البيولوجيا والتطوّر > علم المورثات والوراثة
ترجمة الشيفرات الوراثية واصطناع البروتينات
سُمِّيَت عملية اصطناع البروتينات ضمن الكائنات الحية بالترجمة لأنها تعتمد بشكل أساسي على تحويل الشيفرة الوراثية المكتوبة بوساطة تسلسل القواعد الوراثية الأربعة ضمن شريط المادة الوراثية الــDNA إلى سلاسل من الأحماض الأمينية التي تعرف بالسلاسل الببتيدية، حيث يتألف البروتين الناتج من 100 -1000 حمض أميني. وكما ذكرنا في مقالات سابقة هنا و هنا فإنَّ التشفير في المادة الوراثية ثلاثي، أي أنَّ كل ثلاثة قواعد وراثية متتالية تشفر لحمض أميني معين. ويُعرَف هذا التشفير الثلاثي بالكود الجيني genetic codon. وبالتالي فإنَّ عدد الكودات الجينية المحتملة هو 43 =64 كودون، ثلاثة منها لا تشفر لأي حمض أميني وتعرف بكودونات التوقف وتوجد في نهاية الجين وتفيد في أيقاف عملية الترجمة. بينما يوجد الكود AUG المشفر للحمض الأميني الميثونين في بداية كل جين وهو يعرف بكودون البداية Start codon.
تبدأ عملية صناعة البروتين في الخلية الحية بعملية نسخ المادة الوراثية الـــ DNA إلى أولى أنواع الـــ RNA والذي يعرف بالــــ RNA الرسول، حيث تتباعد سلسلتي الـــ DNA في منطقة الجين المطلوب وتعمل إحدى هاتين السلسلتين المحتوية على المعلومات الوراثية المشفرة للجين كقالب لنسخ الــRNA الرسول، ويكون تسلسل الــ mRNA الناشئ مكمِّلاً لتسلسل قالب الــ DNA بحيث يقابل كل غوانين مع سايتوزين، وكل سايتوزين مع غوانين وكل ثايمين مع الأدنين بينما برتبط الأدنين مع اليوراسيل في الــ mRNA. كما في الشكل:
تطرأ على الـــ RNA الرسول عدة عمليات قبل أن يغادر النواة ويصبح جاهزاً لعملية الترجمة وصناعة البروتين في سيتوبلازم الخلية، ويتميز الـــ RNA الرسول بصغر حجمه مقارنة مع الـــ DNA، الأمر الذي يُسَهِّل انتقاله من نواة الخلية إلى السيتوبلازم. فعلى سبيل المثال يحتوي الـــ RNA الرسول المشفر لجين الفينل ألانين هيدروكسيل على 90 ألف قاعدة وراثية. بينما يحتوي الصبغي رقم 12 الحامل لهذا الجين على 130 مليون زوج من القواعد الوراثية حيث يشكل هذا الجين نسبة أقل من 0.1% من الطول الكلي للمادة الوراثية التي يحتويها هذا الصبغي.
تبدأ عملية ترجمة الـــ mRNA في الستوبلازم بمساعدة جزيئات حيوية تعرف بالريبوزم Ribosome الذي يتألف من تحت وحدتين منفصلتين، تحت الوحدة الكبيرة وتحت الوحدة الصغيرة. ويتم اتحاد الوحدتين عند بداية اصطناع البروتين. ويحتوي الريبوزم على النوع الثاني من الـــ RNA والذي يعرف بالــ RNA الريباسي ويرمز له بـــ rRNA.
ترتبط الوحدة الصغير بالـــ RNA الرسول القادم من النواة وتتحرك عليه حتى تجد شيفرة البداية (AUG) المرمزة للحمض الأميني الميتونين، ثم ترتبط معها الوحدة الكبيرة والنوع الثالث من الـــ RNA والذي يعرف بالـــ RNA الناقل (tRNA). ويحتوي هذا النوع من الـــ RNA على كودون ثلاثي ( anti-codon ) مكمل للكودون الموجود على نظيره الرسول. وتكون مهمة هذا النوع من RNA هو نقل الأحماض الأمينية إلى السلسلة الببتيدية التي يتم تصنيعها.
