الطبيعة والعلوم البيئية > عجائب الأحياء

' كيفَ تُسافرُ

تماماً كما نَصعدُ في الحافلةِ كلّ يومٍ لنذهبَ إلى المدرسةِ أو أماكنِ عملِنا أو أماكنِ التسليةِ أو لتناولِ الغداءِ، تَستخدمُ الدّيدانُ مخلوقات أخرى لتَتَنَقّل إلى أماكنٍ أكثرَ وفرةً بالطعامِ و أكثرَ ملائمةً للنّموِ و التّكاثر.

تُعتبر ديدان ال Caenorhabditis elegans (أو ال C. Elegan) من أكثر الكائنات الحيّة التي تمت دراستها من قبل الباحثين لبساطتها وصغر حجمها ودورة حياتها القصيرة. ولكن الغريب هو أننا لانعلم إلا القليل عن حياة هذه المخلوقات ضمن بيئتها الطبيعية، أي خارج المختبرات.

عندما تَتَغذى الرّخويات كالبزّيق و اليَرَقاتُ على أوراقِ النّباتاتِ المُغطاة بأصنافٍ عديدةٍ من الدّيدان خاصةً ال C. Eleganتدخل هذه الأخيرةُ جسد البزيقِ أو اليرقةِ أو غيرِها و تبقى في أمعائها حتّى يتم طرحَها خارجاً مع البراز بعيداً عن مكانها السابق. بحسب دراسة لجامعةKiel الألمانية فإنّ الدّيدان طوَّرت هذه الطّريقةَ للتنقَل بسهولةٍ وأمانٍ إلى أماكنَ لم يكن بإمكانها الوصولُ إليها بدونِ مُساعدةٍ أو "تطفل". صرّح هينري شوينبورغ المشارك في هذه الدراسة أن المفاجأة الحقيقية كانت أن تلك الديدان حافظت على حياتها داخل كائن حيٍّ آخر.

قد لا تشكّل هذه الديدانُ أيّ خطرٍ أو إزعاج مباشر عند استخدامها اللافقاريات للتّنقل إلى أماكن أخرى، لكنها تقوم أحيانا بقيادة الكائن "المُضيف" إلى أماكن معينة، معرضةً إياه للخطر بشكل غير مباشر. يوضّح الباحثُ كارل زيمر صاحب كتاب Parasite Rex كيفيّة دخولِ هذه الديدان جسدَ الحلزونِ حيث يتناولها الأخير مع أوراقِ النباتاتِ بغير قصدٍ، و تبدأُ الدودةُ بالصعودِ نحو دماغِه ومِجسّاته التي تعلو رأسهُ و تدفع بنفسها نحو الأعلى مجبرةً إيّاه على الصعودِ بنفسهِ الى أماكنَ مكشوفةً ومعرّضةً لضوءِ الشّمسِ. بما أن مجسّات الحلزون شفافةٌ، تَكونُ الدّودَةُ مرئيّةً وبِحركَتِها النّابضةِ تُضفي لوناً وحركةً فتجذبُ الطّيور لتناولِها رغبةً منها بالدّخول إلى جسدِ الطّائرِ. إن هذه المراوغة التي تقوم بها الديدان تدفع الطيور للإعتقادِ بأن مجسّاتِ الحلزون هي يَرَقةٌ فيقومُ بقضمِ المجسّاتِ وتناول الدّودةِ الطّفيليّة. في جسد الطّائر، تنتقل الدوة الطّفيليّةُ من الأمعاء إلى الشّرجِ حيثُ تنمو إلى سنّ البلوغِ وتنتجُ بيوضاً تُلقى خارجاً مع برازِ الطّائر. يقوم حلزونٌ بدوره بالتغذي عليها، من دون قصد، وتعود البيوض الى جسده من جديد وبهذه الطّريقة تحافظُ هذه الكائناتُ الصّغيرة على استمراريتها.

بالرغم من أن هذه الديدان هي من أكثر الكائنات التي درسها الانسان في المخابر، إلا أننا نُدهَشُ بتَعلّم المزيدِ عنها كلّما نظرنا اليها عن كثب ضمن بيئتها الطبيعية، حيث تكشف لنا دورة حياتها القصيرة عن العديد من أسرار الطبيعة الغنية بالاستراتيجيات المُذهلةِ والمُلهمة الناتجة عن مخلوقٍ طوله ميليميتر واحد فقط!

مصادر:

هنا

هنا