أجزاء المجرّة، في حين تفقد المجرة غازاتها بسبب الكميّة الهائلة من المادّة المظلمة في عنقود كوما. لذلك نجد أنّ المادّة المظلمة تحمي المجرات و تدمّرها في الوقت ذاته !
يختم يوزين بقوله : " استطاعت المجرّات أن تحافظ على وجودها في تلك البيئة لأنها تحتوي على كميّة من المادة المظلمة تكفي للحفاظ على المادة المرئيّة وحمايتها من التمزّق".
المصدر: هنا