وبالتالي إنَّ كل شيفرة وراثية تلاثية داخل الــــ mRNA يقابلها حمض أميني يوجد له RNA ناقل خاص به ويقوم بنقله إلى الريبوزوم لإتمام عملية الترجمة. حيث تنطلق عملية الترجمة بتوضع الـــ RNA الناقل ضمن الوحدة الكبرى للرايبوزم في الموقع A مقابلاً للكود الجيني الموافق له. وتحتوي الوحدة الكبرى للريبوزوم على موقع أخر P يكون مشغولاً في هذه اللحظة بالــ RNA الناقل المرتبط بالحمض الأميني الميثونين. حيث يشكل هذا الحمض شيفرة البداية لجميع الجينات. تتشكّل رابطة بين الحمض الأميني الموجود في A والحمض الأميني الموجود في P تدعى بالرابطة الببتيدية وهي الرابطة التي تجمع الحموض الأمينية فيما بينها لتشكيل البروتين.
يتحرك بعدها الريبوزم على طول شريط RNA الرسول لقراءة الكودون التالي ويكون طول الخطوة ثلاثة قواعد وراثية، وينتج عن هذه العملية مغادرة الــ tRNA الموجود في الموقع P لعملية الترجمة وانتقال الــ tRNA الموجود في الموقع A إلى الموقع p، ليأتي بعدها امينو اسيل -tRNA جديد حسب الرامزة التالية في mRNA ويتوضع في الموقع A. وتحدث بعدها نفس العملية (يرتبط الحمض الاميني في A مع الحمض الأميني في P ثم مغادرة tRNA الموقع P.
تستمرّ هذه الخطوات بالتكرار حيث يتحرّك الريبوزوم كل مرّة على ال mRNA ليترجم الكودون تلو الأخرى من خلال ربط حمض أميني جديد للسلسلة حتى الوصول إلى واحد من كودونات التوقف الثلاثة في mRNA التي لا يوجد لها كودون مقابل على الـ tRNA، عندها تنفصل وحدتي الريبوزوم و يتحرّر البروتين المصطنع، كما في الشكل:
تعطي السلسلة من الحموض الأمينية ما يعرف بالبنية الأوليِّة للبروتين إذ تتشكل بعد ذلك روابط أخرى في جزيئة البروتين وتلتف على بعضها لتأخذ شكل ثلاثي الأبعاد.
وختاماً سنأتي على أهميّة هذه العمليّة والدور الذي تلعبه البروتينات في الجسم والذي يتمثّل كالتالي:
• الأضداد: وهي أجسام بروتينية ترتبط مع الأجسام الغريبة وتقدّمها لجهاز المناعة ليقوم بالقضاء عليها.
• بروتينات التقلّص: التي تدخل في بناء العضلات المحركة وبالتالي مسؤولة عن الحركة وهي الأكتين والميوزين.
• الهرمونات : فبعض الهرمونات طبيعتها بروتينية مثل الأنسولين.
• البروتينات الناقلة: تجول في الدم وتربط بعض العناصر والمركبات مثل الألبومين بالإضافة إلى الترانسفرين الذي ينقل الحديد .
• كذلك فإن البروتينات يمكن أن تُعَدَّ مصدراً للطاقة حيث يؤدّي تحطّمها إلى تحرر الوحدات الأساسية وهي الحموض الأمينية التي يمكن أن تخضع للاستقلاب فتتشكّل طاقة.
• بالإضافة إلى ذلك توجد العديد من الوظائف التنظيمية على المستوى الخلوي والنسيجي.
• بعض البروتينات لا تملك دوراً وظيفياً لكنّ لها دوراً بنائياً مثل بروتين الكيراتين الذي يوجد في الشعر والأظافر وبروتين الكولاجين الذي يوجد في العظام والجلد.