كتاب > روايات ومقالات
إننا نحيا بلا حياة ، إننا أموات بغير موت..
في مكان يحزن فيه الأموات على الأحياء، مكان تسطر به المعاناة على كل جدار فيه، مكان يولد فيه الحزن من رحم المعاناة. في هذا المكان سطر دويستوفسكي رائعته "ذكريات من منزل الأموات". هو دانتي ذلك العصر حيث هبط إلى جحيم مرعب أكثر من جحيم دانتي. جحيم ليس في مخيلة الكاتب فحسب بل هو عالم من الأشغال الشاقة، مليء بخليط من السجناء القتلة واللصوص من جميع الطبقات الذين كانوا يرددون على سبيل الموعظة بالأقوال المأثورة والأمثال المضروبة، دون أن يأخذوا هذه الأقوال مأخذ الجد، فما كانت إلا كلمات يطلقونها في الهواء، وهل اعترف واحد منهم بأنه آثم ؟ أبداً.
ففي هذا المكان ليس يندر أن نرى أناساً كانوا مضطهدين مروعين فإذا هم يصبحون حريصين على أن يضطهدوا غيرهم و أن يروعوا غيرهم. هؤلاء السجناء رجال غلاظ لا يخالج ضمائرهم أي ندم، بل إن بعضهم يجسد الشر المطلق، لا يشعر بشيء إلا للشهوات الجسمية، ولا يتورع عن شيء في طريق رغباته. بذور الغرائز الحيوانية موجودة عند جميع الناس، ومهما كان الإنسان خيراً فإن العادة تجعل قلبه قاسياً حتى ليسكره الدم والسلطة فيولد التوحش والفساد.
وعلى الرغم من فداحة هذا الجحيم فإن فيه أناساً يمكن تبرير أفعالهم من الناحية الأخلاقية بدفاعهم عن حبهم، أو شرفهم، أو دينهم، أو من أراد أن يغير مصيره وقسوة عيشه فاختار الجحيم مباشرةً ليتخلص من عذابه. هؤلاء دفعتهم قسوة مضطهديهم إلى الجريمة لتكون مصيبة لهم مدى حياتهم. جريمة لم يستطيعوا الابتعاد عنها ليصبحوا أشقياء أبد الدهر.
ومهما كان هؤلاء أشراراً فلربما لم يكونوا أكثر شراً من غيرهم، من أولئك الذين يعيشون خارج هذا الجحيم و يرتكبون شتى أنواع القسوة والاضطهاد. فجذور الخير ما زالت موجودة فيهم ولربما يملكون ملكات رائعة ولكنها دفنت إلى الأبد بين أسوار سجنهم هذا.
يطرح دويستوفسكي في روايته هذه الصراع بين الخير والشر في كل نفس بشرية، فهو كان سباقاً في نظرية التحليل النفسي وفي سبر أغوار النفس البشرية عن طريق واقعيته الخيالية التي تميزت بها كل أعماله.
اتبع دويستوفسكي أسلوب الراوي المتكلم في هذه الرواية الذي أطلق عليه اسم ألكسندر بتروفيتش، الذي هو في الحقيقة دويستوفكسي عندما خاض تجربة السجن حيث بدأ بكتابة روايته أثناء وجوده في السجن وقام بنشرها بعد خمس سنوات من خروجه لتحدث ضجة كبيرة أدت إلى إلغاء العقوبات الجسمية في روسيا القيصرية آنذاك.
الكتاب: ذكريات من منزل الأموات
تأليف: فيودور دويستوفسكي
ترجمة: د. سامي الدروبي
دار النشر: دار ابن رشد. بيروت
نوعية الكتاب: 485 صفحة قطع متوسط.