الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد
واقع البطالة في سورية
يمكن القول أن مشكلة البطالة هي مشكلة متجذرة في واقع الاقتصاد السوري. أما حديثاً فقد أدت الأحداث التي طرأت على الاقتصاد في سورية في السنوات الأخيرة إلى تفاقم هذه المشكلة بالطريقة التي انعكست سلبياً على سوق العمل في سورية.
يحاول هذا المقال أن يسلط الضوء على واقع البطالة في سورية قبل الأزمة وخلالها، ومعدلات التشغيل واتجاهاتها خلال السنوات العشر الأخيرة.
حافظ معدل البطالة في سورية – بشكل عام - على مستوى مستقر بنحو 8% خلال الفترة الواقعة بين عامي 2003 و2010، مع العلم أن هيئة مكافحة البطالة أوردت أن نسبة العاطلين عن العمل هي 15% في حين قدر مشروع برنامج الإصلاح الاقتصادي6 نسبة العاطلين عن العمل في عام 2002 بنسبة 9.5%. في موضع آخر، أشار تقرير التحديات التنموية في الدول العربية UDNP، 2011)) إلى ارتفاع في معدل البطالة بين الإناث في العام 2010 إذ بلغ ما يقارب 22%، ليحتل المرتبة الثانية بين أعلى المستويات في الدول العربية. وقد ترافقت البطالة بانخفاض هام في معدلات المشاركة في قوة العمل، وبضعف في معدلات خلق فرص عمل جديدة.
المصدر: المكتب المركزي للإحصاء
وتشير الإحصاءات المنشورة من قبل المكتب المركزي للإحصاء إلى ارتفاع معدلات البطالة في الريف عن المدينة، "إضافة إلى عدم التناسب بين معدل النمو السكاني في المحافظات المختلفة ومعدل البطالة السائد في تلك المحافظات؛ مما يعني أن البطالة في هذه المحافظات تتأثر بعوامل أخرى غير الزيادة السكانية الطبيعية"5. وحسب المسوحات التي قام بها المكتب المركزي للإحصاء، كانت نسبة العاطلين عن العمل من فئة 15-24 عاماً تقارب 72.3% من مجموع العاطلين عن العمل، أي ما يزيد على ثلاثة أمثال حصتهم من السكان والمقدرة بـ 22.8%، أي أن البطالة ليست متحيزة ضد الإناث فقط وإنما ضد الشباب أيضاً، حيث تبدو المشكلة - بشكل واضح - بين شريحة الشباب، سواء الذين يفتقرون إلى مهارات وخبرات تدريبية أو الخريجون الجدد من الجامعات والمعاهد المتوسطة وحتى المدارس الفنية والمهنية.
أسباب البطالة في سورية
تنشأ البطالة في المجتمع عادةً متأثرة بعوامل كثيرة، منها ما هو اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي أو تقاني أو سكاني أو إداري ..إلخ. وبالمجمل فإنه يمكن تقسيم أسباب البطالة في سورية إلى قسمين أساسيين، وهما الأسباب المتعلقة بعرض العمل والأسباب المتعلقة بالطلب على العمل.
أولاً- أسباب جانب العرض:
1- ارتفاع معدل النمو السكاني، حيث تضاعف عدد السكان ثلاث مرات في الفترة بين 1970 و2004.
2- ارتفاع معدل نمو قوة العمل
3- انخفاض المستوى التعليمي لقوة العمل
ثانياً- أسباب جانب الطلب:
1- انخفاض معدلات النمو الاقتصادي وتذبذبها الحاد
2- انخفاض معدلات الاستثمار نسبياً
3- "كما ساهم سوء توزيع الثروات والدخول في تفاقم مشكلة البطالة من ناحيتين: الأولى عبر نزوح الرساميل الناجمة عن ظهور ثروات كبيرة مما حرم الاقتصاد الوطني من رساميل كان يمكن استثمارها، والثانية أن سوء التوزيع تضمّن عدم تناسبٍ ولدرجة كبيرة بين الدخول النقدية لغالبية الناس أو لشريحة كبيرة منهم وبين الأسعار السائدة في السوق، وهذا أدى إلى نقص في القوة الشرائية بالنسبة للأسعار السائدة، مما ساهم في خلق الركود التضخمي الذي يتصف به الاقتصاد السوري ويؤثر سلباً على الاستثمار ومستوى التشغيل"4.
