الطب > مقالات طبية
الإنهاكُ الحراري Heat Exhaustion
يتشاركُ جسدُك مع حرارةِ البيئة المحيطة بكَ لإنتاجِ ما يسمى بالحرارةِ الداخلية، وللحفاظ على درجة حرارتك الداخلية ضمن الحدود الطبيعية (حوالي 37 درجة) يعملُ جسدُك على رفعِ أو إنقاصِ درجة الحرارة حسب الحاجة.
يعتمدُ الجسدُ في تبريدِ نفسِه على تبخّرِ الماء، فعندما ترتفعُ الحرارة يستجيبُ الجسدُ بالتعرق، وبتَبخُر العرق يبردُ الجسد وتنخفض درجة حرارته، إلا أنَّ نسبةَ الرطوبةِ في الجو تلعبُ دوراً هاماً في تحديدِ سهولة تبخر العرق وسرعته، ففي الجو الجاف يتبخرُ العرق بشكلٍ سهلٍ وسريع، أما في الجو الرطب فلا يتبخر ويسيلُ على جسدك فقط وبالتالي لن تنخفضَ حرارتُك. وبارتفاعِ الحرارة الداخلية وفشلِ الجسد في تبريدِ نفسِه ستحدث مجموعةٌ من الأعراض تدل على الإصابةِ بأحدِ الأمراضِ المتعلقة بالحرارة التي تنقسم إلى ثلاثةِ أنواع:
1- التشنجاتُ الحرارية:وهي تشنجاتُ العضلاتِ أو انتفاضُها لفترةٍ وجيزة بشكلٍ لا إراديٍ، ويمكن أن تحدثَ أثناءَ ممارسةِ الرياضة أو العمل في البيئةِ الحارة أو بعدِها بقليل، وسيتم التحدث عنها بالتفصيل في مقالٍ لاحق.
2- الإِنْهاكُ الحَرارِيّ: وهو ما سنتحدث عنه بالتفصيل في هذا المقال.
3- ضَرْبَةُ الحَرارَة: وهي حالةٌ متأخرةٌ تحدثُ عندما ترتفعُ درجةُ حرارة الجسم ولا يستطيعُ نظام التبريد أن يخفضَها مما يؤدي لتوقفِ هذا النظام عن العمل وقد تحدثنا عنها في مقالٍ سابق: هنا
الإرهاقُ الحراري: هي حالةٌ تؤدي إلى التعرقِ الغزير وتَسرُّعِ النبض نتيجةَ تعرضِ الجسم للحرارة المفرطة، وبدونِ علاجٍ قد يؤدي الإرهاقُ الحراري إلى 'ضَرْبَة الحَرارَة' التي تعتبرُ مهددةً للحياة، ولكن لحسن الحظ يمكن الوقاية منها.
تتضمن أسبابُ الإنْهاكِ الحَرارِيّ التعرضَ لدرجاتِ حرارةٍ عالية وخاصة المرافقة لدرجات عالية من الرطوبة ومجهودٍ جسدي مفرط.
كما تتضمن الأسبابُ الأخرى للإنهاك الحراري:
- التجفافَ: يؤدي إلى نقصِ قدرة الجسم على التعرق والحفاظِ على حرارة طبيعية.
- تناولَ الكحولِ: يؤثر على قدرة الجسم على تنظيم الحرارة.
- ارتداءَ الكثيرِ من الملابس: خاصة تلك التي تمنع العرقَ من التبخر.
الأعراض:
هناكَ نوعان من الإنهاك الحراري:
1- الناتج عن نقص الماء: تتضمن أعراضُه كلاً من العطش والتعب والصداع.
2- الناتج عن نقص الأملاح: وتتضمن أعراضُه الغثيانَ والإقياءَ والتشجنات العضليةَ والدوار.
قد يتطور الإنهاكُ الحراري بشكلٍ مفاجئ أو ببطءٍ خاصة بحالة التمارين لفترات طويلة، وتتضمنُ الأعراضُ:
- يصبح الجلدُ رطباً بارداً مع قُشَعْريرةٍ عندَ التعرض للحرارة.
- التعرقَ الغزير.
- الدوار.
- التعب.
- يصبحُ النبضُ ضعيفاً وسريعاً.
- انخفاضَ الضغط الشرياني عند الوقوف.
- تشنجَ العضلات.
- الصداع.
- التخليطَ الذهني (عدم التركيز).
- اغماقَ لون البول (يدلُّ على التَّجفاف).
- الغثيان أو الإقياء أو الاسهال.
- شحوبَ لون الجلد.
