البيولوجيا والتطوّر > التطور
القطب المتجمّد الشمالي يروي قصة أصل الكلاب القديمة
في أقصى شمال روسيا... شبه جزيرة تايميار
وفي رحلةِ تقفّي آثار كنوز العصر الجليدي... بين أنياب الماموث و عظام حيواناتٍ أخرى...
يعثر عالم الوراثة التطوري Dalén على ما اعتقد أنّه ضلعٌ يعود لحيوان الرَنّة، ليتبيّن له بعد تحليل الحمض النووي DNA أنّ ذاك العظم ذو الـ 5 سنتيمترات طولاً يعود إلى ذئبٍ ستلقي دراسةُ أصله الضوءَ مجدّداً على تاريخ تربية الإنسان للكلاب...
قام البشر بتدجين الكلاب قبل أي حيوان آخر، ومع ذلك لم يتّفق الباحثون على مكان وزمان حدوث ذلك. فقد أظهرت نتائج إحدى الدراسات التي أُجريت على الحمض النووي "DNA" للكلاب والذئاب المُعاصِرة أنّ الكلاب قد ظهرت قبل أقلّ من 16000 سنة في جنوب شرق آسيا، فب حين أظهرت دراساتٌ أخرى أنّ الكلاب والذئاب القديمة كانت موجودةً في أوربا منذ ما يُقارب 32000 سنة.
وقد أثارت الدراسات الأثرية جدلاً هي الأخرى، حيث يقول البعض أنَّ الجماجم التي وُجِدت في روسيا وبلجيكا والتي يرجع تاريخها إلى حوالي 30000 سنة تُمثّل الكلاب الأوائل التي ظهرت في العالم، بينما يقول البعض الآخر أنّ أقدم جماجمَ تامةً للكلاب والتي يُقدّر عمرها بـ 16000 سنة قد وُجِدَت في روسيا وألمانيا.
يأمل الباحث Dalén أن تَحسِمَ هذه الدراسةُ الجديدةُ الجدلَ القائم، فعندما قام Dalén وزملاؤه بتحليل جينوم العظم الصغير الذي عثروا عليه في شبه جزيرة تايميار في أقصى شمال روسيا وتحديد عمره، اكتشفوا أنّ قطعة العظم هذه تعود إلى ذكرِ ذئبٍ عاش قبل 35000 سنة مضت، وعند مقارنة الحمض النووي لهذه العينة بالحمض النووي للكلاب والذئاب المُعاصِرة والقديمة، تبيّن أنّ هذا الحيوان كان قد عاش في مرحلةٍ حرجةٍ من تاريخ الكلاب، وهي فترةُ انقسام مجتمعاتِ الذئاب القديمة إلى ذرارٍ مختلفةٍ، والتي أدت في النهاية إلى ظهور ثلاث سلالاتٍ هي سلالة ذئب التايميار والذئاب الرمادية المُعاصِرة والكلاب المُعاصِرة. وقد علّق المؤلّف الرئيسي للدراسة الدكتور Pontus Skoglund على ذلك بقوله: "يبدو أنّ ثلاثةَ انفصالاتٍ قد حدثت في وقتٍ متقاربٍ". كما يوضح الشكل أدناه:
وفقاً لمعدّل الطفرات الوراثية التي تمكّن الباحثون من إحصائها من خلال مقارنة الحمض النووي لذئب التايميار مع الحمض النووي للكلاب والذئاب الأخرى، تبين أنَّ سلفَ الكلاب المُعاصِرة نشأ منذ ما يُقارب 27000 إلى 40000 عام.
وفي تعليقٍ على هذه الدراسة، يقول الدكتور Wayne والذي أشار في دراسةٍ أجراها سابقاً إلى أنّ الكلاب قد ظهرت في أوروبا في تلك الفترة نفسها: "أنا أحبّ هذه الفترة؛ ففيها كان أول دخول للإنسان المُعاصِر إلى أوربا، و أوّل احتكاكٍ له بالذئاب التي شكّلت فما بعد سلفاً للكلاب". إلّا أنّه يرى أنّ الدراسةَ لم تستطع أن تحسمَ ذاك الجدل القائم أو أن تُقدّمَ توضيحاً عمّا إذا تمّت حقّاً تربية الكلاب عدّةَ مراتٍ كما يقترح بعض العلماء.
كما أنّه ما يزال من غير الواضح ما إذا كانت الكلابُ السيبيرية Siberian huskies وكلابُ غرينلاند Greenland sledge dogs ـ والتي تُعتبر من السلالات القديمة أساساً- تُعدّ من بين الأنواع الأوائل للكلاب، فعندما قام الباحثون بمقارنة الحمض النووي لذئاب التايميار بالحمض النووي لـ 48 سلالةٍ من الكلاب، وجدوا أنّ كلابَ غرينلاند والكلابَ السيبيرية تتشارك مع ذئاب التايميار بالسلفِ نفسِه أكثر من أيّة سلالةٍ أخرى من الكلاب، ممّا قد يعني أنّ هاتين السلالتين قد ظهرتا بُعيدَ انفصال الكلاب عن الذئاب، ولكن قد يكون ذلك مُستبعداً أيضاً، خاصّةً إذا كانت هاتين السلالتين قد تزاوجتا مع ذئابٍ من سلالة الذئاب التايميارية في التاريخ الحديث.
لا ريبَ أنّه سيستلزم الأمر عشراتِ الرحلاتِ الأخرى لمعرفة الإجابة على تساؤلاتٍ عديدةٍ تدور حول أسرارٍ عجيبةٍ يذخر بها هذا الكون والتي لا تزال تنتظر من يكشف اللثام عنها، فأين سيُبحر العلماء في المرة القادمة يا تُرى!
المصدر: هنا
البحث الأصلي: هنا