البيولوجيا والتطوّر > علم المورثات والوراثة
طول التيلومير قد يزيد خطر الإصابة بسرطان الرئة!
بعد إحدى البحوث الجينيّة الموسّعة والمخصّصة لدراسة العلاقة بين طول التيلومير وخطر الإصابة بخمسة أنواع من السرطان، توصّل الباحثون إلى وجود ارتباط بين طول التيلومير وبين ازدياد خطر الإصابة بنوع من سرطان الرئة يُدعى أدينوكارسينوما "Adenocarcinoma". بينما لم يتم رصد أيّ ارتباط آخر بين طول التيلومير وبين أنواع أخرى من السرطانات الرئيسيّة أو الفرعيّة. حيث استخدمت هذه الدراسة التي أجراها علماء من جامعة شيكاغو وسيلة جديدة لقياس الاستعداد الوراثي لوجود تيلوميرات طويلة عند الفرد، وذلك بدلاً عن إجراء القياسات الفيزيولوجيّة المباشرة لطول التيلوميرات والتي تعزوها الدقّة بسبب وجود عوامل ومتغيّرات أخرى كعمر الفرد وأسلوب حياته. نشرت نتائج البحث في Human Molecular Genetics في 29 تموز 2015.
يقول الدكتور Brandon Pierce الذي يقود البحث، وهو الأستاذ المساعد في علوم الصحّة العامة بجامعة شيكاغو، "إنّ عملنا يقدّم أدلة دامغة على وجود ارتباط بين طول التيلوميرات وبين ازدياد خطر الإصابة بسرطان الرئة أدينوكارسينوما. وتنص الفرضيّة السائدة على أنّ التيلوميرات القصيرة مضرّة للصحّة، لكن يبدو أن ذلك لا يترجم بالضرورة إلى أمراض سرطانية".
إنّ التيلوميرات هي عبارة عن أغطية واقية أو "قبّعات" للـDNA تمنع تلف نهايات الكروموزمات. حيث أنَّ الخلية تفقد جزءاً من هذا التيلومير في كل انقسام لها، وهذا بالتالي يؤدّي إلى تناقص طول التيلومير مع مرور الوقت، والذي يمكن تخيله كفتيل أو قتبلة موقوتة قد تنفجر وتتسبب بموت الخليّة أو بإضطرابات جينيّة أخرى.
كان قصر التيلوميرات يٍعدّ من مسبّبات الشيخوخة وأمراض القلب، إلا أن علاقته بخطر الإصابة بالسرطان غير واضحة حتى الآن، إذ أن الجهود الساعية لدراسة العلاقة المباشرة بين المخاطر السرطانيّة وبين طول التيلوميرات كانت غالبًأ ما تتسّم بالصعوبة، لأنّ طول التيلوميرات قد يختلف بشكل كبير بسبب عوامل عدّة كالعمر وأسلوب الحياة ومدى تقدّم حالة السرطان.
ولكي يتمّ تجاوز تلك العقبة، لجأ الدكتور Pierce وزملاؤه إلى طريقة التوزيع المندليّ العشوائيّ، والتي تعتمد على حساب طول التيلوميرات بناءً على العوامل الجينيّة، حيث تمّ توليد تلك العلامة (score) بناءً على مجموعة من المتغيّرات الجينيّة التي جرى تحديدها في دراسات سابقة. وبما أنّ المعلومات الجينيّة تبقى ثابتة بالرغم من التناقص الفيزيائيّ لطول الجينيات، فإنّ تلك القياسات المستخدمة في البحث مكّنت الباحثين من إجراء مقارانات غير متحيّزة لمخاطر الإصابة بالسرطان.
