الهندسة والآليات > الروبوتات
نجاح جديد للطباعة ثلاثية الأبعاد و باب جديد نحو عالم الروبوتات اللينة
في الطبيعة، يستخدم الكثير من الحيوانات تدرجات صلابة مختلفة للارتباط بمواد صلبة وهياكل لينة مع الحد من نشوء نقاط الارتكاز التي يمكن أن تؤدي إلى انكسار الأسطح الصلبة أو اللينة. و من أهم أسباب تفوق النظم البيولوجية في كثير من الأحيان على النظم الهندسية هو أنه في الطبيعة، التي توظف نظام التصنيع الذاتي، لا يسبب التعقيد الهيكلي أي مشاكل جذرية. بينما و في عالم الروبوتات تصنع أجسام الروبوتات الطرية عادة في قوالب مصممة خصيصاً وتتطلب خطوات تجميع متعددة أي أنها تستهلك وقتاً طويلاً و كلفة إضافية.
تعتبر الروبوتات الصناعية التقليدية ذات بنية صلبة –كون معظمها من المعادن – بالإضافة لسرعتها ودقتها وقوتها. حيث تأتي سرعتها ودقتها على حساب تعقيدها ويمكن في كثير من الأحيان أن تشكل خطراً على البشر الذين يقفون على مقربة منها. الروبوتات اللينة قابلة للتكيف ومرنة ولكنها بطيئة، ومن الصعب تصنيعها، وتواجه تحدياً في مجال ذاتية التحكم لأن معظم المحركات والمضخات، والبطاريات، وأجهزة الاستشعار، والمتحكمات المصغرة ذات بنية صلبة.
ولكن ماذا لو كان بإمكاننا الجمع بين التحكم الذاتي وسرعة الروبوت الصلب مع القدرة على التكيف والمرونة للروبوتات اللينة، والقيام بذلك نسبياً بسرعة وبتكلفة زهيدة؟
من هنا بدأ علماء و مهندسو الروبوتات بتصميم روبوتات مستوحاة بيولوجياً من الطبيعة بأجسام لينة أو لينة جزئياً، لديها المواصفات اللازمة لتكون أكثر قوة وقدرة على التكيف، وأكثر أمانا للتفاعل البشري، من الروبوتات الصلبة التقليدية. غير أن التحديات الرئيسية في تصميم وتصنيع الروبوتات اللينة تشمل عمليات التصنيع المعقدة وربط مكونات لينة وصلبة مع بعضها. ولذلك ارتأى الباحثون استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد بمواد متعددة لتصنيع روبوت يعمل بطاقة الاحتراق و بجسمٍ ذو درجات صلابة متفاوتة تتناقص من الداخل إلى الخارج. هذا التدرج ، والذي يندرج من خلال استخدام تسعة طبقات مختلفة من المواد على ثلاث درجات متفاوتة، قاسية مثل البلاستيك أو اسفنجية مثل المطاط، ويعزز أداء الروبوت و يتيح لترابط أكبر بين مكونات وحدة القيادة الصلبة (وحدة التحكم، والبطاريات، وما إلى ذلك) والجسم اللين. بفضل احتراق غاز البوتان والأكسجين، سيكون هذا الروبوت قادراً على القفز بدون روابط.
و كما هو موضح في عدد العاشر من يوليو من مجلة العلوم، فإن التصميم يقدم حلاً جديداً للتحدي الهندسي الذي تواجهه الروبوتات اللينة، ألا وهو دمج المواد الصلبة والطرية مع بعضها.
تحويل جسم الروبوت من الصلابة إلى الليونة، يحد من الضغط في أماكن توضع المكونات الالكترونية الصلبة ويزيد مرونة الروبوت. تصميم الجسم المتجانس ، الذي تم إنشاؤه باستخدام عدة مواد و بعملية طباعة واحدة مستمرة، يزيد من القوة والمتانة. و بالتخلي عن الأجزاء المنزلقة أو المفاصل التقليدية، سيكون الروبوت أقل عرضة للاتساخ أو التحطم كغيره من الروبوتات الأكثر تعقيداً، مما يجعل منه مرشحاً جيداً لاستخدامه فوق تضاريس قاسية.
