الفيزياء والفلك > فيزياء
علماء يصنعون مصادفةً نوعاً جديداً من الزجاج
عندما كان البروفسور جون دو بابلو ومساعدوه يشرحون ظهور قممٍ غير عاديةٍ في مخططاتهم البيانية للبيانات البصرية لأحد المواد الزجاجية توقعوا وجود بعض المشاكل في حساباتهم. ولكن تبين لاحقاً أن ما شاهدوه كان حقيقياً بالفعل. فقد كانت هذه القمم إشارة إلى النظام الجزيئي في مادةٍ كانوا يعتقدون أنها لا بلّورية وعشوائية الترتيب. حيث أنتجت تجربتهم نوعاً جديداً من الزجاج.
يقول البروفسور دو بابلو: "إنها مفاجأة كبيرة، حيث أن العشوائية تعد السمة المميزة للزجاج. أو على الأقل ذلك ما نعتقده عادةً. ولكننا بيننا أنه يمكننا تصنيع زجاجٍ نستطيع أن نميز فيه وجود نوعٍ من التنظيم المحدد. والآن بعد أن فهمنا التأثيرات المؤدية لذلك بإمكاننا ضبط هذا التنظيم عبر التلاعب بطريقة تحضير هذا الزجاج".
دو بابلو وإيفان ليوبيموف عملوا مع فريق من التجريبيين يقودهم مارك إيدغر في جامعة ويسكونسن على إجراء محاكاة حاسوبية لتجاربهم الفيزيائية. حيث قام العلماء بتشكيل الزجاج بتبخير جزيئات عضوية كبيرة في وسط مفرّغ بشكل كبير وترسيبها ببطء على شكل طبقات رقيقة على ركيزة عند درجة حرارة مضبوطة بدقة. وعندما بلغت سماكة العينة حداً كافياً، قام العلماء بتحليلها باستخدام مطيافية القطع الناقص* وهي تقنية تقيس الطريقة التي يتفاعل بها الضوء أو الليزر الوارد مع المادة المدروسة.
يقول دو بابلو: "رأى مساعدونا قمماً مثيرة للاهتمام في دراسة هذه المواد، وتظهر هذه القمم عندما تحوي المادة توجهات جزيئية متمايزة. ولم يتمكن الباحثون من شرح منشأ هذه القمم، أو معرفة لماذا يعتمد شكلها على درجة الحرارة التي يتشكل عندها الزجاج. إلا أنه عندما قام الفريق بإجراء محاكاة حاسوبية ظهرت دلائل مميزة لتوجهات الجزيئات نفسها. فقسم كبير من الجزيئات في الزجاج أخذت توجهاتها منحىً منتناغماً. ولكن لماذا؟
اكتشف العلماء بأن الجواب يرتبط بالطريقة التي تنشأ بها المادة. ففي السوائل (التي يعتبر الزجاج جزءاً منها) تتفاعل الجزيئات السطحية مع جزيئات الهواء مما يؤدي إلى تجمعها مع بعضها واصطفافها بطريقة مختلفة عن الجزيئات المتوجهة عشوائياً في قلب السائل. وتؤدي عملية الترسيب بالبخار المستخدمة في هذه التجارب إلى وضع طبقة فوق الأخرى. وتكون الجزيئات في كل طبقة مقيدة بالتوجه الذي اتخذته عندما كانت موجودة على السطح وإن تواجدت فيه لفترة قصيرة.
لكي يحصل ذلك، اكتشف الباحثون أن تنمية الزجاج يجب أن تحدث ضمن مجال ضيق من درجات الحرارة التي يتحول عندها السائل إلى زجاج شبه صلب. يسمح تغيير درجات الحرارة ضمن هذا المجال للعلماء بضبط درجة الترتيب. وعندما تنتهي عملية الترسيب تصبح المادة مستقرة، ولا تتأثر بتغير درجات الحرارة ضمن مجالٍ كبير.
يتوجه جزءٌ صغيرٌ فقط من الجزيئات ضمن العينة باتجاه مختلف عن بقية الجزيئات. ولكن ذلك كافٍ لتغيير الخصائص البصرية لهذه المواد بشكل كبير. وستستمر المجموعة بالتحقق من هذه المواد الجديدة وبتجريب جزيئات مختلفة والبحث حول إذا كان بإمكانهم تحسين الأثر الناتج.
يقول دو بابلو: "الزجاج هو أحد المواد التي لا نفهمها كثيراً، إذ أن بنيته كبنية السوائل (في عشوائيتها) إلا أنه صلب. وقد أدهش هذا المفهوم الناس لعديد من العقود. وهكذا فإن فكرة إمكانية التحكم بتوجه جزيئات هذه المواد غير المرتبة لها تطبيقات نظرية وعملية عميقة. قد لا نعرف هذه التطبيقات تماماً في الوقت الحالي، فنحن أمام مجال جديد من الأبحاث ونوع جديد من المواد. ولذلك لازلنا في البداية ".
* مطيافية القطع الناقص : هي تقنية ضوئية تستخدم في التحليل ، حيث تنعكس حزمة ضوء من العينة التي يتم دراستها ثم يتم تحليل هذه الحزمة الضوئية لرؤية مافعلته العينة بحزمة الضوء مما يعطي معلومات عن ثخانة العينة و ثوابتها البصرية وبنيتها الميكروية
المصدر: هنا
حقوق الصورة: Wokandapix