البيولوجيا والتطوّر > علم المورثات والوراثة
الإبداع والاضطرابات النفسية، هل من رابط بينهما؟
لربما شعرت يوماً أنَّ الأشخاص الأكثر إبداعاً في كثيرٍ من الأحيان يصارعون أخيلتهم وأفكارهم، وإذا عدنا إلى اليونان القديمة، فقد اعتبر القدماء أنَّ العبقرية الخلاقة كثيراً ما ترتبط مع الأمراض العقلية. أما الآن، تزعم دراسة جديدة نُشرت في Nature Neuroscience أنَّ المواهب الإبداعية والاضطرابات النفسية قد يكون لها جذور وراثية مشتركة.
في بحثٍ أجري في King’s College London، أشار الباحثون إلى أنَّ المورثات التي تزيد من خطر إصابة الفرد بالفصام والاضطراب ثنائي القطب يمكن أن تستخدم أيضاً للتنبؤ بمقدرته الإبداعية. مع ذلك، فقد سارع بعض الباحثون إلى انتقاد الدراسة لأنهم يرون أنه بالرغم من أنَّ هذه العلاقة ممكنة، إلا أنها تبقى صغيرة لدرجة تجعل قدرتها التنبؤية محدودة للغاية.
في هذا البحث، قام العلماء بدراسة البيانات الجينية ل 86 ألف من الايسلنديين، وقامو بتحديد المُتغيرات الوراثية المرتبطة بحدوث الفُصام والاضطراب ثنائي القطب، وبعد ذلك بحث العلماء عن هذه المُتغيرات الوراثية لدى مجموعة من الأشخاص يبلغ عددهم ال 1000 شخص، والذين يُصنفون كمبدعين (فنانين، أدباء، رسامين، راقصين...) وغيرهم من المنتسبين للجمعيات الوطنية التي تُعنى بالإبداع بكافة أشكاله في آيسلندا. وقد وجدت الدراسة أنَّ هؤلاء المشاركين لديهم فرصة للإصابة بالاضطرابات النفسية بنسبة مقدارها 17% أكثر من الأشخاص الآخرين.
ثم توسعت الدراسة إلى أكثر من 35 ألف شخص من هولندا والسويد، وقد ظهر أنَّ أولئك الذين يُعتبرون "مبدعين" من خلال إجاباتهم على استبيان أكثر عرضة للإصابة بالاضطرابات النفسية بنسبة 25٪.
يقول Robert Power أحد الباحثين المشاركين في هذه الدراسة: "من خلال معرفة أي السلوكيات الصحية، مثل الإبداع، ترتبط بيولوجياً مع الاضطرابات النفسية يمكننا الوصول إلى فهم أفضل لعمليات التفكير التي تؤدي إلى إصابة الشخص بالاضطرابات النفسية وكيفية حصول أخطاء في عمل الدماغ" ويضيف أيضاً: "نتائجنا تشير الى أنَّ المبدعين قد يكون لديهم استعداد وراثي نحو التفكير بشكل مختلف أكثر من غيرهم".
مع ذلك، فإنَّ البيانات بشكلٍ عام تُعتبر ضعيفة، فهذه الاختلافات الوراثية فسَّرت حوالي 6٪ من حالات الفُصام و1٪ من حالات الاضطراب ثنائي القطب فقط. كما أوضحت نفس الاختلافات الجينية حوالي 0.25٪ فقط من التباين في قدرة الناس الإبداعية. كما يصف ديفيد كتلر، الباحث في علم الوراثة من جامعة إيموري الذي لم يشارك في الدراسة: "إذا كانت القدرة الفنية طريقاً بطول ميل يقف فيها الشخص المبدع للغاية في إحدى نهايتيها، ويقف الشخص منخفض الإبداع في الطرف الآخر، فإنَّ هذه الاختلافات الوراثية مجتمعة تُفسِّر حوالي أربعة أمتار فقط من المسافة بينهما. هذا ليس كثيراً على الإطلاق، ولكنه ليس بلا فائدة أيضاً".
يشير آخرون إلى أنَّ تعريف الإبداع لا يقتصر فقط في الإنضمام إلى مجتمع الفن، فالانتماء الى هذا المجتمع أو ممارسة مهنة "إبداعية" لا يعني بالضرورة أنك مبدع، و أولئك الذين لا ينتمون إلى مجتمع الفن ليسوا بالضرورة غير مبدعين، لذلك تبدو هذه البيانات ركيكة بعض الشيء ويلزمنا الاستمرار في دراسة المُتغيرات الوراثية المرتبطة بالاضطرابات النفسية للوصول الى فهم أفضل وأكثر دقة مستقبلاً.
المصدر: هنا
البحث الأصلي: هنا