ويؤكد كبير معدي الدراسة “Robert J.wood“، بروفيسو العلوم الهندسية والتطبيقية في كلية “John A. Paulson” في جامعة هارفارد، وعضو هيئة التدريس الأساسية في معهد “wyss” للهندسة من وحي العلوم في جامعة هارفارد: "الرؤية المستقبلية لمجال الروبوتات اللينة تهدف إلى خلق روبوتات لينة تماماً". وأضاف "لكن لأسباب عملية، فإن بعض الروبوتات اللينة اليوم تحتوي على بعض المكونات الصلبة - أشياء مثل البطاريات والكترونيات التحكم . هذا الروبوت هو نموذج عن طريقة دمج مكونات جامدة مع مكونات جسم الروبوت اللينة من خلال التدرج في خصائص المواد، والقضاء على التغير المفاجئ في المواد و الذي غالباً ما يشكل نقطة انكسار ".
هذه الروبوتات التي تعمل بطاقة الاحتراق مصنعة من جزأين رئيسيين : جسم لين على هيئة مكبس الغطاس مكون من ثلاثة أرجل هوائية، إضافةً إلى الوحدة الأساسية الصلبة، و التي تحتوي على المكونات الكهربائية وأجهزة التحكم، ويحميها درع منتصف الليونة تم إنشاؤه باستخدام الطابعة ثلاثية الأبعاد. التصميم مبني على أعمال سابقة للكيميائي و المؤلف المشارك في الدراسة “George Whitesides” والذي يعمل كأستاذ جامعي في جامعة هارفارد.
لبدء الحركة، يقوم الروبوت بنفخ الأرجل الهوائية لإمالة الجسم في الاتجاه الذي يريد أن يصل إليه. يتم بعد ذلك إشعال خليط البوتان والأكسجين، فيقفز الروبوت بفعل التفاعل الكيميائي في الهواء. قوة القفز الناتجة تصل إلى حوالي ستة أضعاف ارتفاع الجسم في القفزات العامودية ونصف عرض جسمها في القفزات الجانبية. بالتالي، فإن حركة القفز قد تكون وسيلة فعالة للتنقل بسرعة وسهولة حول العقبات.
ويعقب “Nicholas Bartlett”، المؤلف الأول لورقة البحث وطالب دراسات عليا في كلية الهندسة و العلوم التطبيقية "الشيء الرائع هو أن الروبوتات اللينة تصلح لسوء المعاملة " و أضاف " التدرج في صلابة مواد الروبوت تسمح له أن يصمد تحت تأثير العشرات من عمليات الهبوط و عملية الاحتراق المطلوبة للقفز. ونتيجة لذلك، فإن الروبوت لا يظهر المتانة فحسب ولكن يمكنه التحرك بسرعة أكبر بكثير من الروبوتات اللينة التقليدية ".
إن قدرة الروبوت على القفز وليونة جسمه و حركته ستكون مؤثرة جداً في البيئات القاسية وغير المتوقعة أو في حالات الكوارث، حيث ستكون تلك العوامل مهمة لبقاء الروبوت يعمل بعد السقوط الكبير وغيره من التطورات غير المتوقعة.
و يقول “wood” : "الروبوتات اللينة فرع جديد نسبياً ، و الطباعة ثلاثية الأبعاد تضيف ذخيرة من الأشياء التي يمكن القيام بها بطريقة عملية حقا".
وفي النهاية نعود لنؤكد أن هذا التصميم الجديد يوضح الإمكانيات الكبيرة للطباعة ثلاثية الأبعاد في مجال الروبوتات اللينة من زيادة الانتاجية و توفير المال إلى إمكانية التكرار و سرعة الطباعة. بينما الطرق التقليدية في تصنيع - قوالب مخصصة والتجميع متعدد الخطوات - مكلفة وبطيئة.
فهل برأيكم سيكون هذا الروبوت مدخلاً على عالم الروبوتات اللينة و طباعة الروبوتات بالطابعات ثلاثية الأبعاد؟
لرؤية طريقة عمل الروبوت تابعو مقطع الفيديو التالي:
المصادر:
Nicholas W. Bartlett، et al.، “A 3D-printed، functionally graded soft robot powered by combustion،”[1] Science 10 July 2015: Vol. 349 no. 6244 pp. 161-165; DOI: 10.1126/science.aab0129.
Harvard Engineers Create a 3D Printed Autonomous Robot. (2015، July 13). Retrieved August 17،[2] 2015