كتاب > روايات ومقالات
حتى أنت يا بروتس؟! إذن فليمت قيصر.
أكاد أجزم بأن الكثير ممن يقرأون هذه السطور قد تردد على مسامعهم اسم يوليوس قيصر، ومن لا يعرف يوليوس قيصر يعرف بالتأكيد اسم الشهر السابع من السنة الشمسية (يوليو) ، نعم هذا الشهر سماه يوليوس قيصر باسمه!
ولكن تَقِلُّ نسبة القراء العارفين بتفاصيل وخبايا حياة هذه الأسطورة الرومانية، ونحن الآن سنتحدث بإيجاز شديد عنها قبل أن نصل إلى هدفنا ومبتغانا من هذا السرد وهو النص الأدبي العملاق والفذ للأسطورة الأخرى "وليم شكسبير"، وهو نص مسرحية "يوليوس قيصر".
تُجمع الروايات على أن يوليوس قيصر قد وُلِدَ من نسل ارستقراطي في قلب الإمبراطورية الرومانية، ولكن هذه الأسرة كانت على شيء من فقر الحال، وعليه نجد أن يوليوس قيصر قد وُلِدَ ونشأ في الأحياء الفقيرة من روما، وكان هذا البطل ذو طموح كبير، دخل الجيش وبرز فيه وعمل بالمحاماة، وكانت خطبه تستقطب الألاف من أهل روما، لكن طموحه لم يقف عند هذا الحد بل بدأ حملة عسكرية في بلاد الغال وأخضعها كلها لروما.
ولكن أي اخضاع!. يقول المؤرخون بأن قيصر قد قتل ربع سكان بلاد الغال حتى دانت له بالولاء ولك عزيزي القارئ أن تتخيل هذا الكم الهائل من القتل والوحشية والمجازر الجماعية. دخل قيصر بعد ذلك روما بطلاً كبيراً وفاتحاً مغواراً، ولكن طموحه بالحكم كاد أن يحول الجمهورية الرومانية إلى مملكة تحت قيادته ، فتصدى له بعض أعضاء مجلس الشيوخ بمن فيهم بعض المقربين إليه، وطعنوه في يوم الخامس عشر من شهر آذار مارس من العام 44 قبل الميلاد بـ 23 طعنة أنهت حياته. تقاسم السلطة بعده ثلاثة رجال: ماركوس أنطونيوس (صديق قيصر وذراعه اليمنى)، و أوكتافيوس قيصر (ابن أخ قيصر ووريثه)، وإيميليوس ليبيديوس (أحد القادة الرومان). وجاء ذلك بعد صراع مرير بين هؤلاء القادة وقتلة قيصر وعلى رأسهم بروتس وكاسيوس.
هذه هي القصة التي تقوم عليها المسرحية، لكن قارئي العزيز هل تعتقد أن شكسبير اعتمد في مسرحيته على هذه القصة التي لم يخترعها هو بالأصل؟ بالتأكيد لا. ولكن القصة قاعدة بنى عليها صرحه الأدبي الشامخ المليء بتقلبات النفس البشرية وصراعاتها التي لا تنتهي، مع نفسها تارةً، ومع غيرها تاراتٍ أخرى. وعندما يروي شكسبير قصةً ما فإنه يحبس أنفاسنا ويبهرنا بروعة السبك اللغوي الباهر، مما يجعلنا نطالبه بالمزيد وبأن لا ينهي ما بدأه، كل هذا رغم معرفتنا المسبقة بأحداث ما يقصه علينا!
تتألف المسرحية من خمسة فصول وفيها العديد من الشخصيات الثانوية، ولكن تبرز عدة شخصيات هامة تكوّن عماد المسرحية وهم: قيصر ، وبروتس ، وكاسيوس، وإلى حد ما ماركوس أنطونيوس.
وإذا تناولنا هذه الشخصيات بعجالة تناسب هذا المقال، نجد أننا وبعد الفراغ من المسرحية لا يمكننا أن نحدد موقفنا المباشر من قيصر هل هو دكتاتور أم حاكم وبطل أسطوري ظُلِمَ بقتله من قبل أصدقاءه؟ أما بروتس فهو بطل المسرحية المطلق بلا منازع، وهو المليء حكمةً والغارق في المثالية لدرجة أنه قرر قتل صديقه قيصر لأنه حاول أن يلقبَ نفسه ملكاً على الجمهورية الرومانية، ولكن مثالية بروتس المفرطة جعلته يفتقر للحكمة وجرته بشكل متكرر للوقوع في أخطاء جسيمة.
وأما كاسيوس فنجده قبل الفصل الثالث من المسرحية تسيطر عليه نوازع الحقد والبغض لقيصر ، فهو يدبر المكائد لقتله. وبعد أن يتم له ذلك، نجد أن شخصيته قد تغيرت، وتحول إلى رجل ذو حكمة، وأثبتت الأحداث بأنه ذو نظر ثاقب لعواقب الأمور عكس بروتس، ولو نفذ الأخير ما أملاه عليه كاسيوس لكانت لمقتل قيصير عواقب مختلفة.
عرضت هذه المسرحية أول مرة في العام 1599، ولا تزال إلى اليوم تعرض على خشبات المسارح في مختلف دول العالم، وتُحدث الأثر القوي لدى المشاهدين في كل مرة تعرض فيها.
قد يُأخذ على المسرحية ندرة العنصر النسائي فيها (فهي مسرحية للرجال فقط) ، وأقتصر التمثيل النسائي فيها على شخصيتين اثنتين (كالبيرنيا زوجة قيصر) ، و(بورشيا زوجة بروتس).
قد يكون من الظلم أن ننهي الحديث عن هذه المسرحية دون الإشادة بالجهد الجبار الذي بذله الأستاذ حسين أحمد أمين في الترجمة، وما يدريك عزيزي القارئ ماذا تعني ترجمة نص لشكسبير؟ الجميع يعلم أن شكسبير يكتب مسرحياته شعراً، والمترجم عليه أن يقف طويلاً قبل أن يقرر ما الذي تعنيه هذه الصورة الشعرية أو تلك، وهنا تكمن حيرته وتبرز دقة صنعته. الجميل في هذه الترجمة أننا نشعر وكأن المسرحية قد كتبت في الأصل بلغة عربية فصحى حيث جاءت لغتها جزلةً سهلة.
وختاماً لا يسعنا إلا القول بأن نص مسرحية "يوليوس قيصر" من أبدع ما خطه يراع الأسطورة شكسبير، وهذا النص هو بداية لسلسة أعماله الكبرى التي تشمل "هاملت" و"عطيل" و"الملك لير" وماكبث" و"أنطونيو وكليوباترا" و "مأساة كوريولانوس" و "العاصفة".
معلومات الكتاب:
الكتاب: يوليوس قيصر
المؤلف: وليم شكسبير
الترجمة: حسين أحمد أمين
دار النشر: الشروق المصرية
عدد الصفحات: 134 قطع متوسط.