ويضاف إلى الأسباب السابقة أسباب أخرى، من أهمها محدودية الموازنة العامة للدولة، ومن ثم محدودية ما يخصص منها للتعليم، والاحتفاظ بأعداد كبيرة من العاملين الذين بلغوا سن التقاعد بسبب ظروف اجتماعية معينة، والبطئ في إيجاد فرص العمل في المشاريع الإنتاجية الحقيقة القادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من الخريجين والباحثين عن العمل.
كل العوامل السابقة أدت إلى إضعاف جانب الطلب على عنصر العمل الذي ينمو بمعدلات عالية من الناحيتين الكمية والنوعية، وأدى إلى مفاقمة مشكلة البطالة، واستمرار معدلاتها المرتفعة على الرغم من المحاولات التي بذلت لمعالجتها.
البطالة خلال الأزمة
إن مسح قوة العمل لعام 2011 والذي نفذ بعد بداية الأزمة، يبين أن معدل التشغيل انخفض من 39% عام 2010 إلى 36.1% عام 2011. كما أظهر المسح ارتفاع معدلات البطالة من 8.6% عام 2010 إلى 14.9% عام 2011، حيث ارتفع عدد العاطلين عن العمل من حوالي 475 ألف
شخص عام 2010 ليصل إلى حدود 865 ألف شخص في عام 2011. كما نلحظ ارتفاع البطالة بين الإناث بشكل ملحوظ بين عامي 2010 و2011 كما يبين الشكل الآتي:
المصدر: المكتب المركزي للإحصاء
بهدف الوصول إلى قيمة تقريبية لتأثير الأزمة على سوق العمل، قام التقرير المعد من قبل المركز السوري لبحوث السياسات بمقارنة السيناريو الاستمراري ( بافتراض عدم وجود الأزمة ) مع سيناريو الأزمة. "ويبين الجدول أن أثر الأزمة على سوق العمل كبير إذ يخسر الاقتصاد السوري حتى نهاية عام 2012 حوالي مليون ونصف فرصة عمل، وترتفع نسبة العاطلين عن العمل بحوالي 24.3 نقطة مئوية ( من 10.6% إلى 34.9% ). وبناءً على عدد فرص العمل التي خسرها الاقتصاد، فمن المتوقع أن تتأثر الحالة المعيشية سلباً لحوالي 6 مليون سوري على اعتبار أن معدل الإعالة ( عدد السكان على عدد المشتغلين ) بلغ 4.14 عام 2010"1.
نخلص إلى أن التوصية الرئيسية لمعالجة مشكلة البطالة في سورية بشكل عام تتركز في زيادة معدل الاستثمار في الاقتصاد السوري وخاصةً في القطاعات كثيفة الاستخدام لعنصر العمالة (وقد يقدم النموذج الهندي بعض الفائدة في ذلك)، وتحسين ظروف سوق العمل، ووضع خطط للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ورفع مستوى التنمية البشرية والتطوير العلمي-التقاني في فروع الاقتصاد جميعها.
المصادر:
1- " الأزمة السورية، الجذور والآثار الاقتصادية والاجتماعية " . تقرير معد من قبل المركز السوري لبحوث السياسات عام 2013. www.scprsyria.org/att/1360366400_6xyyP.pdf
2- المكتب المركزي للإحصاء هنا
3- " الأبعاد الحقيقية لمشكلة البطالة في سورية" الدكتور صابر بلول، مجلة جامعة دمشق، العدد الثاني، 2002. www.damascusuniversity.edu.sy/mag/.../balloul.pdf
4- " العوامل المؤثرة في البطالة في الجمهورية العربية السورية، دراسة تطبيقية باستخدام منهجية التكامل المشترك " الدكتور عماد الدين أحمد المصبح. هنا
5- د.نبيل مرزوق، البطالة والفقر في سورية، (ملفات اقتصادية: 2001/5/6)، جمعية العلوم الاقتصادية السورية، سورية هنا
6- د.مطانيوس حبيب، مداخلة في مسألة البطالة، (برنامج ندوة الثلاثاء الاقتصادية السابعة عشرة حول التنمية الاقتصادية والاجتماعية في سورية 7/7/2004) جمعية العلوم الاقتصادية السورية، سورية