عوامل الخطورة:
قد يحدثُ الإنهاكُ الحراري لأيّ شخص، ولكن توجدُ عواملٌ معينة تزيدُ حساسيةَ جسدك للحرارة، وهي:
1- الأعمارُ الكبيرة والصغيرة:يكون الرضعُ والأطفال الأصغر من أربعِ سنوات والمسنون الأكبر من خمسٍ وستين سنةً معرضين بشكلٍ أكبر لخطر الإنهاك الحراري حيث أنّ قدرةَ الجسم على تنظيم الحرارة لا تكون قد تطورت تماماً عند الأطفال، بينما تنخفض هذه القدرة عند المسنين بسبب الأمراض والأدوية وعوامل أخرى.
2- الأدوية: هناك بعض الأدوية التي تؤثرُ على قدرة جسدك في البقاء رطباً والاستجابة بشكل مناسب للحرارة، ومن ضمن هذه الأدوية بعض خافضات الضغط والأدوية القلبية (حاصرات بيتا، المدرات البولية) ومضادات الحساسية (مضادات الهيستامين) والمهدئات وبعض الأدوية النفسية (مضادات الذهان)، بالإضافة إلى الأدوية غير القانونية مثل الكوكائين والأمفيتامينات التي ترفع الحرارة الداخلية.
3- البدانة: إن الوزنَ الزائدَ ينقص قدرةَ الجسم على تنظيم حرارتِه وبالتالي تبقى درجةُ حرارة الجسم مرتفعة.
4- التغيرُ المفاجئُ في درجة الحرارة: في حال لم يكن جسدُك معتاداً على الحرارة فستكون معرضاً للأمراض المتعلقة بالحر بشكل أكبر، كما في حال السفرِ من منطقة باردة إلى منطقة ذاتِ مناخٍ دافىء أو السكن في منطقة تعرضت مؤخراً إلى موجةِ حر.
5- ارتفاعُ المشعر الحَروري: إن المشعرَ الحروري هو مقياسٌ يشير إلى مدى الحر الذي ستشعر به في الظل خارجَ المنزل مع الأخذ بعين الاعتبار درجة حرارة الهواء والرطوبة النسبية. عندما تكون قيمةُ المشعر ثلاثاً وثلاثين درجةً مئوية أو أكثرَ فعليك أخذُ الاحتياطات اللازمة للإبقاء على جسدك بارداً.
المضاعفات:
إن الإنهاكَ الحراري غيرَ المعالج سوف يؤدي إلى ضربة الحرارة وهي حالة مهددة للحياة تحدث عندما تصلُ حرارةُ جسدك إلى أربعين درجةً مئوية أو أكثر.
ملاحظة: إن ضربةَ الشمس هي حالةٌ خاصة من ضربة الحرارة وفيها يكون مصدرُ الحرارة المفرطة هو التَّعرض المديد لحرارة الشمس. إنًّ عدمَ التعويض الكافي للسوائل مع التعرض المديد للشمس سوف يؤدي إلى تَجفافٍ سريع. وقد يكون للشمس آثارٌ صحية خطيرة حتى في الأيام المعتدلةِ الحرارة أو الغائمة.
تتطلب ضربةُ الحرارة رعايةً طبيةً فورية لمنع حدوث أذية دائمة في الدماغ والأعضاء الحيوية الأخرى والتي قد تؤدي إلى الوفاة.
الاختبارات والتشخيص:
في حال احتجت للرعاية الطبية بسبب الإنهاك الحراري فغالباً ما يكون تعرضك له واضحاً للطاقم الطبي وقد يتم قياس حرارتك لتأكيد التشخيص وتدبيرِ ضربة الحرارة، وفي حال وجود شكٍ بتطورِ حالتك إلى ضربةِ حرارة فقد تحتاج إلى اختباراتٍ أخرى، منها:
- تحاليلُ دموية: لتحري نقص الصوديوم أو البوتاسيوم وغازات الدم.
- تحليلُ البول: لتحري تركيزه ومكوناته ووظيفة الكلية والتي من الممكن أن تتأثرَ بضربة الحرارة.
- وظائفُ العضلات: لتحري وجود انحلالٍ عضلي أو تخربٍ خطير في النسيج العضلي.
- صورٌ شعاعية: لتحري وجود أذية في الأعضاء الداخلية.
العلاج:
إن العلاجَ المناسبَ والسريعَ يقي عادةً من تطور التشنجات الحرارية إلى إنهاك حراري.
في معظم الحالات يمكنك علاج الإنهاك الحراري بنفسك باتباع ما يلي:
استرحْ في مكان بارد: وذلك بالدخول إلى بناء مكيف إن أمكن أو الانتقالِ إلى الظل أمامَ مروحة، واستلقِ على ظهرك مع رفع القدمين أعلى من مستوى الرأس.