قام الفريق بمقارنة طول التيلوميرات مع خطر الإصابة لكل من سرطان الثدي، الرئة، القولون، المستقيم، المبيض والبروستات، بما فيها الأنواع الفرعية لهذه السرطانات، وباستخدام بيانات جينومية لأكثر من 50.000 حالة سرطان، و60.000 عينة شاهدة (سليمة) من خلال شبكة GAME-ON (الآليات والارتباطات الجينية في علم الأورام Genetic Associations and Mechanisms in Oncology)، وجد فريق البحث أنّ التيلوميرات الطويلة مرتبطة بشكل كبير بازدياد خطر الإصابة بسرطان الرئة، وبشكل خاص سرطان الرئة من نوع "أدينوكارسينوما". حيث أنّ خطر الإصابة كان أكبر بمرّتين لكلّ ألف زوج من التليوميرات الطويلة. وعلى نحو غير متوقّع، لم يجد الباحثون أيّة ارتباطات بين التيلوميرات القصيرة وبين خطر الإصابة بالسرطان. بل إنّ خطر الإصابة بسرطان البروستات هو الوحيد الذي أبدى ارتباطُا إيجابيّا بسيطًا بالتيلوميرات الطويلة، إلى جانب سرطان الرئة المذكور آنفاً.
ذكر Chenan Zhang كاتب الدراسة، وخريّج قسم علوم الصحّة العامة في جامعة شيكاغو، أنّ طريقة التوزيع المندليّ العشوائيّ تعتبر وسيلة هامّة تسمح لنا بفحص طول التيلوميرات دون الوقوع في فخ التحيّز ،والذي غالبّا ما ينجم عن إجراء القياسات الفيزيائيّة المباشرة لها. وأضاف Zhang أنّه يجب التحقيق بصورة أكبر في تلك النتائج الدالة على الارتباط الإيجابيّ بين طول التيلوميرات وبين سرطان الرئة " أدينوكارسينوما" وذلك بهدف تحسين التنبؤات من أجل الحدّ من هذا النوع الشائع من السرطانات.
وقد اقترح الفريق المشرف على البحث تفسيرًا محتملًا لتلك الظاهرة، وهو أنّ الطول الزائد للتيلوميرات يمكّن الخليّة من الخضوع لعدد أكبر من دورات الإنقسام والتي تتسبب بدورها بتقصير طول التيلوميرات، وهذا بالتالي قد يسمح للخلايا بالعيش لوقت أطول ويمنحها فرص أكثر لتُراكِم الطفرات المسرطِنة.
وبالرّغم من أنّ نتائج البحث قد سلّطت الضوء على الدور غير الواضح الذي تلعبه التيلوميرات في بيولوجيا السرطان، إلّا أنّ للدكتور Pierce وزملائه ملاحظة هامّة حول البحث، فقد نوّهوا إلى أنّ التوزيع المندليّ العشوائيّ يُقدّم تقديرات عن العلاقات السببيّة،لكنّ التقديرات قد تكون متحيّزة في حال كان للمتغيرات الجينيّة المقاسة في الدراسة تاثير مستقل على خطورة الإصابة بالسرطان من جهة، وطول التيلوميرات من جهة أخرى.
والحريّ بالذكر أنّ لطريقة التوزيع المندليّ العشوائيّ مزايا هامّة؛ فقد تمّ استخدامها بنجاح للبحث في مجال الإرتباطات كارتباط أمراض القلب بأنواع الكوليسترول. ويقوم الفريق حاليًأ بإجراء دراسات أخرى عن طول التيلوميرات لمجموعات أخرى، كي يتمكّنوا من معرفة تأثير العوامل الأخرى على زيادة خطر الإصابة بالسرطان، كعوامل العمر أو الجنس أو تاريخ التدخين أو أيّة عوامل أخرى.
وقد ذكر الدكتور Pierce أنّ العلاقة المعقّدة بين التيلوميرات وخطر الإصابة بالسرطان هي من العلاقات التي يجب أن نفهمها بصورة أعمق. وأضاف أنّ هذه الدراسة تعطينا تقييمًا عن العلاقة السببيّة والتي يمكن أن تخدم كمنارة لتطوير التدخلات في المستقبل.
المصدر: هنا
البحث الأصلي: هنا