- تناول السوائلَ الباردة: وخاصة الماء أو المشروبات الطبيعية ولا تلجأ إلى المشروبات الكحولية التي قد تؤدي إلى التجفاف.
- جرّب وسائلَ التبريد: كالاستحمام بالماء البارد أو السباحة أو كمّادات الماء البارد على رأسك.
- قم بتخفيفِ الملابس: وذلك بخلع الملابس غير الضرورية وتأكد أن ملابسَكَ خفيفةُ الوزن وغيرُ مربوطة بإحكام.
وإذا لم تشعر بالتحسن خلالَ ساعةٍ من هذه المحاولات أو في حال كانت درجةُ حرارة جسدك (أربعين) درجةً مئوية أو أكثر فستكون بحاجة للرعاية الطبية الفورية. وقد تحتاج إلى السوائلِ الوريدية لمساعدتك في التغلب على التجفاف.
الوقاية:
هناك عدةُ طرق لمنع حدوث الإنهاك الحراري وغيرها من الأمراض المتعلقة بالحرارة.
تذكر ما يلي:
1- ارتدِ ملابساً فضفاضةً خفيفةَ الوزن ملونةً، فالملابس الضيقة أو الداكنة تحبس الحرارةَ وتمنع تبريدَ الجسم بشكل مناسب لأنّها تمنع التعرقَ وتزيد من امتصاص الحرارة.
2- تجنب حروقَ الشمس: في حال خروجك من المنزل ارتدِ قبعةً بيضاءَ عريضةً وخفيفة الوزن، أو استخدم المظلةَ لحماية نفسك من الشمس وقم باستخدام الواقي الشمسي لحماية المناطق المعرضة للشمس من جسدك. إنّ إصابتَك بالحروق الشمسية تقللُ من قدرة جسدك على التخلص من الحرارة.
3- ابحث عن مكانٍ أبرد: إن التواجدَ في مبنىً مكيفٍ ولو حتى لبضع ساعات واحدٌ من أفضل الطرق للحماية من الإنهاك الحراري. من الضروري الانتباه إلى أن المراوحَ وحدَها لا تكفي في حال الحرارة والرطوبة العاليتين.
4- اشرب كمياتٍ كبيرةً من السوائل: إن البقاءَ رطباً يساعد جسدَك على التعرق وبالتالي الحفاظ على حرارة جسدك ضمن الحدود الطبيعية، وإنْ كان هناك بعض التوصيات من طبيبك بوجوب تحديد كمية السوائل نظراً لحالة مرضيةٍ تعاني منها فاحرص على مراجعته لمعرفة كمية السوائل التي يجب زيادتها في حال ارتفاع الحرارة.
5- انتبه عندَ استخدام بعض الأدوية من خطورة تعرضك للإنهاك الحراري، وفي حال كنت تتناول هذه الأدوية فراجع طبيبك لمعرفة الخطوات الواجب اتخاذها لتجنب ارتفاع حرارة جسدك.
6- تجنب رَكنَ سيارتِك في نقاط حارة: في الأيام الحارة قد ترتفع درجةُ حرارةِ سيارتك المركونة في الحر إحدى عشْرةَ درجة مئوية خلال عشْرةِ دقائقَ فقط، ولذلك دع سيارتك لتبردَ قبل قيادتها، واحذر من أن تترك أيَّ شخص في سيارة مركونة في الجو الحار وخصوصاً الأطفال.
7- دع جسدَك يعتاد الحرارة: إذا كنت مسافراً إلى مكان حار، أو أنَّ درجات الحرارة ارتفعت فجأة في مكان إقامتك فقد يحتاج جسدك بضعةَ أسابيع حتى يعتاد الحرارة، سيكون عليك توخي الحذر بكل الأحوال إلا أنه بعد هذه المدة سيصبح النشاطُ الجسدي والعمل في الجو الحار أكثرَ قابلية للتحمل. ولكن إن كنت في عطلة فلن يكونَ لديك الوقتُ الكافي، ومن الجيد أن تنتظرَ بضعة أيام قبل القيام بنشاطات في الحر.
وفي النهاية ننصحك بتجنب القيامِ بالأعمال المرهقة في الجو الحار، ولكن إن اضطررت لذلك فاتبع التعليماتَ السابقةَ واحصل على فتراتِ استراحة متكررة في مكانٍ بارد، فذلك سيساعد جسدك على تنظيم الحرارة.
المصادر:
حقوق الصورة:
مبادرة "الباحثون السوريون"